الخميس، 13 أكتوبر 2016

وردة - بقلم - أزمان الهاشم


حينما كانت الشمس تعانق القمر وقت الغروب؛ ضحكت النجوم ببراءة وخجل، أدارت ظهرها نحو الشرق، همست في أذن السماء وهي تخلع الرداء الأزرق لترتدي ثوب نومها المكلل بزينة المساء، فسقط همسها نحو البحر قبل أن تلتقطه آذان الغسق المنشغلة بمناجاة المحبين على شاشة الشفق الأحمر المشتعل بكلمات العاشقين للفجر، أنارت غابات القلوب، وهبّ رمادها ليطفىء الموج المتوحش القادم كالريح العاتية من بعيد، كإعصار الطوفان، كصرخات الوداع، كانت تلك الجوارح تعلن خوفها من أشباح الفِراق التي تلاحقها في كل حين، كل شيء هناك يُحرق، ويجرح، ويقتل، حتى الحب أصبح شريراً، يجعل الأرواح ترتجف وكأنها في غرفة الاعتراف، والقلوب تتهشم كالزجاج حين يتحطم من نسمة هواء باردة، أو حرارة مفاجئة، في حالة ترقب من وداع اللانهايات التي تصدر صريرا حزينا كشهقة ذعر خانقة..!
أما زالت الروح تئن، أنني أشم رائحة حريقها التي تشبه رائحة الورد عند قطفها في لحظة دهشة، حين توضع على حافة براكين المشاعر، ليبتسم الحبيب وهي تلفظ أنفاسها الأخيرة، فهي تعرف إنه مجرد حب منهوب، تفترسه كوابيس الحقيقة الراقدة، وقتها قفزت الفتاة من نومها لترفع سماعة الهاتف وهي تتعثر بكل شيء في طريقها، كطفل بدأ يمشي للتو، هي لا تزال مختبئة تحت عباءة صمت، خوفا من هبوب الرياح الغامضة، وهي تلف وشاح شهر زاد حول عنقها، كي لا تثرثر بشيء، ومضى حبها كومضة برق، همست به في ليل بائس طويل، مزقت رسائلها التي كتبتها إليه، ووضعتها في قارورة عطر لتفوح رائحتها في هودج أسرارها كل وقت، تنثر الحبّ في ليلة ضبابية ماطرة، أطبقت سماعة الهاتف وعادت إلى فراشها تزحف شوقاً إليه، وطواحين الهوى تعصف بقلبها، وأخذت تكتب:
في ذات لحظة،،في ذات جرح،، في ذات غفوة، أردت أن أبوح بأسارير قلبي المتخم،،قبل أن تخترق صدري،،وتقضي عليّ مطارق الذكريات،،فلا زال سحرك يعذبني،،في كل يوم أتسلق حبات المطر،،أهرول بين الغيوم السوداء،،تسقطني رعود الحقيقة،،فأهوي إلى حفرة انهياري،،عندها استعيد وعيي،،وأدرك أنّي سأموت حتماً بلا رحمة،،مشنوقة بحبال فكري،،وقلمي يحتضر،،وروحه خواء تلتهب،،كل هذا تحت عباءة صمتي،،عفواً أيها القلب،،إرحل بثوب زفافك إلى القبر...! 

توقف القلم عن المسير، وحلَّ سكونٌ مهيب، فاستلت الروح كوردة بيضاء حزينة،،غابت في رصيف الزحام،،لقد رحلت بعيداً،، بعيداً،، بعيدا،، وبقيت الجثة كتفاحة أنيقة مرهفة، ما تزال المغامرة متسلسلة في ذاتها، تلتمع كلما نظر أحدٌ إليها، تعزف بأحلامها الرقيقة المذهبة على أوتار الوجوه الواجمة، بشوق ولهفة، حتى كأن كل شيء يتحرك، تلهو ، وتلعب ، تفقز ، وتكتب، وتتنفس قصيدة جميلة، تستمع إليها قوى كل من حضر، فتنتابهم قعشريرة تعصف بكيان خيالهم، تعرج نظراتهم نحو جحيم الحب، وهم ينفضون الكفن، يصعدون بتراص وتناسق وألق، لكن الشياطين الباحثين عن الشر، يلوون أجنحة الخيال، فترتد تلك النظرات إلى إيقونة الجمال الفاتنة، القابعة في وجة متحف الحب القهري، إنهم يغادرون ليبثوا آرائها، ويرددون هتافات مجدها وصفاءها، ويرسمون على قمم الأفكار وردة بيضاء أصابتها دهشة ورعشة فرعشنة..!
التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات :

ترك الرد

close
Banner iklan disini