في سكون الليل وعتمته يتأجج الحنين وتصبح المشاعر كأمطارٍ ساحلية تعانق حباتها مياه البحر..، والروح تنشد وليفها..!!.
في الليل تجنّ الحروف، تتعارك لتشكل كلمات الأمل، لكن الغربة تلقي القبض عليها وتلقيها في زنزانة الوحدة والضياع..!!.
في الليل يمرُّ شريط الذكريات حاملاً معه أيام حبّ متخطِّياً كل عوائق الأرض..،
متجاوزاً المدى والوعي والإدراك..،
حبٌّ لم يكترث لعواصف الشتاء، وعيون البشر.
سار وتوقف..، تعثر ونهض..، عاش كل الأضاد وازداد صلابة ورِقّة..،
لما اسْترجَعَتهُ مني الأيام حملت نفسي في حقيبة السفر، ابتلعت وجودي، وهِمت في الفضاء، استودعته قلبي..، غرستهُ بين ضلوعهِ وغادرت..!!.
غادرت ولم أغادره.
سنواتٌ اثنتان وخمسون مرت تماوجت أمام ناظري بألوانها البيضاء والسوداء تخللها أخضر نديان، وأزرق السماء
ودوران.. وهذيان.
وكنتُ أتوهجُ معكَ كنجمة وحيدة في السماء تناديك بقلبٍ واجف:
ألا تراني أتألم أمام عينيك..
ألا تشعر باحتراقي شوقاً إليك..
ثمَّ أصحو على نور الصباح يأتيني محملاً بعبقك يتغلغل بي يروي شغفه من قطرات دمي، وتجتاحني أنفاسك كنسمةٍ دافئة حنونة في هذا البرد الأليم.
تحملني إلى أيامٍ مضت هِمتُ فيها بين الحُلم والواقع..، أقطف ورود الأمل الذي طال انتظاره وأخبئها لسنوات الغربة العجاف..،
أناديك بصوتي المخنوق في حنجرتي:
توقف لديك دين..
نظرة لي قبل الرحيل..
ها هو ماضيَّ يرحل..،
و غدي يأتي..،
وحاضري يرجوك هلا أَبْقيتَ لي همسةً دافئة.
تتساءل روحي: هل الحب هو التخلي عن نفسك أم التخلي عنه لأجل سعادته؟
ألا يكفيكَ استهلكتَ عمري بأكمله؟
اسألوا الدموع ألا تنتهي
ألا يمكن أن تنزل يوماً وتتوقف يوماً؟...
قد اقترب السفر..
ليتني أستطيع الانطلاق بعد التوقف كحافلة لا تعرف الكلل ولا الملل...
وأدفن في قلبي آهات الفراق..،
سأغادر دون أن أغادر
ستبقى روحي مستوطنة فيك والجسد سيطير ويبتعد
أمطرت عيناي وكادت تغرق الأرض والفضا
أين أنا..،؟ أين أنا..!؟
تاهت خارطة المكان وتوقفت ساعة الزمان وأنا في محاولة يائسة لإحصاء نبضات السعادة والتمسك بها..!!.
حين ودعتكم لم يعد القلب ينبض
لم تعد شراييني تستقبل الدم
كل ما حولي تجمد
تعطلت دورة الأرض وكادت تخرج من مدارها
هل يا ترى تسعى للالتصاق بالشمس كي تحترق وتستريح؟
هل يا ترى تخلت البحور عن أسماكها لفظتها بعيداً بعيداً لتستريح منها..!؟.
رَبَّـاهُ كأن أحلامي تلاشت مثل سفينة غرقت في عاصفة هوجاء فلا تسلمني لليأس رَبَّاه....!!.