إضاءة على نصّ ( لك خلوة ) للشاعرة ربا مسلّم .
______________
*في السّكون ( الخلوة ) تتكشّف النفس للنفس فماعاد للرقيب حضور . تتعرّى اللهفة ولا شيء يميت أكثر من الحنين . إنّه بكاء الوطن ( الحبيب ) وبكاء على وطنٍ أرمل لا حياة اليوم فيه ؛ فالحجارة تبكي فقدان الحياة والشجر ( الخير والجمال ) راحلٌ ....
*لماذا طفل الحنين يبكي ؟ الحنين شعور للأوطان لا للأشخاص وهو هنا حنين لوطن ضاع وهي تريد البكاء ولكن في وطنها ولأنه لم يعد كمان كان تحبس دموعها حتى يعود . وتسأل : أين يبكي الحجر للبحث عن مكان لبكائها هي .
الشاعرة لا تبحث عن يوتوبيا كما فعلت نازك الملائكة يوما في نصّها المعروف بل ربا فقدت يوتوبياها حين فقدت الوطن المعشوق والحبيب .
*العلاقة بين المفردات علاقة تثير فيك الدّهشة فللغياب انصراف ؛ وللعين حرارة ؛ هي حرارة النظرة الساكنة في الذاكرة ؛ والقصائد تتعرّى وهي صورٌ في نهاية الأمر تعلن عن نفسها وتقدّم لك معنى تحتاج إلى الكثير من الوقت كي تعيد توازن الذات إلى الذّات ؛ (واستيقظ عشب محروق الأهداب )(وخزت بشرتي حرارة عينيك ) (النهار المحطّم )(أهاجر نحوي
عسى شفتاك /تلتقطان ظلي )(كيف يمكن ألا يغمى على الليل/ويسقط بين ذراعيك كطائر جريح)......والحقيقة أنّ الحبيب الوطن والوطن الحبيب لا فرق بينهما في نصّها أو لا يستطيع القارئ أن ينسلهما من بعضهما البعض
*وهذه الصور والرّموز والمفردات تومئ إلى مدرستين فنيّتين الأولى المدرسة الوحشيّة فمفرداتها تشكّل مع مفردات أخرى ألواناً صارخةً رغم بساطة المحتوى وربّما الخطوط المكوّنة . والثانية هي المدرسة التعبيرية التي تعتمد على إظهار بعض التّعابير والملامح والأحاسيس معاً . انظر إلى قولها : أين يبكي الحجر ؟ من المعروف أننا حين نريد قسوة في مشاعر شخص نقول : قلبه كالحجر . فكيف يبكي الحجر ؟ فالعبارة بهذا التشكيل الفني مربكة . فهي ( الشاعرة ) إمّا أنها تقرّر أنّ الحجر لا يبكي من خلال هذا الاستفهام المكاني . أو تريد المكان بعد أن رسمت الإطار الزمني للوحة الأولى فعلا . وهي والحجر شيء واحد فهو يشبهها (آه أيها الحجر الشاحب ُكم تشبهني
لنا ذات المنفى في ذات الوطن)
ثم هاك عبارة أخرى تؤكّد ما ذهبنا إليه :(غدا أرمل ) والأرمل من فقد زوجة وكذلك المجدب المقفر من الأرض وهي أرادت المعنيين معاً فالحجر فقد ناسه وأهله كما فقد الوطن خيره وإلاّ فكيف يرحل الشجر ؟!!
*ثمّ انظر إلى المقطع الأوّل كيف أشبعته بالأفعال ذات الزّمن الماضي (انصرف . انهمر . استيقظ . وخزت . تعرت . ) وفي المقطع الثاني تكاد لا ترى ماضيا بل استخدمت الأفعال الحاضرة ( الفعل المضارع ) ( أجدني . أفتقدك . يبكي . يرث . أريد . ..... ) وتكاد لا تلمح هنا أيّ ماضٍ من الأفعال .!!
حاول جلجامش أن يقاوم ويتحدّى الزمن وسطوته لكنّه فشل بعد رحلته المضنية المعروفة وحاولت شاعرتنا أن تبدأ بالماضي تفاؤلاً منها علّه قد رحل وانتهى ألمها وربّما كان هذا تفاؤلها الوحيد في النصّ فسُقط في يدها وفشلت في إيقاف زمنها كما فشل جلجامش في تحدي الزمن للوصول إلى الخلود . والأفعال تدلّ على الحركة والانتقال والتغيير والآنيّة منها تدلّ على دوام حالة صاحب الفعل والوصف للحالة الرّاهنة . وربّما هو واقع يصعب تغييره لذلك ختمت مقطعها الثاني : ( أين يرحل الشجر / أين يبكي الحجر ) وهذا الاستفهام كان الهدف منه التعجّب والاستئناس لأنّ المخاطب كما المتعلّم يعلم أين وكيف ولم وأين يرحل الشجر ولماذا .
*وفي المقطع الأخير تتكشف ملامح الحبيب وهذا الارتباط ذو الوشائج التي لا تنفصل عُراها فهو هي وهي هو وهما على ملمح واحد
(فأستعيد بعض ملامحي
ويضيء الماء بصوتي يهمس أحبك
تمنيت ُ لو يوما ً عدت ُ منك ألي َ
كم كان جميلا ٌ لو بقينا معا ٌ)
*وللحقيقة يُقال الكثير في مثل هذه النّصوص التي لا تفتأ تأخذك إلى عوالم عصيّة لكنّها لا تعيدك كما كنت حين بدأت .
______________
* ملاحظة :تقسيمات النصّ إلى ثلاثة مقاطع هي من صنعي .
______________
تقول الشاعرة ربا مسلّم :
1_
لك َخلوة ٌ
في وحشة النسيان ِ
كلما انصرف َالغياب ُ
وانهمر َالثلج ُ
فوق شَعر الأحلام
واستيقظ عشب ٌمحروق الأهداب
ووخزت بشرتي حرارة ُعينيك َ
وتعرت تحت سماء ٍأقل ُارتفاعا
قصائد ُاللهفة
2_
لك َ خلوةُ
في السكون ِ
حين لا أجدني
فأفتقدك َ وأفتقدني
ويبكي فوق صدري طفل الحنين
آه ٍمن يرث ُالنهار المحطم ؟
أريد ُأن أبكي
لكن دموعي لا تنهمر
في غير وطني
أين يبكي الحجر
غدا أرمل
أين يمشي الشجر
حافي الذاكرة
أين ينام العطر
عاري الجرح
آه أيها الحجر الشاحب ُكم تشبهني
لنا ذات المنفى في ذات الوطن
3_
أهاجر نحوي
عسى شفتاك
تلتقطان ظلي
ينشب الوقت مخالبه
في أفق معطل
غائم الشفاه
قافلة أحلامه توقفت
لاتقدر أن تختبئ وراء ظلك طويلا ً
حتى الظل ُيخدعك أحيانا ً
حين يلمس عطرك جسدي
كيف يمكن لأحلامي أن تتنفس ببطء
حين يمتزج حنيني بأنفاسك
كيف يمكن ألا يغمى على الليل
ويسقط بين ذراعيك كطائر جريح
أيتها النوافذ أما من باب لك ِ
أيتها الريح أما من نشوة تكسر أجنحتك
آه يا روحي
خذني الى النهر
عساه ينهمر من عيوني
فأستعيد بعض ملامحي
ويضيء الماء بصوتي يهمس أحبك
تمنيت ُ لو يوما ً عدت ُ منك ألي َ
كم كان جميلا ٌ لو بقينا معا ٌ
أتدري لازالت أمنيتي
أن ألقي القبض على ابتسامتك يوما
______________
*في السّكون ( الخلوة ) تتكشّف النفس للنفس فماعاد للرقيب حضور . تتعرّى اللهفة ولا شيء يميت أكثر من الحنين . إنّه بكاء الوطن ( الحبيب ) وبكاء على وطنٍ أرمل لا حياة اليوم فيه ؛ فالحجارة تبكي فقدان الحياة والشجر ( الخير والجمال ) راحلٌ ....
*لماذا طفل الحنين يبكي ؟ الحنين شعور للأوطان لا للأشخاص وهو هنا حنين لوطن ضاع وهي تريد البكاء ولكن في وطنها ولأنه لم يعد كمان كان تحبس دموعها حتى يعود . وتسأل : أين يبكي الحجر للبحث عن مكان لبكائها هي .
الشاعرة لا تبحث عن يوتوبيا كما فعلت نازك الملائكة يوما في نصّها المعروف بل ربا فقدت يوتوبياها حين فقدت الوطن المعشوق والحبيب .
*العلاقة بين المفردات علاقة تثير فيك الدّهشة فللغياب انصراف ؛ وللعين حرارة ؛ هي حرارة النظرة الساكنة في الذاكرة ؛ والقصائد تتعرّى وهي صورٌ في نهاية الأمر تعلن عن نفسها وتقدّم لك معنى تحتاج إلى الكثير من الوقت كي تعيد توازن الذات إلى الذّات ؛ (واستيقظ عشب محروق الأهداب )(وخزت بشرتي حرارة عينيك ) (النهار المحطّم )(أهاجر نحوي
عسى شفتاك /تلتقطان ظلي )(كيف يمكن ألا يغمى على الليل/ويسقط بين ذراعيك كطائر جريح)......والحقيقة أنّ الحبيب الوطن والوطن الحبيب لا فرق بينهما في نصّها أو لا يستطيع القارئ أن ينسلهما من بعضهما البعض
*وهذه الصور والرّموز والمفردات تومئ إلى مدرستين فنيّتين الأولى المدرسة الوحشيّة فمفرداتها تشكّل مع مفردات أخرى ألواناً صارخةً رغم بساطة المحتوى وربّما الخطوط المكوّنة . والثانية هي المدرسة التعبيرية التي تعتمد على إظهار بعض التّعابير والملامح والأحاسيس معاً . انظر إلى قولها : أين يبكي الحجر ؟ من المعروف أننا حين نريد قسوة في مشاعر شخص نقول : قلبه كالحجر . فكيف يبكي الحجر ؟ فالعبارة بهذا التشكيل الفني مربكة . فهي ( الشاعرة ) إمّا أنها تقرّر أنّ الحجر لا يبكي من خلال هذا الاستفهام المكاني . أو تريد المكان بعد أن رسمت الإطار الزمني للوحة الأولى فعلا . وهي والحجر شيء واحد فهو يشبهها (آه أيها الحجر الشاحب ُكم تشبهني
لنا ذات المنفى في ذات الوطن)
ثم هاك عبارة أخرى تؤكّد ما ذهبنا إليه :(غدا أرمل ) والأرمل من فقد زوجة وكذلك المجدب المقفر من الأرض وهي أرادت المعنيين معاً فالحجر فقد ناسه وأهله كما فقد الوطن خيره وإلاّ فكيف يرحل الشجر ؟!!
*ثمّ انظر إلى المقطع الأوّل كيف أشبعته بالأفعال ذات الزّمن الماضي (انصرف . انهمر . استيقظ . وخزت . تعرت . ) وفي المقطع الثاني تكاد لا ترى ماضيا بل استخدمت الأفعال الحاضرة ( الفعل المضارع ) ( أجدني . أفتقدك . يبكي . يرث . أريد . ..... ) وتكاد لا تلمح هنا أيّ ماضٍ من الأفعال .!!
حاول جلجامش أن يقاوم ويتحدّى الزمن وسطوته لكنّه فشل بعد رحلته المضنية المعروفة وحاولت شاعرتنا أن تبدأ بالماضي تفاؤلاً منها علّه قد رحل وانتهى ألمها وربّما كان هذا تفاؤلها الوحيد في النصّ فسُقط في يدها وفشلت في إيقاف زمنها كما فشل جلجامش في تحدي الزمن للوصول إلى الخلود . والأفعال تدلّ على الحركة والانتقال والتغيير والآنيّة منها تدلّ على دوام حالة صاحب الفعل والوصف للحالة الرّاهنة . وربّما هو واقع يصعب تغييره لذلك ختمت مقطعها الثاني : ( أين يرحل الشجر / أين يبكي الحجر ) وهذا الاستفهام كان الهدف منه التعجّب والاستئناس لأنّ المخاطب كما المتعلّم يعلم أين وكيف ولم وأين يرحل الشجر ولماذا .
*وفي المقطع الأخير تتكشف ملامح الحبيب وهذا الارتباط ذو الوشائج التي لا تنفصل عُراها فهو هي وهي هو وهما على ملمح واحد
(فأستعيد بعض ملامحي
ويضيء الماء بصوتي يهمس أحبك
تمنيت ُ لو يوما ً عدت ُ منك ألي َ
كم كان جميلا ٌ لو بقينا معا ٌ)
*وللحقيقة يُقال الكثير في مثل هذه النّصوص التي لا تفتأ تأخذك إلى عوالم عصيّة لكنّها لا تعيدك كما كنت حين بدأت .
______________
* ملاحظة :تقسيمات النصّ إلى ثلاثة مقاطع هي من صنعي .
______________
تقول الشاعرة ربا مسلّم :
1_
لك َخلوة ٌ
في وحشة النسيان ِ
كلما انصرف َالغياب ُ
وانهمر َالثلج ُ
فوق شَعر الأحلام
واستيقظ عشب ٌمحروق الأهداب
ووخزت بشرتي حرارة ُعينيك َ
وتعرت تحت سماء ٍأقل ُارتفاعا
قصائد ُاللهفة
2_
لك َ خلوةُ
في السكون ِ
حين لا أجدني
فأفتقدك َ وأفتقدني
ويبكي فوق صدري طفل الحنين
آه ٍمن يرث ُالنهار المحطم ؟
أريد ُأن أبكي
لكن دموعي لا تنهمر
في غير وطني
أين يبكي الحجر
غدا أرمل
أين يمشي الشجر
حافي الذاكرة
أين ينام العطر
عاري الجرح
آه أيها الحجر الشاحب ُكم تشبهني
لنا ذات المنفى في ذات الوطن
3_
أهاجر نحوي
عسى شفتاك
تلتقطان ظلي
ينشب الوقت مخالبه
في أفق معطل
غائم الشفاه
قافلة أحلامه توقفت
لاتقدر أن تختبئ وراء ظلك طويلا ً
حتى الظل ُيخدعك أحيانا ً
حين يلمس عطرك جسدي
كيف يمكن لأحلامي أن تتنفس ببطء
حين يمتزج حنيني بأنفاسك
كيف يمكن ألا يغمى على الليل
ويسقط بين ذراعيك كطائر جريح
أيتها النوافذ أما من باب لك ِ
أيتها الريح أما من نشوة تكسر أجنحتك
آه يا روحي
خذني الى النهر
عساه ينهمر من عيوني
فأستعيد بعض ملامحي
ويضيء الماء بصوتي يهمس أحبك
تمنيت ُ لو يوما ً عدت ُ منك ألي َ
كم كان جميلا ٌ لو بقينا معا ٌ
أتدري لازالت أمنيتي
أن ألقي القبض على ابتسامتك يوما