قيلَ الكثير جداً
عن أهمية الترميز في الإبداع. ومما قيل إنَّ المبدع الحقيقي، المبدع الكبير، هو
ذلك الذي يستطيع أن يغلّف رؤاه ويجعل القارئ المتمرّس يشعرُ باللّذة والإثارة وهو
يختطف المخفي من النص الأدبي، ولن يستطيع المبدع ذلك إلاَّ من خلال استخدام
الرّموز، التي من شأنها أن تحرّر لغته من سطوةِ المعنى الخارجي، وأن تمنحه بُعداً
يبدو للبعض خفياً وللبعض الآخر جلياً. وهذا البعد يتمثل في الرَّمز الذي لم يصل
الإبداع إليه إلاَّ بعد تأملٍ طويل ووقفة مع الأعمال الإبداعية العظيمة، بتجلياتها
وما تحمله من أبعاد وتأويلات.
يحدّدُ أدونيس
الرَّمز في الشِّعر فيقول: "الرَّمز هو ما ينتج لنا أن نتأمل شيئاً آخر وراء
النص، فالرَّمز هو قبل كل شيء معنى خفي وإيحاء؛ إنه اللُّغة التي تبدأ حين تنتهي
لغة القصيدة، والقصيدة التي تتكوّن في وعيك بعد قراءة القصيدة؛ إنه البرق الذي
يبيح للوعي أن يستشفَّ عالماً لا حدود له. لذلك هو إضاءة للوجود المعتم، واندفاع
صوت الجوهر".
ويرى الدُّكتور
محمد ياسين صبيح
أنَّ للكاتب
الحرية في التَّعبير عن وجهة نظره وفي كيفية توصيل أفكاره، وفي الرُّموز التي
يستخدمها لتوصيل الفكرة، فلماذا نسلب الكاتب حقه، فهو حرّ، والقارئ حرٌّ في تلقي
النَّص وإعجابه به، وفي إبداء رأيه حوله، فمن عليه التَّمرسَ بالأدب يجب أن
يكون لديه ثقافة أدبية تساعده في تلمّس تأويلات النُّصوص واستخدام أساليب كتابية
متعددة، لذلك ليس من الصَّواب أن نقول أن الرَّمزية هي سرطان، فالسَّرطان بحد ذاته
رمز لم يستطع العلم فكَّ شيفرته بعد، فعدم فهمنا للشيء لا ينقص من قيمته، وإلّا
لكانت كل العلوم الدِّينية والفلسفية في مهبِّ الرِّيح.
ويرى الدُّكتور
والنَّاقد السُّوري زهير سعود
أنَّ نصّ الققج
المعقّد والمبني على الرَّمز وعلم الدَّلالة هو رسالة مشفّرة بصورة تعبيرية يقف
على طرفيها مرسل اشتغل بمتعة تحميل نصّه شروط عمله الأدبي الضخم والمضغوط في
بضعة ألفاظ معجمية ومرسل إليه انشغل بمتعة الاجتهاد والبحث والسُّؤال لتفكيك شفرات
النصّ وبلوغ مداليله.
ويرى الكاتب
والنَّاقد العراقي رائد الحسن
أنَّ هناك بعض
الكتّاب يستخدمون الرُّموز لتلغيز نصوصهم، ظنّا منهم بأنَّه كلّما كانَ النَّص
مُلغّزًا فسيكون ذلك أفضل، على مبدأ التلميح دون التَّصريح ثم سينفتح على تأويلات
كثيرة، وهذا ليس بالصَّحيح، لأنهم هنا يضعون نصوصهم في خانة الأحجية والإبهام
والالتباس، ومنهم لا يتركون مفتاحًا واحدًا، حتى مِن خلاله يتم فك (طلسم) النص.
كما أنَّ الكثير
من الكتاب والنُّقاد يرونَ أنَّ الإفراط في الرَّمزية من شأنه أن يسبّبَ النُّفور
من هذا الجنس الأدبي، باعتبار الققج أدب موجّه لجميع شرائح المجتمع مع اختلاف
ثقافاتهم.