الثلاثاء، 20 سبتمبر 2016

لغتنا الجميلة في علم البيان والعروض

لغتنا الجميلة

في علم البيان و البديع

البحث الرابع

كثيرا  ما كنا  نقرأ قصيدة  .. أو نسمع بيتا من الشعر  .. فنشعر بجماله  , و روعة القصيدة  و ما فيها من  جمال في معانيها أو في  صورها  البيانية  .. و نتمتع بها لما فيها من تشابيه بليغة .. أواستعارات جميلة .. أو جناس أو طباق رائعين  .. الا أننا لم نكن ندري أين هي مكامن هذا الجمال  .. نشعر به  و لا نعرف أين مواطنه في القصيدة أو البيت  ..  الا أنه و بعد أن تمكنت الذائقة الشعرية في النفوس و نتيجة للقراءات  المستمرة  و قراءة ما نقله لنا القدماء في كتبهم التراثية و تعريفنا بهذه المواطن الجمالية  .. أصبحنا نعرف أين هي مكامن الجمال و مواطنه الذي يتمثل  بما في القصيدة من استعارات جميلة و تشابيه بليغة و ما  في القصيدة من محسنات بديعية  .. زادت من جمال معانيها و دعمت من قوتها  .. و قد تحدثنا في المقالات السابقة  عن بعض هذه المحسنات البديعة  فتكلمنا عن الاستعارة و الكناية و الطباق  ..و قلنا :

ان الاستعارة  كما جاء في كتب التراث  هي  ضرب من التشبيه ، و نمط من التمثيل ،  و التشبيه قياس ، و القياس يجري فيما تعيه القلوب ، و تدركه العقول ، وتستفتى فيه الأفهام و الأذهان ، لا الأسماع و الآذان .

يقال : هي استعارة الشيء المحسوس ، للشيء المعقول ( المعنوي )  ، كقوله تعالى :

" و اخفض لهما جناح الذل من الرحمة "

كما ذكرنا  أن الكناية

هي أن يأتي الشاعر بعبارات أو بألفاظ  تحمل معان معينة .. و لكن يستشف منها معنى آخر قصده الشاعر

وكذلك ، أن يذكر المتكلم شيئا ، و هو يريد شيئا آخر ، كقولك : فلان نقي الثوب ، أي لا عيب فيه ،
 و طاهر الجيب ، أي ليس بغادر ، و قلنا أيضا
الطباق .. علم يعرف به وجوه تحسين الكلام ، بعد رعاية تطبيقه على مقتضى الحال ، ووضوح الدلالة . وهو ضربان : ضرب  يرجع الى المعنى ,  و ضرب يأتي على اللفظ . أما  المعنوي فمنه :
المطابقة  و تسمى  الطباق ، أو التضاد أيضا  .

كقول أبي صخر الهذلي :

أما و الذي أبكى و أضحك و الذي ... أمات و أحيا ، و الذي أمره الأمر

..   و الآن  سيكون موضوعنا

البديع

المحسنات البديعية ، هي ما يحتاجها الشاعر أحيانا ، كي يمنح  المعنى جمالا ، و القريض قوة .. و لكن يجب ان يستعملها الشاعر بصورة  لاتكلف فيها  ، فان أكثر منها مجها السمع وأصبحت ثقيلة عليه ، فجاء الشعر متكلفا ، بعيدا عن العاطفة . و يقال ان مسلم بن الوليد الملقب " صريع الغواني " هو أول من أكثر من البديع في شعره ، ثم تبعه الشعراء في ذلك . و يبدو أنها سميت " محسنات " لما تضيف على القصيدة أو الأبيات من جمال شعري ، و قوة في البناء .
و من هذه المحسنات :

الجناس  و التجنيس :

هو التشابه اللفظي ، و التام منه ، أن يتفق اللفظان في نوع الحروف و أعدادها ، و هيئاتها و ترتيبها ، يكون جناسا تاما ،  و قد يكون الجناس بين اسمين ، كقوله تعالى :

"  و يوم تقوم الساعة ، يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة "

فلفظة الساعة أسم يعني القيامة ، و ساعة يعني الزمن .

و قد يكون الجناس بين اسم و فعل ، كقول أبي تمام :

ما مات من كرم الزمان فانه ... يحيا لدى يحيى بن عبدالله

فيحيا هنا فعل  .. و يحيى اسم  ..  شكلا جناسا تاما

و قد يكون الجناس ناقصا ..اذا اختلف اللفظان  في أعداد الحروف ، فقد يكون الاختلاف بنقصان حرف أو زيادة حرف . كقوله تعالى :

"  و التفت الساق بالساق الى ربك يومئذ المساق "

الجناس الناقص بين لفظة الاق .. و لفظة المساق

و كقول أبي تمام :

يمدون من أيد عواص عواصم ... تصول بأسياف قواض قواضب

و قول البحتري :

لئن صدفت عنا فربت أنفس ... صواد الى تلك الوجوه الصوادف

و قوله ( البحتري ) :

ما زلت تقرع باب بابل بالقنا ... و تزوره في غارة شعواء


اذن  التجنيس هو أن يأتي الشاعر بكلمتين مقترنتين  متقاربتين في الوزن ، غير متباعدتين في النظم . غير نافرتين في الفهم ، يتقبلهما السمع ، ولا ينبو عنهما الطبع ، كقول يزيد بن عبدالمدان الحارثي  :

أحالفتم جرما علينا ضغينة  ... عداوتكم في غير جرمٍ و لا دمِ
كفانا اليكم حدنا و حديدنا ... و كفٌ متى ما تطلب الوتر تنقمِ

و من التجنيس الحسن ، قوله :

حين نجا من خوفه و ما نجا

ناظراه فيما جنت ناظراه ... أو دعاني أمت بما أودعاني

فان زاد الشاعر في التجنيس ، فثلث ( أي أتى بثلاثة ألفاظ  ) .. كان ذلك فسادا في الصنعة ، و قد تثقل الألفاظ على السمع و القلب ، ، كقول أبي تمام  :

سلم على الربع من سلمى بذي سلم ...

لو أنه اكتفى بلفظتي سلم في مطلع البيت ، و سلم في آخره .. لكان أجمل ، و أوفى بالغرض .. الا أن لفظة سلمى عكرته .. أضافة الى ذلك  فان  لفظتي سلم .. هنا هما لفظتان متقابلتان ، حيث الأولى وردت في أول البيت ، و الثانية في نهايته  ، و المقابلة هي من المحسنات البديعية أيضا ،  وقد انفردت لفظة سلمى بغير قرين لها ، أي اقترانها بلفظة مقابلة ، و لو أن الشاعر ربّع أي لو أنه أتى بلفظة رابعة لصحت المقابلة ، و ان ثقلت الألفاظ على السمع و القلب ، و عاد التكلف ظاهرا عليها ، مثال التربيع كأن يقول :

 سلم سلمت على سلمى بذي سلم ..

هنا تمت المقابلة بوجود أربع ألفاظ .. وان تكن ثقيلة على السمع كما قلنا .
و كان الأصمعي يستبشع قول الشاعر :

فما النوى ، جد النوى ، قطع النوى ... كذاك النوى قطاعة لوصال

يقول الأصمعي : لو أن الله سلط على هذا البيت  شاةً ، لأكلت نواه ، و أراحتنا منه .
و أنشد ابراهيم الموصلي الأصمعي قوله :

يا سرحة الماء قد سدت موارده ... أما اليك طريق غير مسدود
لحاتم حام حتى لا حيام له ... محلّأٍ عن طريق الماء مورود

فقال الأصمعي : أحسنت في الشعر ، غير أن هذه الحاءات ، لو أنها اجتمعت في آية الكرسي لعابتها .
و يروى عن بعض المشايخ قوله :  مثل التجنيس الواحد في البيت ، كالخال الواحد في الخد ، فاذا كثر ، انتقل من الاستحسان ، الى الاستقباح  ، و ربما طمس محاسن الوجه .

و قد تختلف الألفاظ بترتيب الحروف ، سمي جناس أيضا كقول بعضهم :

رحم الله امرءا أمسك ما بين فكيه ، و أطلق ما بين كفيه

و قول المتنبي :

ممنعة منعمة رداح ... يكلف لفظها الطير الوقوعا

و من الأمثلة على الجناس الناقص  ، قول صريع الغواني :

وافٍ على مهجٍ ..  في يوم ذي رهجٍ ... كأنه أجلٌ .. يسعى الى أملِ

  الجناس الناقص هنا  ..  بين مهج و رهج  ..  و أجل و أمل

....
نذكر  هنا
أمثلة من الجناس الشعري :

ذهب الأعالي حين تذهب مقلة ... فيه بناظرها حديد الأسفل
 البحتري

و أنجدتم من بعد اتهام داركم ... فيا دمع أنجدني على ساكني نجد
 أبو تمام

هن الحَمام فانما كسرت عيافةً ... من حائهن ، فانهن حِمام
 أبو تمام

منزلتي يحفظها منزلي ... و باحتي تكرم ديباجتي


يعشى عن المجد الغبي و لن ترى ... في سؤدد أربًا لغير أريب
 البحتري

ما زلت تقرع باب بابل بالقنا ... و تزوره في غارة شعواء

 البحتري

ذهب الأعالي حيث تذهب مقلة ... فيه بناظرها حديد الأسفل

و كل غنى يتيه به غني ... فمرتجع بموت أو زوال
و هب جدي طوى لي الأرض طرا ... أليس الموت يزوي ما زوى لي

وقبل أن ننهي هذا البحث ، نقول : ان الجناس بحثه يطول.. و أنواعه كثيرة ، و أرجو ان أكون أوضحت المطلوب ،  ووفقت في ايضاح المقصود ، و سنتناول ان شاء الله المزيد من المحسنات البديعية في مقالات لاحقة ان شاء الله .

..

المصادر عدد من كتب التراث

...

خالد خبازة

...
التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات :

ترك الرد

close
Banner iklan disini