» » قراءة نقدية لنص -أ – ريتا الحكيم القراءة بقلم – أ- زهرة خصخوصي

النّصّ:
________
تراتيلُ النُّورِ
تَرنو إلينا صُوَرُنا العتيقةَ، نُناغيها بشَغَفِ عُشَّاقِ الأمسِ
نَستجديها أزمِنتَنا الغابرةَ
كأطفالٍ يعانقون خُبزَ الحياةِ على قارِعَة البُؤسِ
أقولُ لكَ، ولَظى الأنفاسِ الَّلاهثةِ
إلى النِّهاياتِ المحتومةِ، يُطَوِّقُني
أنِ ابتسمْ للوجوهِ، رُبَّما تكونُ فُرصتَكَ الأخيرةَ
مَسِّدْ ضفائرَ اليقينِ، فُكَّ شرائِطَها
وأسدِلْ خصلاتِ البوحِ على ضفَّتيهِ
غلائِلَ مِنْ نورٍ
مَنْ باستطاعتهِ أنْ يُخمِدَ شوقَ
ذاكرةٍ وَلودٍ، تُغيظُ الزّهايمر في كلِّ اجتياحٍ
تمشي خِلسةً على أطرافِ الضَّجَرِ
تَحيكُ لهُ مِعطفاً وقُفَّازاتٍ
وتَندَسُّ في أكمامِه، تعويذةَ غُفرانٍ
لأيامِ قحطِ قادمةٍ
ما زلتُ مُصِرَّةً على أنَّ الصَّمتَ كالغُبارِ على الصَّرخةِ
وأنَّ الآتي لا يُشبِهُنا في شيءٍ
كلُّ ما في الأمرِ أنَّنا نُوغلُ في مَمَرَّاتِ الكلمةِ
ونتعثَّرُ بنقاطِها الباهِتَةِ
ذاتَ انتظارٍ، أخبرتُكَ أنَّنا لنْ نجرُؤَ يوماً
على ترويضِ فِتنةِ الزَّمنِ
حين تضعُ ساقَها البضَّةَ على حُزنِنا العتيقِ وتُغويهِ
فينسكبُ دمعُهُ على جُثثِ الفرحِ المُلقاةِ
على عاتقِ القَدَرِ
نغرسُ قُبُلاتِنا، شاماتٍ في عُنُقِ الوَداعِ
نُقايضُها بالفائضِ مِن إجحافِ المَرايا، حينَ تلمحُ شُحوبَ
الَّلحظةِ في ملامِحِنا الهاربةِ مِنْ مُلوحةِ الذِّكرياتِ
وصدأ المسافاتِ
تَحتضرُ خُزامى الرَّبيعِ الأخضرِ في دهاليزِ عِتابِنا المُرِّ
ونبقى عالِقَيْنِ في ثُقبِ الزَّوالِ، وصمةَ عِشقٍ
تأبى الاعترافَ بالتَّاريخِ والجُّغرافيا
نُرَدِّدُ نشيدَ الأناشيدِ على مسامعِ الضَّوءِ
فينكسِرُ على حوافِّ الدَّهشةِ
وبصوتٍ عالٍ، يهتفُ لنا: الحُبُّ دِينٌ؛ فاعتنقوه
هلِّلُويا! هلِّلُويا! هلِّلُويا!
الحُبُّ قامَ مِنِ بينِ الأمواتِ
القراءة:
أرجوحة الزّمن في القصيدة:
___________________
اُنتُسِجت هذه القصيدة زمانيّا في أرجوحة لا تهدأ حركتها، متقافزة أفعالها بين الحاضر والماضي والمستقبل منشودا ومرتقبا ومنفيّا، صوّر عبرها الشّاعر/ة حالة وجدانيّة تتلظّى بأنفاس الذّاكرة وبتحقّق المتوقَّع تنتشي في آن، كجريح حرب يلامس ساقه المبتورة، تفجعه بوارق الموت عليه تهوي وخافقه يهلّل لصدق رؤياه.
فالشّاعر/ة في هذه القصيدة يحضر ضميرا متكلّما مفردا يختنق الفعل في جمله بين ضفّتي زمن المضارع، ضفّة المضارع الدّالّ على وقوع الحدث وتحقّقه، به تبدأ القصيدة، وضفّة المضارع الدّالّ على المستقبل المحتمل وقوعه وقوعا فيه الفعل يكون مثبتا أو منفيّا، به تنتهي القصيدة. وبين الضّفّتين يمتدّ الطّلب، أمرا واستفهاما، كموج هادر في يمّ الرّوح المكلومة برماح الشّوق تنهال من أقواس ذاكرة لا ترحم. ليقف القارئ أمام هذه القصيدة وقفتي دهشة، وقفة دهشة أمام الصّورة الوجدانيّة المرهفة التي رسمتها الأفعال ووقفة دهشة أمام التّوظيف البديع لأزمنة تصريف الأفعال والأعمال اللّغويّة المختلفة للجمل توظيفا نسمع من خلاله ارتجافات الرّوح وأنينها وصليل سيوف الوجع فيها، بل وننتهي من آخر كلمات القصيدة وبنا دوار كأنّما كنّا نركب والشّاعر/ة أرجوحة الزّمان المتبلبلة تلك.
ويتجلّى ما ذكرته آنفا في ما يلي:
*[
تَرنو إلينا صُوَرُنا العتيقةَ، نُناغيها بشَغَفِ عُشَّاقِ الأمسِ
نَستجديها أزمِنتَنا الغابرةَ
كأطفالٍ يعانقون خُبزَ الحياةِ على قارِعَة البُؤسِ
أقولُ لكَ، ولَظى الأنفاسِ الَّلاهثةِ
إلى النِّهاياتِ المحتومةِ، يُطَوِّقُني]
___
ترنو/ نناغي/ نستجدي/ أقول: إخبار عن أحداث في زمن الحاضر
*[أنِ ابتسمْ للوجوهِ، رُبَّما تكونُ فُرصتَكَ الأخيرةَ
مَسِّدْ ضفائرَ اليقينِ، فُكَّ شرائِطَها
وأسدِلْ خصلاتِ البوحِ على ضفَّتيهِ
غلائِلَ مِنْ نورٍ ]
______
ابتسمْ/ مسّدْ/ فُكّ/ أسدلْ: طلب وقوع الحدث في المستقبل
* [مَنْ باستطاعتهِ أنْ يُخمِدَ شوقَ
ذاكرةٍ وَلودٍ، تُغيظُ الزّهايمر في كلِّ اجتياحٍ
تمشي خِلسةً على أطرافِ الضَّجَرِ
تَحيكُ لهُ مِعطفاً وقُفَّازاتٍ
وتَندَسُّ في أكمامِه، تعويذةَ غُفرانٍ
لأيامِ قحطِ قادمةٍ]
____
الاستفهام: طلب الظّفر بمعرفة إمكانيّة وقوع الفعل
[
ما زلتُ مُصِرَّةً على أنَّ الصَّمتَ كالغُبارِ على الصَّرخةِ *
وأنَّ الآتي لا يُشبِهُنا في شيءٍ
كلُّ ما في الأمرِ أنَّنا نُوغلُ في مَمَرَّاتِ الكلمةِ
ونتعثَّرُ بنقاطِها الباهِتَةِ]
_____
تأكيد الواقع حاضرا والمنتظر وقوعه مستقبلا
*[
ذاتَ انتظارٍ، أخبرتُكَ أنَّنا]
__________
زمن الماضي=استرجاع
[
لنْ نجرُؤَ يوماً *
على ترويضِ فِتنةِ الزَّمنِ
حين تضعُ ساقَها البضَّةَ على حُزنِنا العتيقِ وتُغويهِ
فينسكبُ دمعُهُ على جُثثِ الفرحِ المُلقاةِ
على عاتقِ القَدَرِ
نغرسُ قُبُلاتِنا، شاماتٍ في عُنُقِ الوَداعِ
نُقايضُها بالفائضِ مِن إجحافِ المَرايا، حينَ تلمحُ شُحوبَ
الَّلحظةِ في ملامِحِنا الهاربةِ مِنْ مُلوحةِ الذِّكرياتِ
وصدأ المسافاتِ
تَحتضرُ خُزامى الرَّبيعِ الأخضرِ في دهاليزِ عِتابِنا المُرِّ
ونبقى عالِقَيْنِ في ثُقبِ الزَّوالِ، وصمةَ عِشقٍ
تأبى الاعترافَ بالتَّاريخِ والجُّغرافيا
نُرَدِّدُ نشيدَ الأناشيدِ على مسامعِ الضَّوءِ
فينكسِرُ على حوافِّ الدَّهشةِ
وبصوتٍ عالٍ، يهتفُ لنا: الحُبُّ دِينٌ؛ فاعتنقوه
هلِّلُويا! هلِّلُويا! هلِّلُويا!
الحُبُّ قامَ مِنِ بينِ الأمواتِ]
_____
زمن المستقبل: نفي وقوع الحدث في المستقبل/ استشراف ورؤية استباقيّة
احتفاليّة الضّمائر وأنماط الكتابة :
_____________________
نحن أمام قصيدة نثر ارتأى لها الشّاعر/ة الاتّكاء على زوايا خاصّة عبرها تلتقط عدسة قريحته صورها الشّعريّة. ومن زوايا الاتّكاء التّصويريّ تلك يبدو لنا تعالق أنماط الكتابة والضّمائر تعالقا وظيفيّا بارزا في مسار نهر صور شعريّة دافق في ضفّتيه اجتمع نمط السّرد وضمير المتكلّم الجمع (نحن) بدءا ومنتهى، وفي عمقه تتعالى أصوات الخطاب الطّلبيّ أمرا واستفهاما معانقة ضمير المتكلّم المفرد (أنا) تارة، حضورا عبر إسناد الأفعال وإيماءً عبر صوت النّفس المتسائلة، وضمير المخاطَب المفرد (أنت) تارة أخرى عبر أفعال الأمر المسندة إليه.
فجعل/ت الشّاعر/ة قصيدته هذه احتفاليّة ضمائر تتهادى في هودج أنماط الكتابة في مسار دائريّ، كحلقة رقص حول نار العشق، يحتفي بالحبّ دينا متجدّدا لا يفنى كطائر الفينيق ينبعث ضياءً للرّوح من رميم الأموات، مردّدا "تراتيل النّور":
[
نُرَدِّدُ نشيدَ الأناشيدِ على مسامعِ الضَّوءِ
فينكسِرُ على حوافِّ الدَّهشةِ
وبصوتٍ عالٍ، يهتفُ لنا: الحُبُّ دِينٌ؛ فاعتنقوه
هلِّلُويا! هلِّلُويا! هلِّلُويا!
الحُبُّ قامَ مِنِ بينِ الأمواتِ]
وقد تمثّلت خارطة هذا المسار الاحتفاليّ الدّائريّ في ما يلي:
1/
بداية القصيدة سرديّة بطلها ضمير المتكلّم الجمع (نحن):
[
تَرنو إلينا صُوَرُنا العتيقةَ، نُناغيها بشَغَفِ عُشَّاقِ الأمسِ
نَستجديها أزمِنتَنا الغابرةَ
كأطفالٍ يعانقون خُبزَ الحياةِ على قارِعَة البُؤسِ]
2/
المقطع الثّاني خطابيّ تمثّلت دعامتاه في:
*
أسلوب الأمر متعالقا وضمير المتكلم المفرد وضمير المخاطَب المفرد المذكّر:
[
أقولُ لكَ، ولَظى الأنفاسِ الَّلاهثةِ
إلى النِّهاياتِ المحتومةِ، يُطَوِّقُني
أنِ ابتسمْ للوجوهِ، رُبَّما تكونُ فُرصتَكَ الأخيرةَ
مَسِّدْ ضفائرَ اليقينِ، فُكَّ شرائِطَها
وأسدِلْ خصلاتِ البوحِ على ضفَّتيهِ
غلائِلَ مِنْ نورٍ]
*
أسلوب الاستفهام صادحا بصوت النّفس المثقلة حيرةً:
[
مَنْ باستطاعتهِ أنْ يُخمِدَ شوقَ
ذاكرةٍ وَلودٍ، تُغيظُ الزّهايمر في كلِّ اجتياحٍ
تمشي خِلسةً على أطرافِ الضَّجَرِ
تَحيكُ لهُ مِعطفاً وقُفَّازاتٍ
وتَندَسُّ في أكمامِه، تعويذةَ غُفرانٍ
لأيامِ قحطِ قادمةٍ ]
3/
نهاية القصيد سرديّة عمادها ضمير المتكلم المفرد مندسّا في حضن المتكلم الجمع:
[
ما زلتُ مُصِرَّةً على أنَّ الصَّمتَ كالغُبارِ على الصَّرخةِ
وأنَّ الآتي لا يُشبِهُنا في شيءٍ
كلُّ ما في الأمرِ أنَّنا نُوغلُ في مَمَرَّاتِ الكلمةِ
ونتعثَّرُ بنقاطِها الباهِتَةِ
ذاتَ انتظارٍ، أخبرتُكَ أنَّنا لنْ نجرُؤَ يوماً
على ترويضِ فِتنةِ الزَّمنِ
حين تضعُ ساقَها البضَّةَ على حُزنِنا العتيقِ وتُغويهِ
فينسكبُ دمعُهُ على جُثثِ الفرحِ المُلقاةِ
على عاتقِ القَدَرِ
نغرسُ قُبُلاتِنا، شاماتٍ في عُنُقِ الوَداعِ
نُقايضُها بالفائضِ مِن إجحافِ المَرايا، حينَ تلمحُ شُحوبَ
الَّلحظةِ في ملامِحِنا الهاربةِ مِنْ مُلوحةِ الذِّكرياتِ
وصدأ المسافاتِ
تَحتضرُ خُزامى الرَّبيعِ الأخضرِ في دهاليزِ عِتابِنا المُرِّ
ونبقى عالِقَيْنِ في ثُقبِ الزَّوالِ، وصمةَ عِشقٍ
تأبى الاعترافَ بالتَّاريخِ والجُّغرافيا
نُرَدِّدُ نشيدَ الأناشيدِ على مسامعِ الضَّوءِ
فينكسِرُ على حوافِّ الدَّهشةِ
وبصوتٍ عالٍ، يهتفُ لنا: الحُبُّ دِينٌ؛ فاعتنقوه
هلِّلُويا! هلِّلُويا! هلِّلُويا!
الحُبُّ قامَ مِنِ بينِ الأمواتِ].
تراتيل النّور... الإنسان بوصلة الوجود في الزّمن:
_____________________________
لا ينكر القارئ وهو يقف أمام هذه القصيدة مستجليا معانيها تلك الدّهشة التي تسكنه وهو يجاهد عجزا يتوق إلى إرباكه والحيلولة دون الظّفر بمعاني الأسطر الشّعريّة المحمومة حركتها السّائرة نحو النّهاية كمسافر وجِل يفرّ من ظلّه المثقل بهموم الخطى.
إنّها القصيدة النّثريّة المربكة التي تتزاحم فيها المعاني في تكثيف عجيب يمتطي صهوة البلاغة ناكئا جراح الرّوح الإنسانيّة بذبابة سيف الإيحاء في لحظة شعريّة خاطفة يرتبك فيها خطّ الزّمان وتتعالق فيها المشاعر حدّ التّشابك وتُعتم فيها تفاصيل حكاية الرّوح حتّى تمسي قراءة الشّعر بعضا من إجهاد الفكر وتمسي متعة الاستقراء تفوق ألام مكابدة مساره.
فالقارئ وهو يتوقّف أمام "تراتيل النّور"، قصيدة النّثر هذه، يلتبس عليه الزّمن الشّعريّ وموضوع القصيد والعلائق الجامعة بين الصّور الشّعريّة حتّى يكاد يذهب إلى القول بأنّ النّصّ مجرّد لعب على أوتار الكلمات وترصيف لفنون البلاغة، ذاك القول السّائد عند الكثيرين من القرّاء المتخلّين عن دورهم الأسّ في العمليّة الإبداعيّة المتمثّل في الاستقراء والتّأويل. لكنّ تأمّلا عميقا منه يفكّ قيود الفكر المسآل فيه ويذبّ العتمة عن المعابر المفضية إلى زوايا الضّياء في القصيدة حتّى يظفر بجوهر موضوعها المتواري خلف كلّ تلك الحجب.
وإنّه - لعمري- جوهر محوره الإنسان الدّائر في فلك الزّمن بوصلةُ تحدّد مساراته عبر الفعل فيه إنجازا واقعا في كينونة يقينيّة يشدّه الحنين إليها، أو منتظرا محتملا منشودا ممكنا حدّ يقينيّة التّحقّق.
والقارئ المتأمّل هذه القصيدةً ببصيرة الشّريك يلاحظ تدرّج الشّاعر/ة بالإنسان فاعلا في الزّمن في حركة تصاعديّة من الماضي إلى المستقبل انطلاقا من نقطة ثابتة هي لحظة شعوريّة خاطفة في زمن الحاضر.
فمن الحاضر تنزّل خطى الحنين إلى كينونة مندسّة في جراب الذّاكرة ضامّة في زواياها المتّسعة لمآذن الفرح عِذاب أوينات عمر آفل، ومنه- أي الحاضر- تصّعّد خطى التّوق جسر المنتظَر مستقبلا عبورا من درجة الشّكّ إلى درجة الأمل فبلوغا درجة يقينيّة التّحقّقّ.
وقد ارتسم ذلك في مقاطع القصيدة كالآتي:

*الماضي: يقينيّة الواقع الآفل
[
تَرنو إلينا صُوَرُنا العتيقةَ، نُناغيها بشَغَفِ عُشَّاقِ الأمسِ
نَستجديها أزمِنتَنا الغابرةَ
كأطفالٍ يعانقون خُبزَ الحياةِ على قارِعَة البُؤسِ]
____
ينتسج الشّاعر/ة لنا هنا مقطعا شعريّا فيه تتسربل الرّوح ببُرد الحنين إلى الأزمنة الغابرة الكائنة في خطى العمر الآفل تشبّثا بنقطة ضياء في خارطة الوجود تُدعى الأمل صوّرها هذا المقطع في سطره الأخير بالتّشبيه القائل " كأطفالٍ يعانقون خُبزَ الحياةِ على قارِعَة البُؤسِ".
*
الحاضر:الشكّ في الآتي
[
أقولُ لكَ، ولَظى الأنفاسِ الَّلاهثةِ
إلى النِّهاياتِ المحتومةِ، يُطَوِّقُني
أنِ ابتسمْ للوجوهِ، رُبَّما تكونُ فُرصتَكَ الأخيرةَ
مَسِّدْ ضفائرَ اليقينِ، فُكَّ شرائِطَها
وأسدِلْ خصلاتِ البوحِ على ضفَّتيهِ
غلائِلَ مِنْ نورٍ]
____
فمن ضياءات الذّاكرة يستلّ الشّاعر/ة أسلاك نور لاستلهام بعض شكّ في لاديمومة الواقع الكائن حاضرا المغمّس في علقم الخطى وعتمة الأفق، بعض شكّ يفتح منافذَ ضياء للتّوق إلى الظّفر بفرصة -وإن كانت أخيرةً- للبوح وكسر جدارات الصّمت الصّمّاء الصّادّة عن الرّوح نسائم الفرح.
*
الحاضر:الأمل في الآتي:
[
ما زلتُ مُصِرَّةً على أنَّ الصَّمتَ كالغُبارِ على الصَّرخةِ
وأنَّ الآتي لا يُشبِهُنا في شيءٍ
كلُّ ما في الأمرِ أنَّنا نُوغلُ في مَمَرَّاتِ الكلمةِ
ونتعثَّرُ بنقاطِها الباهِتَةِ]
_______
وبتصاعد نسق القصيدة يصّعّد الشّاعر/ة درجات الجسر نحو الآتي فيمسي الشّكّ والاحتمال أملا عماده إصرار على الإيمان بأنّ دوام الحال محال وأنّ العَرَض صمتٌ هشٌّ سريع الزّوال كغبار حطّ آن غفلة على وجه الصّرخة تكفيه عَبرةٌ لينجرف بعيدا مذموما وأنّ للكلمة مخاضٌ يُعسره التّعثّر بنقاط ارتسمت باهتة وييسّره بعض ضياء عليها ينسكبُ.
هكذا تتنامى الصّورة الشّعريّة في هذه القصيدة في مسار تأكيد فعلٍ إنسانيّ ديدنه خلق الفُرصة والتّمسّك بها والإيمان بأنّه جوهر الوجود في الزّمن وبوصلة تحقّق أقداره.
*
المستقبل: يقينيّة الآتي:
[
ذاتَ انتظارٍ، أخبرتُكَ أنَّنا لنْ نجرُؤَ يوماً
على ترويضِ فِتنةِ الزَّمنِ
حين تضعُ ساقَها البضَّةَ على حُزنِنا العتيقِ وتُغويهِ
فينسكبُ دمعُهُ على جُثثِ الفرحِ المُلقاةِ
على عاتقِ القَدَرِ
نغرسُ قُبُلاتِنا، شاماتٍ في عُنُقِ الوَداعِ
نُقايضُها بالفائضِ مِن إجحافِ المَرايا، حينَ تلمحُ شُحوبَ
الَّلحظةِ في ملامِحِنا الهاربةِ مِنْ مُلوحةِ الذِّكرياتِ
وصدأ المسافاتِ
تَحتضرُ خُزامى الرَّبيعِ الأخضرِ في دهاليزِ عِتابِنا المُرِّ
ونبقى عالِقَيْنِ في ثُقبِ الزَّوالِ، وصمةَ عِشقٍ
تأبى الاعترافَ بالتَّاريخِ والجُّغرافيا
نُرَدِّدُ نشيدَ الأناشيدِ على مسامعِ الضَّوءِ
فينكسِرُ على حوافِّ الدَّهشةِ
وبصوتٍ عالٍ، يهتفُ لنا: الحُبُّ دِينٌ؛ فاعتنقوه
هلِّلُويا! هلِّلُويا! هلِّلُويا!
الحُبُّ قامَ مِنِ بينِ الأمواتِ]
________
بهذا المقطع الشّعريّ يختتم الشّاعر/ة القصيدة وقد بلغ ذروة الإيمان بيقينيّة تحقّق الآتي الملبّي لإرادة الإنسان التّوّاق إلى نهل الحبّ ونثره في الدّروب، هذا الإنسان العاشق الحياةَ، العاشق الحريّةَ، العاشق الخلقَ، العاشق وجودَه الكونيّ الفريد المتفرّدَ.
فتنتهي القصيدة بهذا المقطع وقد رسمت لنا الإنسان بوصلةً للزّمن وجوهرا للوجود، يستمدّ مركزيّته الوجوديّة هذه من روحه المتفرّدة بكونها منبع لدوافق الحبّ وضياءات الحياة، هذه الرّوح التي بها يتحقّق خلوده فعلا في الزّمن، ويمسي عصيّا عن الزّوال، ويبيت كلّ عاشقين في ذا الدّيدن في "دين الحبّ"
[
عالِقَيْنِ في ثُقبِ الزَّوالِ، وصمةَ عِشقٍ
تأبى الاعترافَ بالتَّاريخِ والجُّغرافيا].

عن مجلة الثقافة العربية أزمان هاشم

مجلة الثقافة العربية - مجلة أدبية -شاملة - - نهتم بكافة النصوص الأدبية سواء كانت شعر أو نثر أو قصة أو مقال إلخ -- نمد إيدينا لنشر جمال اللغة العربية لغة الضاد ومساعدة المواهب الأدبية رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبادة الفيشاوي
»
السابق
رسالة أقدم
«
التالي
رسالة أحدث
التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات :

ترك الرد

close
Banner iklan disini