» » قراءة في القصة القصيرة – الواقعة للكتاب / محمد رسلان- قراءة الأستاذ –محسن الطوخي

 نص جميل، ورشيق مكتوب ببراعة, منسوج بنكهة مستجابية . تتوهج القصة القصيرة بعناصر متعددة ، من أهمها المعالجة القصصية التي يعي فيها الكاتب أن الحكاية هي مجرد هيكل يقوم عليه البناء . إذا اكتفي القاص في المقام الأول بالحكاية، فقد اقترب من تخوم الخبر . لكن صديقي محمد رسلان نجح في استدراج المتلقي إلى الاندماج في الحكاية ومعايشتها, واستخلاص التجربة القصصية من خلال استنتاج المسكوت عنه .
 
كما برع صديقي القاص الجميل في توظيف عناصر البيئة الريفية , وعزف بمهارة على وتر التفاوت الطبقي حتى استنطق الفاجعة من تراكم التفاصيل الصغيرة والبسيطة في أداء يشبه الواقعية السحرية التي برع فيها الأديب العملاق محمد مستجاب انطلاقاً من حادثة صغيرة تبدأ في النمو والتصاعد كما يصنع الحجر إذ يلقي في بركة ماء , فالنص لا ينكفئ في اتجاه البؤرة ململماً خيوط الأحداث, بل ينفتح في اتجاه الخارج مصعداً التفاصيل الصغيرة مشكلاً ما يشبه الظاهرة الكونية .
 
ويمكنني الإشارة إلى بعض ملاحظات السرد التي لم تقلل من استمتاعي بالقصة , وهي عبارات تخللت السياق إما أنها عرقلت تدفق الأحداث ، أو شكلت تدخلا وإملاء من الكاتب ما يحد من تفاعل القارئ مع النص :
-
الجملة الاعتراضية .. " - إمعانا في المشاركة عن بعد -  " .. أعاقت السرد بلا ضرورة . تفرض رؤية الكاتب وتحد من انطلاق خيال القارئ ، فلو قلت : " ونساء يصرخن " ، لكفت .
-
كذلك العبارة الاعتراضية .. " - عندما ينموا - " .. زائدة ومعرقلة للسياق بلا ضرورة .
 -
لفظ " تصعب " دارج ، فيفضل تقويسه ، فالفعل تصعب يعني صار صعباً . أو وجد الشيء صعباً . أما المراد في السياق فهو الأسى .. " يأسون " .
 -
عبارة " مكونة قصة طريفة." . فيها أيضاً مصادرة على حرية القارئ في التلقي والتأويل , وإملاء لوجهة نظر الكاتب . ينبغي على الكاتب ألا يطل برأسه من بين سطور إبداعه .
 -
عبارة .. " لكن المحير في الأمر " .. تتنافي مع ما نجح النص إضماراً في ترسيخه في وجدان المتلقي , فدون أن يصرح السياق كان بادياً أن تطلع الولد للزواج من بنت آل الوكيل محض جنون . فما تلى العبارة لم يكن محيراً ، بل كان متوقعاً . يمكن القول ببساطة .. " روى شهود العيان أن ... " ..
تحياتي وتقديري لصديقي القاص المميز محمد رسلان .
نص القصة
*عندمــــــــــــــا وقعت .........
صراخ المرأة - أم نصر - شق أجواز الفضاء .... انجذب الناس ناحية الصوت ... رجال يهرولون ...و نساء - إمعانا في المشاركة عن بعد - يصرخن ... و أطفال صغار ... حفاة ... وبط ...و إوز وبهائم... تراكموا جميعا في الطريق المؤدي للدار المنكوبة....
ولم يخل الطريق من بعض العائدين الذين ارتوي فضولهم مبكرا من الواقعة ، فقفلوا عائدين ، يتصعبون علي المرأة التي هجرها ولدها الوحيد فارا بسبب الأنثى التي استحوذت علي عقله. يلوكون كلمة واحدة . تتلقفها ألسنتهم بالتبادل. وإن لم يجرؤ أحد على التصريح بها. يقذفونها كبصقــــــــــــــــة : -" فاااااااااااااجرة .
**
إرهــــــــــــــــــاصة .........
حول كوانين النار ، والناس يسمرون ، علي رؤوس الغيطان ، وفي ظلال الأشجار الوارفة ..... في الحواصل وغرف النوم الدافئة ... أمام الأفران الحامية وفي حظائر الطيور .... حول مواجير العجين و فوق الدواب في طريق السوق ، في فصول محو الأمية و حول عربات الجاز . ........في المآتم وليالي الحناء و موالد الطهور وحلقات الذكر. .....أمام غرف العرسان الجدد في ليالي الزفاف. تفتقت الحكاية ، ثم تجمعت الواقعة ، و تشابكت خيوطها مكونة قصة طريفة.
***
البنــــــــــــــــــــت ........
ضحكتها كانت دسمة. مفعمة بالمرح و البشاشة. و غمازتيها تلعبان علي جانبي ثغرها ، فيشرق وجهها في جاذبية خلبت لب كل من رآها. وخلبت لب ( نصر ) .... وعينيه .. وقلبه .
****
الولـــــــــــــــــــــــــد .......
في قلب الليل. تمدد الشوق بداخله. أمضه الحنين، فماء القلب واستماء. شدت نياطه ، فعزفت لحن الوصال ، ففزع إليها من ليلته.
*****
معـــــــــــــا منذ البدايــــــــــــــــة .......
والولد في قلبه مرض ، والمرض اسمه الحب ، والحب يفعل - عندما ينموا - معجزات ومعجزات . ومنذ افتتاحه معرض الأحذية علي امتداد شارعها اشتد عليه المرض . وعندما دست قدمها الدقيقة في " فردة الشبشب " وثب قلبه بين جنبيه . وعندما مدت يدها بالجنيهات الثلاثة أبي - متصنعا - أن يأخذها ....... ناولته بسمة صافية ، فكشر عن نواجذه في بسمة مماثلة .
" -
لماذا تركت كل دكاكين البلدة وجاءت تبتاع منه ؟"
لو استطاع قنص القمر ،لفصله شبشبا فضيا علي قدها ووشاه بالنجوم........
"
نبوية بنت عبد الرحمن الوكيل !!!!!!!!!!!!""
لما أزاح الباب - هيمانا بخمر الهوى - ألفي أمه نائمة ..... أيقظها ..... بعد البسملة و الحوقلة واستجلاء حقيقة الأمر استحلفته أمه - رغبة منها في امتصاص جنونه الطارئ ، وأملا في تخفيف حدة اللوثة العارضة التي ولا شك قد أصابته - استحلفته أن ينتظر حتى الصباح ، فانضوي علي نفسه حالما. ترن في أذنيه " طرقعة " نبوية بالشبشب الجديد .رائحة غادية منذ أن أسلم جانبه للأرض . وحتى أذان الفجر التالي .
******
اليــــــــــــــــــــــد ..........
في الصباح ذهب ( نصر ) للحلاق ، قص شعره ، وشذب شاربه . اتجه صوب ( قناوي) الخياط . أحضر جلبابه الجديد - والثاني - له في عمره كله . عاد للدار . ورغم حملقة الجيران خلف الأبواب المواربة ، بعد أن أفضت لهم أمه بما ينتوي - أملا في ردعه – اصطحب ( نصر ) والدته ، تحمل - مرغمة - "زيارتها " فوق رأسها حتى دوار آل الوكيل .
إلي هنا و الأمور تسير برتابة معتادة ،لكن المحير في الأمر و ما يرويه شهود العيان أن بقاء نصر و أمه في الدوار لم يستغرق سوي بضع دقائق . شاهد الجميع بعدها " صرة " كبيرة تطير في الهواء ساقطة في عرض الطريق . وقف بعدها عبد الرحمن الوكيل ، فاردا ذراعه اليمني ... بينما سبابتها تشير ناحية الأفق خارج الدوار . عيناه تدوران في محجريهما . الزبد يتناثر علي شدقيه . وصوته يتردد هادرا:
- "
برررررررررررره !!!!!!!!
وفي اليوم التالي ، وخيوط الفجر يتشابك فيها الأبيض بالأسود ،وقعت الواقعــــــــــــــــــة .
فيما بعد ، قيل أنهم قد عثروا علي الولد نصر يهيم علي وجهه في شوارع البندر، ممزق الثياب .... حافي القدمين ، ينفلت فمه تاركا خيوطا لامعة ... لزجة ... تنسال علي ذقنه و صدره ، حافرة فيه مجري طويلا . وذلك بعد استضافة قصيرة في مركز العسس . بناءا علي وشاية حاقدة - وقيل رغبة في تأديبه ، من آل الوكيل . وقيل أيضا أن عثورهم عليهما قد تم في يسر و سهولة . إذ أنه " تصادف "مرور احد الضباط من معارف آل الوكيل علي أحد باعة الذهب. في ذات الوقت الذي كانت فيه " نبوية عبد الرحمن " تعرض قرطها للبيع ، كي تستكمل حياتها مع الولد ( نصر ) ، والذي كان رابضا أمام دكان البائع بانتظار خروجها .


عن مجلة الثقافة العربية أزمان هاشم

مجلة الثقافة العربية - مجلة أدبية -شاملة - - نهتم بكافة النصوص الأدبية سواء كانت شعر أو نثر أو قصة أو مقال إلخ -- نمد إيدينا لنشر جمال اللغة العربية لغة الضاد ومساعدة المواهب الأدبية رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبادة الفيشاوي
»
السابق
رسالة أقدم
«
التالي
رسالة أحدث
التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات :

ترك الرد

close
Banner iklan disini