» » نافذة على الشعراء العرب بقلم : الشاعر والأديب خالد خبازة

نافذة على الشعراء العرب

لامية العرب

الشنفرى

أقيموا  بني أمي صدور مطيـــــكم ...  فاني الى قــــوم سواكُــمْ لأمْيــَــلُ

   يعرف تاريخ الأدب و بالذات تاريخ الشعر العربي ، لاميتين مشهورتين ، قام الدارسون و المتذوقون و النقاد ، اضافة الى المستشرقين ، بدراستهما والنظر فيهما و التأمل بهما : أولاهما  لامية العرب المنسوبة الى أحد صعاليك العرب  ، وهو  الشنفرى ، والتي تعد صورة كاملة ودقيقة لحياة الصعاليك من فتيان العرب في الجاهلية ، و الثانية  لامية العجم ، و صاحبها " الطغرائي  "  و أصله فارسي ، وسميتت باللامية ، كون الروي ، وهو  الحرف الأخير من القافية هو حرف اللام .

الشتفرى :

هو عمرو بن مالك الآزدي ، من قحطان
شاعر جاهلي ، يماني ،  من فحول الشعراء العرب ، من الطبقة الثانية ، كان من فتاك العرب و عدائيهم ، و أحد صعاليكهم ،  وهو من خلعاء العرب الذين تبرأت منهم عشائرهم  ‘ ويقال أنه  ما رأى سوادا ، الا رماه بسهم  .
قتله بنو سلامان ، و قيست قفزاته ليلة مقتله ، فكانت تعادل حوالي عشرين خطوة . وفي الأمثال ( أعدى من الشنفرى ) ، و هو صاحب لامية العرب المشهورة . شرحها الزمخشري ، مع شرح آخر ، منسوب للمبرد صاحب كتاب " الكامل في اللغة و الأدب  "  .
و للمستشرق الانكليزي  "  رد هاوس " المتوفى 1892 م  رسالة بالانكليزية ، ترجم فيها قصيدة الشنفرى ، و علق عليها شرحا و جيزا ,
قتل الشنفرى  سنة 70  قبل الهجرة الموافق  554 ميلادية .

 و القصيدة طويلة تتألف من سبعين بيتا  ، حرصت على ذكر أكثرها .. متجاوزا عن الكثير منها نظرا لوعورة الألفاظ ، فالشاعر عاش في العصر الجاهلي حيث توفي قبل سبعين سنة من الهجرة :

وهذه بعض  منها :

أقيموا بني أمي صدور مطيـــــكم ...  فاني الى قــــوم سواكُــمْ لأمْيــَــلُ
فقد حُمّت الحاجات و الليل مقمر ... و شُدّت لطيّاتٍ مطايا و أرحل

و في الأرض منأى للكريم عن الأذى ... و فيها لمن رام القلى متغزل
لعمرك ما في الأرض ضيق على امرئ ... سرى راغبا أو راهبا وهو يعقل

و لي دونكم أهلون سيد عَمَلس ... و أرقط زهلول و غرفاء جيأل
هم الرهط لا مستودع السر ذائع ... لديهم و لا الجاني بما جر يُخذَل

و كلٌّ أبيٌّ باسل غير أنني ...  اذا عرضت أولى الطرائد ابسل
و ان مُدّت الأيدي الى الزاد لم أكن ... بأعجلهم اذ أجشع القوم أعجل

و ما ذاك الا بسطة عن تفضل ... عليهم ، و كان الأفضل .. المتفضل
و لي صاحب من دونهم لا يخونني  ... اذا التبست كفي به يتاكل

و اني كفاني فقد  من ليس جازيا ... بحسنى و لا في قربه متعلل
ثلاثة اصحاب فؤاد مشيع ... و أبيض اصليت و صفراء عيطل

هتوف من المزن المتون يزينها ... رصائع قد نيطت اليها و مِحمل
اذا زل عنها السهم حنت كأنها ... مرزّأةٌ عجلى تئن و تعول

و أغدو خميص البطن لا يستفزني ... الى الزاد حرص أو فؤاد موكّل
و لست بعلّ شره دون خيره ... ألفٌّ اذا ما رعته اعتاج اعزل

 أديم مطـــــال الجــوع حـتى أميتـه ... و أضرب عنه الذكر صفحا فاذهل
وأستاف ترب الأرض كي لا يرى له ... علي من الطول امرؤ متطــــول (1)

ولولا اجتنــاب الذام لم يبـــق مشرب ... يعــــــاش به ، الا لدي ، ومأكل (2)
و لكن نفسا حرة لا تقيم بي ... على الذام الا ريثما اتحول

و أطوي على الخمص الحوايا كما انطوت ... خيوطة ماريٍّ تُغا و تُفتل
و اغدو على القوت الزهيد كما غدا  ... ازل تهاداه التنائف أطحل

غدا طاويا يعارض الريح هافيا ... يخوت بأذناب الشعاب و يعسل
 فلما لواه القوت من حيث أمه ... دعا فاجابته نظائر نُحّل



1- استاف التراب : أخذه سفوفا
2- الذام : القدح و الذم

......

القصيدة الثانية

   لامية العجم

الطغرائي

أعلل النفس بالآمال ارقــــــــــــــــبها ... ما أضيـق العيش لولا فسحة الأمل
غاض الوفاء،وفاض الغدر،وانفرجت ... مسافة الخلــف بيـن القـول والعمـل



    هو الحسين بن علي بن عبدالصمد المشهور بالطغرائي . ولد في أصفهان من بلاد فارس 455 ــ 513 للهجرة ،  الموافق 1063 ــ 1120 ميلادية ، و لكونه من أصل فارسي سميت لا ميته لامية العجم ،  تمييزا لها عن لامية العرب . اتصل بالسلطان مسعود بن محمد السلجوقي صاحب الموصل ، فولاه وزارته . ثم قتله محمود بن محمد السلجوقي ، بعد استيلائه على الحكم , لقب بالطغرائي نسبة الى كتابة ( الطغراء ) وهي الطرة التي تكتب في أعلى الكتب ، فوق البسملة ، كان لعزله رئاسة الديوان ، أثر في نفسه – وكان يطمع الى مناصب عليا -  فنظم لاميته هذه ، معبرا عن آلامه من العزل ، وعطله عن العمل ، وبعده عن الأهل و الوطن ، والاغتراب ، و سأختار منها بعضها نظرا لطول القصيدة ، وهي قصيدة رائعة فعلا:

أصالة الـــــرأي صانتني عن الخطل        
و حليــــــــة الفضـــل زانتني لــــدى العطل  (1)

مجدي أخيرا و مجــــــدي أولا شرع
و الشمس رأد الضحى ، كالشمس في الطفل  (2)

فيم الاقــــــــــامة بالزوراء ، لا سكن
بــــــها ، ولا نــــــــــــــاقتي فيها ولا جملي  (3)

ناء عن الأهل ، صفر الكف ، منفرد
كالسيف عـــــــري متنــــــــــــاه من الخلل   (4)

طال اغترابي حـــــــتى حنّ راحلتي
و رحلها و قــــــــرى العسالة الذبــــــــــــل

و ضج من لغب نضــوي ، وعج لما
يلقى ركــــــابي ، ولــــج الركـــــب بالعذل  (5)

أريـــــــــــد بسطة كف أستعين بهــا
على قضـــــاء حقــــــــوق للعلى قبــــــــلي  (6)

و الدهــــــــر يعكس آمالي و يقنعني
من الغنيمة بعد الكــــــد بالقفــــــــــــــــــل  (7)

...

حب السلامة يثني عــــــــزم صاحبه
عن المعالي ، ويغــــــري المـــــرء بالكسل

فا ن جنحت اليــــــــــه فاتخـــــذ نفقا
في الأرض ، أو سلّما في الجـــــــو فاعتزل

و دع غمـــــــار العلى للمقدمين على
ركوبها ، و اقتنـــــــــع منهن بالبـــــــــــلل

يرضى الذليل بخفض العيش مسكنة
و العـــــز عنــــــد رسيم الأينــــــــق الزلل

ان العــــــــلى حدثتني ، وهي صادقة
فيما تحـــــــدث ، ان العــــز في النــــــــقل  (8)

لو أن في شرف المـــــأوى بلوغ منى
لم تبــــــرح الشمس يــــــــوما  دارة الحمل  (9)

أعلل النفس بالآمال ارقــــــــــــــــبها
ما أضيـــــــــــــــق العيش ، لولا فسحة الأمل

لم أرتض العيش و الأيـــــــــام مقبلة
فكيـــــف أرضى وقد ولت على عجـــــــــل  (10)

غالى بنفسي عـــــــــــــرفاني بقيمتها
فصنتها عن رخيص القــــــــدر مبتــــــــذل

و عادة النصل أن يــــــزهى بجوهره
و ليس يعمــــــل الا في يـــــدي بـــــــــطل

ما كنت أوثر أن يمتــــــــد بي زمني
حتى أرى دولة الأوغـــــــاد و الســـــــــــفل

تقدمتني أنـــــاس كان شــــــــــوطهم
وراء خطـــــــويَ، لو أمشي عـــــــلى مهل

...

أعدى عدوك ، أدنى من وثقت بــــــه
فحـــــاذر النـــــــاس ، واصحبهم على دخل (11)

و انما رجل الدنيــــا و واحـــــــــدها
من لا يعــــــوّل في الدنيـــــا على رجــــــل

و حسن ظنـــــــك بالأيــــــام معجزة
فظُــــنّ شرا ، و كـــن منها على وجــــــــل
 
غاض الوفاء،وفاض الغدر،وانفرجت
مسافة الخلــــــف بيــــن القـــول والعمـــــل  (12)

1- الخطل : الحمق
2- الشمس رأد الضحى : في أول النهار – والشمس في الطفل : عند المغيب . أن الشمس هي الشمس سواء كانت عند الشروق او عند الغروب ، وهو أي الشاعر كذلك ومجده يبقى  هوهو اينما  كان
3- الزوراء : من أسماء بغداد
4- صفر الكف : يقال صفر الكف أو صفر اليدين ، أي أنه لا يملك من الدنيا شيئا ز
5- من لغب : من تعب – الركب : راكبوا الدابة من أبل وخيل وغيرها ، العذل : اللوم
6- يريد بسطة كف : أي أن يكون له مالا يساعده في أداء الحقوق
7- القفل : العودة ، الرجوع  والشاعر يتمثل بالمثل القائل : رضيت من الغنيمة بالاياب .أي عودته سالما خالي الوفاض
8- ان العز في النقل : أي في التنقل و السفر
9- يقول : لو أن تمسك الانسان بالمكان يكسبه شرفا ومالا ، لما تعدت الشمس في سيرها مساحة منطقة الحمل في السماء
10- الايام مقبلة : يقال أقبلت الأيام مع فلان :أي ناله حظ من الدنيا – ولت الأيام على عجل أي عكس المعنى السابق أي أن الأيام أخذت ما كانت أعطته
11- يحذر الشاعر المرء من أقرب أصحابه اليه ، لأنه ربما يكون هذا الصديق أو القريب أعدى أعدائه
12- انفرجت مسافة الخلاف : اتسعت مسافة الاختلاف بين القول والفعل .

..............
خالد ع . خبازة

عن مجلة الثقافة العربية Unknown

مجلة الثقافة العربية - مجلة أدبية -شاملة - - نهتم بكافة النصوص الأدبية سواء كانت شعر أو نثر أو قصة أو مقال إلخ -- نمد إيدينا لنشر جمال اللغة العربية لغة الضاد ومساعدة المواهب الأدبية رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبادة الفيشاوي
»
السابق
رسالة أقدم
«
التالي
رسالة أحدث
التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات :

ترك الرد

close
Banner iklan disini