كما أستمتع بالنصوص، أستمتع أيضاً
بالتعليقات الذكية التي تقع بمهارة على فجوات البناء في النص .
أتفق مع صديقي عامر العيثاوي فى ملاحظتيه، فصديقي رسول يحي يتميز بمهارة التقاط اللحظة القصصية, كما يمتلك حساً إنسانياً متفوقاً، لذلك ترى في نصوصه الإنسان عارياً من الزيف في لحظات نادرة تتضافر فيها عناصر السمو الإنساني مع عناصر الضعف - وربما الخسة - ..
يبرع صديقي رسول في اقتحام تلك المنطقة والتعامل معها بفهم ودراية، وهي في ظني المنطقة التي صنعت عمالقة القص المعروفين، فما برز قاص على المستوى العالمي أو المحلي إلا من تلك المنطقة شديدة الحساسية منذ معطف جوجول. صديقي رسول لا يزجي خطابات تعبوية، ولا يؤطر لمفهوم أيديولوجي، ولا يسعى إلى الترويج لفكرة يتبناها، بل يطرح الإنسان عارياً من الزيف في لحظة واقعية نادرة لا يلتقطها إلا قصاص يعي روح القصة القصيرة وجوهرها.
على أني أتفق أيضاً مع الملاحظتين اللتين أبداهما صديقي العيثاوي بشأن الاستهلال فالقصة يمكن أن تبدأ ببساطة مع الجملة ( طغى هدوء غريب على المكان) مع الاستغناء عن الفقرة التي سبقتها. وبشأن ما أسماه العيثاوي ( المبالغات اللفظية في السرد . )، تلك المبالغات التي سبق أن أشرت إليها في النص السابق بعنوان ( المقصلة ) .. ولقد قلت بالنص :
" لكني أود أن أشير إلى ظاهرة أجدها في كل نصوص صديقي رسول يحي . وهي الإفراط في الصور البلاغية, والإزاحات اللغوية بما يتعارض مع مقتضيات التكثيف في القصة القصيرة .
لا شك أن تلك العبارات ترفع من مستوى اللغة . لكن يمكن الاستغناء عنها جميعاً دون أن يختل سياق النص ".
وهاأنا أشير إلى عبارات مشابهة في النص ( وخز وتراتيل):
- يحرقني صمت سرطاني جاثم في دوامات الماضي والحاضر
- في زمن تعرى من كل الألوان في عبث محترق بدون خلاص
- ّ يداعب قنوات الدمع بحزن أعمق وبهضيمة أكبر
- الخوف من السقوط في بحر السراب والرمال اللامعة بلا ماء يروي العطش ويطفئ شواظ الحر.
- أفواه مقابر مشرعة على مصرعيها وحفر تحتضن أشلاء أجساد وعيون ما فترت .........
- في زمن لا يعرف كيف يدار.
أظن أن نصوص صديقي رسول يحي يمكنها أن تقف بثبات إلى جوار نصوص عمالقة القص بما تتضمنه من تجارب إنسانية متفردة وأصيلة، لو أنه تخلص بجرأة من المبالغات اللغوية.
تحياتي وتقديري لك صديقي العزيز المتميز رسول يحي
_______
أتفق مع صديقي عامر العيثاوي فى ملاحظتيه، فصديقي رسول يحي يتميز بمهارة التقاط اللحظة القصصية, كما يمتلك حساً إنسانياً متفوقاً، لذلك ترى في نصوصه الإنسان عارياً من الزيف في لحظات نادرة تتضافر فيها عناصر السمو الإنساني مع عناصر الضعف - وربما الخسة - ..
يبرع صديقي رسول في اقتحام تلك المنطقة والتعامل معها بفهم ودراية، وهي في ظني المنطقة التي صنعت عمالقة القص المعروفين، فما برز قاص على المستوى العالمي أو المحلي إلا من تلك المنطقة شديدة الحساسية منذ معطف جوجول. صديقي رسول لا يزجي خطابات تعبوية، ولا يؤطر لمفهوم أيديولوجي، ولا يسعى إلى الترويج لفكرة يتبناها، بل يطرح الإنسان عارياً من الزيف في لحظة واقعية نادرة لا يلتقطها إلا قصاص يعي روح القصة القصيرة وجوهرها.
على أني أتفق أيضاً مع الملاحظتين اللتين أبداهما صديقي العيثاوي بشأن الاستهلال فالقصة يمكن أن تبدأ ببساطة مع الجملة ( طغى هدوء غريب على المكان) مع الاستغناء عن الفقرة التي سبقتها. وبشأن ما أسماه العيثاوي ( المبالغات اللفظية في السرد . )، تلك المبالغات التي سبق أن أشرت إليها في النص السابق بعنوان ( المقصلة ) .. ولقد قلت بالنص :
" لكني أود أن أشير إلى ظاهرة أجدها في كل نصوص صديقي رسول يحي . وهي الإفراط في الصور البلاغية, والإزاحات اللغوية بما يتعارض مع مقتضيات التكثيف في القصة القصيرة .
لا شك أن تلك العبارات ترفع من مستوى اللغة . لكن يمكن الاستغناء عنها جميعاً دون أن يختل سياق النص ".
وهاأنا أشير إلى عبارات مشابهة في النص ( وخز وتراتيل):
- يحرقني صمت سرطاني جاثم في دوامات الماضي والحاضر
- في زمن تعرى من كل الألوان في عبث محترق بدون خلاص
- ّ يداعب قنوات الدمع بحزن أعمق وبهضيمة أكبر
- الخوف من السقوط في بحر السراب والرمال اللامعة بلا ماء يروي العطش ويطفئ شواظ الحر.
- أفواه مقابر مشرعة على مصرعيها وحفر تحتضن أشلاء أجساد وعيون ما فترت .........
- في زمن لا يعرف كيف يدار.
أظن أن نصوص صديقي رسول يحي يمكنها أن تقف بثبات إلى جوار نصوص عمالقة القص بما تتضمنه من تجارب إنسانية متفردة وأصيلة، لو أنه تخلص بجرأة من المبالغات اللغوية.
تحياتي وتقديري لك صديقي العزيز المتميز رسول يحي
_______
نص القصة
وخز وتراتيل
يحرقني صمت سرطاني جاثم في دوامات الماضي والحاضر، لا ينقضي ولا يشكل فارقا في زمن تعرى من كل الألوان في عبث محترق بدون خلاص. توابيتنا متحركة في كل زاوية وجانب تصطدم فيما بينها في عز النهار وتركد وتستكين وتتلوى على سرير الجوع والحرمان في الليالي المتحجرة. أنفاس فائرة تتلصص من النوافذ العالية تسرق لحظة حياة بعدد لا يعد ولا يحصى من الحسرات والدموع المحبوسة بين الجدران.
صدى الأصوات يخترق أذنيّ يداعب قنوات الدمع بحزن أعمق وبهضيمة أكبر. صنعت سورا من المقاومة من خلال خلق جوٍ أتعايش معه يبعدني عن ألم المعاناة، فوجدت العيش مع الجولات الأولى من الذاكرة أشد حدة وعذاباتها أكثر إيلاماً.
طغى هدوء غريب على المكان لم أعرفه من قبل عند سماع كلام العقيد؟!. الوجوه الشاحبة والكالحة مذهولة من وقع الخبر الذي نزل كالصاعقة والعيون تكاد تخرج من محاجرها والحدقات أخذتْ بالأتساع حتى كادت تنفجر من انتفاخها غير مصدقين الكلام.
- سيغلق ملف الأسرى نهائياً...
نعم نطق أخيراً بعد سكوت طويل وعيناهُ الوقحتان تتجولان في الوجوه، كأن شللاً أصابه وهو غارق في استجماع قواه والتفوه بها. كلمات استغرقت عشرة أعوام من العمر في انتظار النطق بها بعد انتهاء الحرب!.
فتح الأبواب .. انفكاك القيد.. الحرية .. مهاجرة الفراغ.. وولع الارتماء، الخوف من السقوط في بحر السراب والرمال اللامعة بلا ماء يروي العطش ويطفئ شواظ الحر. رسمت خطا فاصلا بين نقطتين، أعادت تلك الحيرة والخوف وأنا أقف أمام شط العرب أُخيّرُ نفسيّ بين أن أعبر الشط أو اِستسلم لقدري ، فأنا لا أجيد السباحة ولم يسبق لي أن سبحت في بِرْكَة ماء؟!.
مسافات لا تشغلها سوى خطوات الموت في حال هرولة وهيجان وطواف . جزع.. حزن.. بكاء.. موت لم أعِ لماذا كل هذا في حينها؟!.
أفواه مقابر مشرعة على مصرعيها وحفر تحتضن أشلاء أجساد وعيون ما فترت تغلق وتفتح أهدابها على مدامع مسفوحة.
نداء التوسل يلطم ضفة الشط وعيون بائسة وخيار مرّ إما الموت غرقاً أو ذل الأسر.
- محمود دعنا نجلس ننتظر مصيرنا. الأسر أشهر معدودات .. أفضل من الموت.
رعاف مدينة تزفر دماً ينزلق كسيل مدمر معلنة تمردها تفكُّ جدائلها تخنق خطواتنا وتضيق بنا فترمينا على ساحلها منبوذين. أتشبث برجاء الوجود وطفولتي تهرب لائذة تمسك بشباك الضريح بيدي رجل عملاق .
أرواح تفور وعيون شاخصة تتكدس على شكل مجاميع في زمن لا يعرف كيف يدار. انهيار يجعلك تخرس في تراتيل صماء
حاولت تفكيك مغاليق الفراغ وهضم كلمات زميلي الآن فوجدت طعمها مراً بعد ستة عشر عاماً من الأسر. وسؤال هل يوجد جواب يختصر أثام الزمن؟!
يد رحيمة لامست كتفي من الخلف التفت فوجدت زميلي يبحلق وعلى وجهه ابتسامة لا تخفي حيرته ومخاوفة هو أيضاً أراد بها إبعاد هواجسي ومخاوفي ليثبت أنه قوي وصلب عكس ما بداخله من ألم وحسرة.
- ألم أقل لك بالأمس أن الله قريب ويرانا فرحمته وسعت كل شيء.
- لم أرغب بإطلاق رصاصة الرحمة وتبديد ابتسامته بمخاوفي فخرجت كلماتي مرتجفة ركيكة : الحمد لله.. الحمد لله على كل حال.
وخز وتراتيل
يحرقني صمت سرطاني جاثم في دوامات الماضي والحاضر، لا ينقضي ولا يشكل فارقا في زمن تعرى من كل الألوان في عبث محترق بدون خلاص. توابيتنا متحركة في كل زاوية وجانب تصطدم فيما بينها في عز النهار وتركد وتستكين وتتلوى على سرير الجوع والحرمان في الليالي المتحجرة. أنفاس فائرة تتلصص من النوافذ العالية تسرق لحظة حياة بعدد لا يعد ولا يحصى من الحسرات والدموع المحبوسة بين الجدران.
صدى الأصوات يخترق أذنيّ يداعب قنوات الدمع بحزن أعمق وبهضيمة أكبر. صنعت سورا من المقاومة من خلال خلق جوٍ أتعايش معه يبعدني عن ألم المعاناة، فوجدت العيش مع الجولات الأولى من الذاكرة أشد حدة وعذاباتها أكثر إيلاماً.
طغى هدوء غريب على المكان لم أعرفه من قبل عند سماع كلام العقيد؟!. الوجوه الشاحبة والكالحة مذهولة من وقع الخبر الذي نزل كالصاعقة والعيون تكاد تخرج من محاجرها والحدقات أخذتْ بالأتساع حتى كادت تنفجر من انتفاخها غير مصدقين الكلام.
- سيغلق ملف الأسرى نهائياً...
نعم نطق أخيراً بعد سكوت طويل وعيناهُ الوقحتان تتجولان في الوجوه، كأن شللاً أصابه وهو غارق في استجماع قواه والتفوه بها. كلمات استغرقت عشرة أعوام من العمر في انتظار النطق بها بعد انتهاء الحرب!.
فتح الأبواب .. انفكاك القيد.. الحرية .. مهاجرة الفراغ.. وولع الارتماء، الخوف من السقوط في بحر السراب والرمال اللامعة بلا ماء يروي العطش ويطفئ شواظ الحر. رسمت خطا فاصلا بين نقطتين، أعادت تلك الحيرة والخوف وأنا أقف أمام شط العرب أُخيّرُ نفسيّ بين أن أعبر الشط أو اِستسلم لقدري ، فأنا لا أجيد السباحة ولم يسبق لي أن سبحت في بِرْكَة ماء؟!.
مسافات لا تشغلها سوى خطوات الموت في حال هرولة وهيجان وطواف . جزع.. حزن.. بكاء.. موت لم أعِ لماذا كل هذا في حينها؟!.
أفواه مقابر مشرعة على مصرعيها وحفر تحتضن أشلاء أجساد وعيون ما فترت تغلق وتفتح أهدابها على مدامع مسفوحة.
نداء التوسل يلطم ضفة الشط وعيون بائسة وخيار مرّ إما الموت غرقاً أو ذل الأسر.
- محمود دعنا نجلس ننتظر مصيرنا. الأسر أشهر معدودات .. أفضل من الموت.
رعاف مدينة تزفر دماً ينزلق كسيل مدمر معلنة تمردها تفكُّ جدائلها تخنق خطواتنا وتضيق بنا فترمينا على ساحلها منبوذين. أتشبث برجاء الوجود وطفولتي تهرب لائذة تمسك بشباك الضريح بيدي رجل عملاق .
أرواح تفور وعيون شاخصة تتكدس على شكل مجاميع في زمن لا يعرف كيف يدار. انهيار يجعلك تخرس في تراتيل صماء
حاولت تفكيك مغاليق الفراغ وهضم كلمات زميلي الآن فوجدت طعمها مراً بعد ستة عشر عاماً من الأسر. وسؤال هل يوجد جواب يختصر أثام الزمن؟!
يد رحيمة لامست كتفي من الخلف التفت فوجدت زميلي يبحلق وعلى وجهه ابتسامة لا تخفي حيرته ومخاوفة هو أيضاً أراد بها إبعاد هواجسي ومخاوفي ليثبت أنه قوي وصلب عكس ما بداخله من ألم وحسرة.
- ألم أقل لك بالأمس أن الله قريب ويرانا فرحمته وسعت كل شيء.
- لم أرغب بإطلاق رصاصة الرحمة وتبديد ابتسامته بمخاوفي فخرجت كلماتي مرتجفة ركيكة : الحمد لله.. الحمد لله على كل حال.