على الشّاطئ الفضّيّ نصبوا
شمسيّاتهم الزّاهية..
انهمكت تيماء تهيّء ابنها للسّباحة وهي تطلي جسده شبه العاري بالواقي الشّمسيّ وتثبّت طوقي النّجاة الصّغيرين بزنديه وهي توشوش له مداعبة:" احذر أن تسحبك حوريّة البحر بعيدا عن عينيّ.." فيطرب فؤادها لقهقهاته المرحة..
انطلق يعدو نحو الماء المشرئبّ نحو السّماء يستزيدها زرقة.. فتمدّدت على أحد كرسيّين تلاحقه بنظراتها..
البساط الأزرق يحضن المصطافين..
نورسان يطوفان يرتّلان ترانيم الشّوق للأفق البعيد..
الغابة المتّكئة على صدر الجبل خلف الشّاطئ تنثر عبق الصّنوبر والسّرو النّديّ..
والسّماء ترنو إلى الفرح الشّادي، تسكب إليه من دنان الشّمس كؤوس الضّياء..
وقف حسام بجانب كرسيّها يتأمّل نظراتها الشّاردة. سألها متعجّبا:" عمّ تبحثين؟!"
صمتت بُرهة ثمّ قالت:" أسائل تلك السّحب البيضاء المرتحلة لم العجلة؟.. مدركة هي الأفقَ لا ريب، واقعة حتما على ثغر البحر، مُرتشفُها هو آن الحلول رويدا رويدا كقطعة شهد حتّى آخر القطرات، وبها لن يكتفي..."
"أوووف..." تمتم.."أراك تكتمين حنقا عظيما على البحر... !"
ابتسمت وهي ترمقه بنظرة ولهة وردّدت:
_بل أكنّ له الإجلال.. لمن سواه تذلّ الشّمس وتهوي..؟"
قاطعها صوت ابنهما مناديا وهو يجري نحوهما:" أمّاه عثرت على حوريّة"
تقدّم منهما لاهثا، مدّ يده الحاضنة صَدَفَة وهو يردّد:" اسمعي وشوشاتها.."
قرّبت الصّدفة وهي تبتسم..
_بماذا أخبرتك..؟
قال حسام متهكّما..
_بحكايا الشّمس للبحر في اللّيالي المعتمة..
أجابته وابتسامتها تتّسع..
_اللّيالي المعتمة..؟
صاح الصّغير حائرا. اعتدلت في جلستها وأجلسته في حجرها وهي تقول:" تقول عروس البحر يا بُنيّ أنّ الشّمس والقمر كانا يتواعدان ..
تتوهّج الشّمس بالشّوق، والقمر رابض خلف الجبل يهمس للسّحابة البيضاء برسائل الوجد فتهرع نحوها وقد بات خدّها من الخجل بتلة أقحوان..
يرتجف القلب العاشق ولهاَ، فتثّاقل خطاها تُلهب صدر الأرض برمضاء توق تتّقد مجامره وساعات النّهار تطول وتطول وتطول..
تتهادى نحو الجبل الشّامخ بسرّه المتواري خلفه يتلمّظ رضاب الشّوق والانتظار..
فرحُ الوصال يرفعها عن وجه الأرض رويد رويدا، يتكلّل بها الجبل، يحملها على رأسه أميرة، يزفّها إلى حضن البدر في تؤدة والعيون ترمقها فرحا وتهليلا لسمر لذيذ..
يتلاقيان، يتعانقان، يتماهيان، يمسيان بدرا ينثر في الأفئدة حكايا العاشقين..
ويمتدّ عبق السّمر..
ذات فجر، وهما في ضمّة الوداع ارتجّ الكون.. أخفت السّماء وجهها بوشاح من الغيوم السّوداء.. الرّعد دمدم بالعويل..
والعاصفة المجنونة أخذت تدور كدوّامة محمومة تجتثّ جذور الفرح من الغصون الحالمة..
أمست الشّمس قُرصا بلا لون.. دسّ الجبل رأسه في صدره، ارتجف نباته الغضّ وتهاوت حصيّات كانت ترتع في مرج خيلائه كحبّات كثيب تدغدغه يد عابثة..
القمر خلفه بات يغرق في وهد من الرّمال المتحرّكة، تكبّله، تخنقه..
ارتجفت الشّمس وهي ترى السُّمّار في فجوة في جذع سنديانة الصّبر يختبئون، يتهدّج صوت خطاهم المتلاحقة يتعثّر بعضها ببعض، يتعلّقون بجدائل نور وهنة تتسرّب من آخر الممرّ في الفجوة الضّيّقة..
طقطقات مرعبة تكاد تصمّ آذانهم..
تتوقّف خطاهم.. يتساقط بعضهم فوق بعض.. يتشظّون بين السّؤال والسّؤال..
العاصفة تجتثّ السّنديانة..
تهوي بهم من علياء سمائها..
تتدحرج.. يتدحرجون، يصيحون، يولولون، وتبتلع الضّفّة الأخرى للجبل أصواتهم والحكاية..
بجوار القمر يتكدّسون: بقايا ارتحال وأطنان حنين..
سنديانة الصّبر تنتصب واقفة في وهد الرّمال المتحرّكة..
انتفضت الشّمس في رحم السّماء الحزينة تسّاءل عن جدائلها وأهدابها وأنهار الفرح التّائهة خلف الجبل..
ضمّ القمر الخطى المبتورة إلى صدره وهو يشرق بكلمات بلا صدى :" إنّي أحبّك يا شمس وأذواني الحنين.. والنّبض فيّ احترق بزخّات الأنين.."
يتغرغر بشظايا بوحه ترتدّ إليه تشبعه إثخانا، تنسف آخر عُمُد النّبض فيه.. يهمس لأنفاس السّنديانة الشّامخة في الوهد البعيد:" تاهت بوصلة خطاي، أخبري شمسي.. وما عاد للنّاي صوت بلا أناي فأنّى يُجدي همسي..؟"
مثقلة بالحزن والوجل كانت الشّمس ترحل بعيدا نحو الغرق كلّ مساء بحنين النّبض للبحر تبوح، وحين يسجن الوهد حبيبها وتُعتم اللّيالي على صدره تنوح..."
صاح الصّغير:" سأعيد القمر.." وأغرق الوالدان في الضّحك..
ولج حسام البحر وأخذ الصّغير يلهو بصدفته فاسترخت تيماء تلاحق خيالها حتّى غلبها نعاس..
أفاقت فزعة على صوت حسام يسألها:" أين نور..؟"
جالت عيناها في المكان.. لاأثر لضناها..
ضجّ الشّاطئ بالمُنادين..
أعوان الإنقاذ يعودون بلا خبر..
الشّمس تنحدر نحو الأفق تنشد غرقا..
يعود حسام حاملا صغيره بين يديه، خطاه متعثّرة، نظراته زائغة، يضعه على الكرسيّ المنبسط والدّم يغطّي وجهه..
يفتح عينين مجهدتين ويهمس:" أمّاه.. تصعّدت نحو القمر..."
تولول تيماء:" بدونك، يا عمري، يذوب القمر كقطعة شمع وتمسي أشلاؤه الغضّة أيتاما..."
انهمكت تيماء تهيّء ابنها للسّباحة وهي تطلي جسده شبه العاري بالواقي الشّمسيّ وتثبّت طوقي النّجاة الصّغيرين بزنديه وهي توشوش له مداعبة:" احذر أن تسحبك حوريّة البحر بعيدا عن عينيّ.." فيطرب فؤادها لقهقهاته المرحة..
انطلق يعدو نحو الماء المشرئبّ نحو السّماء يستزيدها زرقة.. فتمدّدت على أحد كرسيّين تلاحقه بنظراتها..
البساط الأزرق يحضن المصطافين..
نورسان يطوفان يرتّلان ترانيم الشّوق للأفق البعيد..
الغابة المتّكئة على صدر الجبل خلف الشّاطئ تنثر عبق الصّنوبر والسّرو النّديّ..
والسّماء ترنو إلى الفرح الشّادي، تسكب إليه من دنان الشّمس كؤوس الضّياء..
وقف حسام بجانب كرسيّها يتأمّل نظراتها الشّاردة. سألها متعجّبا:" عمّ تبحثين؟!"
صمتت بُرهة ثمّ قالت:" أسائل تلك السّحب البيضاء المرتحلة لم العجلة؟.. مدركة هي الأفقَ لا ريب، واقعة حتما على ثغر البحر، مُرتشفُها هو آن الحلول رويدا رويدا كقطعة شهد حتّى آخر القطرات، وبها لن يكتفي..."
"أوووف..." تمتم.."أراك تكتمين حنقا عظيما على البحر... !"
ابتسمت وهي ترمقه بنظرة ولهة وردّدت:
_بل أكنّ له الإجلال.. لمن سواه تذلّ الشّمس وتهوي..؟"
قاطعها صوت ابنهما مناديا وهو يجري نحوهما:" أمّاه عثرت على حوريّة"
تقدّم منهما لاهثا، مدّ يده الحاضنة صَدَفَة وهو يردّد:" اسمعي وشوشاتها.."
قرّبت الصّدفة وهي تبتسم..
_بماذا أخبرتك..؟
قال حسام متهكّما..
_بحكايا الشّمس للبحر في اللّيالي المعتمة..
أجابته وابتسامتها تتّسع..
_اللّيالي المعتمة..؟
صاح الصّغير حائرا. اعتدلت في جلستها وأجلسته في حجرها وهي تقول:" تقول عروس البحر يا بُنيّ أنّ الشّمس والقمر كانا يتواعدان ..
تتوهّج الشّمس بالشّوق، والقمر رابض خلف الجبل يهمس للسّحابة البيضاء برسائل الوجد فتهرع نحوها وقد بات خدّها من الخجل بتلة أقحوان..
يرتجف القلب العاشق ولهاَ، فتثّاقل خطاها تُلهب صدر الأرض برمضاء توق تتّقد مجامره وساعات النّهار تطول وتطول وتطول..
تتهادى نحو الجبل الشّامخ بسرّه المتواري خلفه يتلمّظ رضاب الشّوق والانتظار..
فرحُ الوصال يرفعها عن وجه الأرض رويد رويدا، يتكلّل بها الجبل، يحملها على رأسه أميرة، يزفّها إلى حضن البدر في تؤدة والعيون ترمقها فرحا وتهليلا لسمر لذيذ..
يتلاقيان، يتعانقان، يتماهيان، يمسيان بدرا ينثر في الأفئدة حكايا العاشقين..
ويمتدّ عبق السّمر..
ذات فجر، وهما في ضمّة الوداع ارتجّ الكون.. أخفت السّماء وجهها بوشاح من الغيوم السّوداء.. الرّعد دمدم بالعويل..
والعاصفة المجنونة أخذت تدور كدوّامة محمومة تجتثّ جذور الفرح من الغصون الحالمة..
أمست الشّمس قُرصا بلا لون.. دسّ الجبل رأسه في صدره، ارتجف نباته الغضّ وتهاوت حصيّات كانت ترتع في مرج خيلائه كحبّات كثيب تدغدغه يد عابثة..
القمر خلفه بات يغرق في وهد من الرّمال المتحرّكة، تكبّله، تخنقه..
ارتجفت الشّمس وهي ترى السُّمّار في فجوة في جذع سنديانة الصّبر يختبئون، يتهدّج صوت خطاهم المتلاحقة يتعثّر بعضها ببعض، يتعلّقون بجدائل نور وهنة تتسرّب من آخر الممرّ في الفجوة الضّيّقة..
طقطقات مرعبة تكاد تصمّ آذانهم..
تتوقّف خطاهم.. يتساقط بعضهم فوق بعض.. يتشظّون بين السّؤال والسّؤال..
العاصفة تجتثّ السّنديانة..
تهوي بهم من علياء سمائها..
تتدحرج.. يتدحرجون، يصيحون، يولولون، وتبتلع الضّفّة الأخرى للجبل أصواتهم والحكاية..
بجوار القمر يتكدّسون: بقايا ارتحال وأطنان حنين..
سنديانة الصّبر تنتصب واقفة في وهد الرّمال المتحرّكة..
انتفضت الشّمس في رحم السّماء الحزينة تسّاءل عن جدائلها وأهدابها وأنهار الفرح التّائهة خلف الجبل..
ضمّ القمر الخطى المبتورة إلى صدره وهو يشرق بكلمات بلا صدى :" إنّي أحبّك يا شمس وأذواني الحنين.. والنّبض فيّ احترق بزخّات الأنين.."
يتغرغر بشظايا بوحه ترتدّ إليه تشبعه إثخانا، تنسف آخر عُمُد النّبض فيه.. يهمس لأنفاس السّنديانة الشّامخة في الوهد البعيد:" تاهت بوصلة خطاي، أخبري شمسي.. وما عاد للنّاي صوت بلا أناي فأنّى يُجدي همسي..؟"
مثقلة بالحزن والوجل كانت الشّمس ترحل بعيدا نحو الغرق كلّ مساء بحنين النّبض للبحر تبوح، وحين يسجن الوهد حبيبها وتُعتم اللّيالي على صدره تنوح..."
صاح الصّغير:" سأعيد القمر.." وأغرق الوالدان في الضّحك..
ولج حسام البحر وأخذ الصّغير يلهو بصدفته فاسترخت تيماء تلاحق خيالها حتّى غلبها نعاس..
أفاقت فزعة على صوت حسام يسألها:" أين نور..؟"
جالت عيناها في المكان.. لاأثر لضناها..
ضجّ الشّاطئ بالمُنادين..
أعوان الإنقاذ يعودون بلا خبر..
الشّمس تنحدر نحو الأفق تنشد غرقا..
يعود حسام حاملا صغيره بين يديه، خطاه متعثّرة، نظراته زائغة، يضعه على الكرسيّ المنبسط والدّم يغطّي وجهه..
يفتح عينين مجهدتين ويهمس:" أمّاه.. تصعّدت نحو القمر..."
تولول تيماء:" بدونك، يا عمري، يذوب القمر كقطعة شمع وتمسي أشلاؤه الغضّة أيتاما..."