» » القصة في الشعر العربي... عنترة بن شداد

إن عنترة بن شداد كان يعيش مأساة حبه لعبلة، لا يجرؤ أن يتقدم للزواج منها. حتى ظهر شأنه فأظهر حبه، وظل وفيا على هذا الحب ما امتدت به الحياة. وقبل الحديث عن عنترة، نتعرف على لون من القصة القصيرة وهي تحبو إلى مكانتها في عالم الأدب.   

تلك هي القصة الوصفية التي تعتمد على تقديم الصورة الفنية دون كبير عناية بالتمهيد والعقدة والحل، وقد طالعنا الأدب العربي والغربي على السواء بنماذج شتى من هذا النوع من القصص...   
فإذا قرأنا معا بعضا من شعر عنترة وجدناه غنيا بهذا اللون. شعر عنترة نجده سهلاً قريب المنال، الأمر الذي نفتقده فلا نجده عند شعراء متأخرين عنه كثيرا مثل الشاعر العملاق أبي تمام، وابن هانئ الأندلسي، فمن أين تأتي هذه السهولة لعنترة، وهو ابن الجاهلية؟ ما أحسب إلا أنه كان شاعرا مطبوعا لا يبحث عن الغريب، فقد كانت الألفاظ الشعرية بين يديه هي التي تؤدي المعنى الذي يريد من أقرب طريق.    

عوداً إلى مأساة عنترة والقصة الوصفية في شعره.. 

أشــاقـكَ مِـــنْ عَـبـلَ الـخَـيالُ الـمُـبَهَّجُ ،، فـقـلبكَ فـيـه لاعــجٌ يـتـوهجُ
فـقَـدْتَ الـتي بـانَتْ فـبتَّ مُـعذَّبا ،،وتـلكَ احـتواها عـنكَ لـلبينِ هـودجُ
كـــأَنَّ فُـــؤَادي يـــوْمَ قُــمـتُ مُــوَدِّعـاً،، عُـبَـيْلَة مـنـي هــاربٌ يَـتَـمعَّج
خَـلـيلَيَّ مـا أَنـساكُمَا بَـلْ فِـدَاكُمَا ،، أبـي وَأَبُـوها أَيْـنَ أَيْـنَ الـمعَرَّجُ
ألـمَّـا بـمـاء الـدُّحـرضين فـكـلما ،، دِيـارَ الَّـتي فـي حُـبِّها بـتُّ أَلـهَجُ
دِيارٌ لذَت الخِدْرِ عَبْلة َ أصبحتْ،، بها الأربعُ الهوجُ العواصِف ترهجُ
ألا هـلْ ترى إن شطَّ عني مزارها ،، وأزعجها عن أهلها الآنَ مزعجُ
فــهـل تـبـلـغني دارهـــا شـدنـيـة ٌ،، هـمـلـعة ٌ بــيـنَ الـقـفـارِ تـهـمـلجُ
تُـريـكَ إذا وَلَّــتْ سَـناماً وكـاهِلاً ،، وإنْ أَقْـبَلَتْ صَـدْراً لـها يـترَجْرج
عُـبـيلة ُ هــذا دُرُّ نـظْـمٍ نـظـمْتُهُ ،، وأنــتِ لــهُ سـلـكٌ وحـسـنٌ ومـنهجُ


ألمح طل ابتسامة عن شفتيك. أتلك هي السهولة، والواقع أنها بالنسبة لعنترة، ثم ابتعد عن استعمالها، فصارت إلى ما صارت إليه من صعوبة، ولا بأس عليه إن ألغز في بيت،فلو قد نظرت إلى الأبيات السابقة لتبينت مدى السهولة عنده، على أية حال فالشدنية موضع باليمن يعرف بالإبل الجيدة، والهملقة الخفيفة السريعة، والهملجة السرعة في تبختر.    

ونواصل السير مع الصورة...
وَقَـدْ سِـرْتُ يـا بـنْتَ الـكِرام مُـبادِراً ،، وتـحتيَ مـهريٌ مـن الإبـل أهوجُ
بــأَرْضٍ تــرَدَّى الـمـاءُ فــي هَـضَـباتِها ،، فـأَصْـبَحَ فِـيـهَا نَـبْـتُها يَـتَوَهَّجُ
وأَوْرَقَ فـيـها الآسُ والـضَّـالُ والـغـضا ،، ونـبقٌ ونـسرينٌ ووردٌ وعـوسجُ
لئِنْ أَضْحتِ الأَطْلالُ مِنها خَوالياً ،، كأَنْ لَمْ يَكُنْ فيها من العيش مِبْهجُ
فـيـا طـالـما مـازحـتُ فـيـها عـبـيلة ،، ومـازحـني فـيـها الـغـزالُ الـمغنجُ
أغـــنُّ مـلـيـحُ الـــدلَّ أحـــورُ أَكــحـلٌ ،، أزجُّ نـقـيٌ الـخـدَّ أبـلـجُ أدعــجُ


آن لي أن ابتسم أنا، أرأيت هذه الأوصاف الأخيرة وتلاحقها وليس بينها كلمة إلا سمعناها من الشعراء المحدثين... وقبل هذا أرأيت هذه الصورة الوصفية للورد والأزهار وحنينه إلى عبيلة يمازجها هناك وتمازحه. ولعل ما قدمه عنترة إلى الشعراء العربي عامة وإلى الشعر القصصي خاصة معلقته الشهيرة التي يبدؤها ببيت مازلت أذهل كلما فكرت فيه...  
هل غادر الشعراء من متردم،،،أم هل عرفت الدار بعد توهم  
كيف لم يغادر الشعراء من متردم وهو بعد في الجاهلية؟ فماذا نقول نحن بعد ألفي عام من معلقته.. إذ كان عنترة يقول إن الشعراء لم يتركوا شيئا لأحد يقوله فماذا يفعل المشتغلون بالفن الأدبي العربي بعد ألفي عام، ظل الشعراء وقد انضم إليهم الناثرون والرائيون والقصاصون يقولون ولا ينقطعون عن القول، ألست ترى معي أن المهم في العمل الفني لم يصبح المعنى...

أثـنـي عـلـي بـما عـلمت فـإنني،، سـمحٌ مـخالقتي إذا لـم أظـلم
وإذا ظـلـمت فــإن ظـلـمي بـاسـلٌ،، مــرٌ مـذاقـه كـطـعم الـعـلقم
ولـقـد شـربت مـن الـمدامة بـعدما،،ركد الـهواجر بـالمشوف الـمعلم
بـزجـاجةٍ صـفراء ذات أسـرةٍ،، قـرنت بـأزهر فـي الـشمال مـفدم
فــإذا شـربـت فـإنني مـستهلكٌ،، مـالي وعـرضي وافـرٌ لـم يـكلم
وإذا صحوت فما أقصر عن ندىً،، وكما علمت شمائلي وتكرمي
وحـلـيل غـانـيةٍ تـركـت مـجـدلاً،، تـمـكو فـريـصته كـشـدقٍ الأعـلم
سـبـقت لــه كـفـي بـعـاجل طـعـنةٍ،،ورشاش نـافذةٍ كـلون الـعندم
هـلا سـألت الـخيل يـا بـنة مـالكٍ،، إن كنت جاهلةً بما لم تعلمي
إذ لا أزال عــلـى رحــالـة ســابـحٍ،، نـهـدٍ تـعـاوره الـكـماة مـكـلم
طــوراً يـجرد لـلطعان وتـارةً،، يـأوي إلـى حـصد الـقسي عـرمرم
يـخبرك مـن شهد الوقيعة أنني،، أغشى الوغى وأعف عند المغنم
ومــدجـج كـــره الـكـمـاة نــزالـه،، لا مـمـعنٍ هـربـاً ولا مـسـتسلم
جــادت لــه كـفـي بـعاجل طـعنةٍ،، بـمثقفٍ صـدق الـكعوب مـقوم
فـشككت بـالرمح الأصـم ثـيابه،، لـيس الـكريم على القنا بمحرم
فـتـركته جــزر الـسباع يـنشنه،، يـقضمن حـسن بـنانه والـمعصم
ومسك سابغةٍ هتكت فروجها،، بالسيف عن حامي الحقيقة معلم
ربـــذ يــداه بـالـقداح إذا شـتـا،،، هـتـاك غـايـات الـتـجار مـلـوم
لــمـا رآنـــي قـــد نــزلـت أريـــده،، أبـــدى نـواجـذه لـغـير تـبـسم


وهكذا مضينا سويا بنبض المشاعر، وجمال الوصف الآخاذ، أبحرنا معا بين طيات الكلمة والنغم، مقتطفين بعضا من أزاهير كتاب (القصة في الشعر العربي) لكاتبه- ثروت أباظة- وذلك من خلال الشاعر عنترة بن عمرو بن شداد العبسي، وهو شاعر جاهلي، اشتهر بشعر الفروسية، وتغزله بابنة عمه عبلة. ولقب بالفلحاء لتشقق في شفتيه.  

عن مجلة الثقافة العربية أزمان هاشم

مجلة الثقافة العربية - مجلة أدبية -شاملة - - نهتم بكافة النصوص الأدبية سواء كانت شعر أو نثر أو قصة أو مقال إلخ -- نمد إيدينا لنشر جمال اللغة العربية لغة الضاد ومساعدة المواهب الأدبية رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبادة الفيشاوي
»
السابق
رسالة أقدم
«
التالي
رسالة أحدث
التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات :

ترك الرد

close
Banner iklan disini