مدخل/ رأي
في عصرنا الحالي
المتجه إلى الإجتزاء والممعن في التجاوز وبأقصى سرعة، وصولا للتشييء وكتم الإحساس
الإنساني الشفيف، ليصل إلى الأهداف والغايات، ومهما كانت الوسائل أو تعرجت
الطرقات، يبقى للأدب والفن وفي كل الحالات، متعة فنية خالصة متميزة هي بحد ذاتها
قيمة، إن لم تسيء إلى القيم والمبادئ وجوهر الإنسان..
من هنا، لم يزل
للقصة القصيرة كجنس أدبي مستقل، وهجها وجمالها في الساحة الأدبية، ولا ضير أيضا إن
اتجه أسلوب كاتبها إلى الشاعرية أو الرومانسية أو الرمز، بثراء بيان متكلا على
استعارات وتشابيه وتشخيص وأنسنة وإلى ما هناك من محسنات تضيء فضاء النص السردي،
شريطة ألا يتحول السرد إلى استطرادات وجمل مطاطة بعيدة عن جذور البلاغة والفصاحة
وتحيد بالكامل عن خدمة النص.
ومن وجهة نظر
تربوية، أرى من الضرورة خاصة قبل المرحلة الجامعية، إن أردنا تهيئة أدباء أو شعراء
أو نقاد مبدعين، أرى أنه لا بد للطالب أن يقرأ أعمالا أدبية عديدة ويتعرف على فنون
مختلفة، ويقرأ قصصا قصيرة متميزة، يتعلم منها أسلوب القص بلغة عربية جميلة ومعبرة
بفصاحة وثراء بيان.
(القراءة النقدية)
كنت قد قرأت
للأديب سامر أنور الشمالي مجموعة قصص قصيرة متنوعة، مقتطفة من عدة كتب له، وكونت
فكرة عن عالمه الأدبي المتميز، فنحن نجد في قصصه متعة وسلوى، إلى جانب الفكر
والثقافة وثراء المقصد. سرده غني بالرموز والإيحاءات والإسقاطات على واقع نعيش
فصوله حروبا وتشردا وقلق وجود وكينونة. الأسلوب عامة واقعي يمتزج بالمتخيل، وأحيانا
سريالي، أو فانتازي يختلط فيه الخيال العلمي، كما في قصة/العنوان: “سيكون في جديد
الزمان”. هو يجيد اختيار تكنيكه السردي ورموزه ويوظفها توظيفا موفقا ليبني مقصده
الذي يصبو إليه، لغته السردية رشيقة العبارة مكثفة، غنية بالصور والاستعارات
الجميلة والخيال المعبر.. ولن أدخل الآن في تفاصيل الأسلوب، لأن لكل قصة نكهة
مميزة من بين المجموعة، لكن فيها رغم التنوع، صفة عامة تعطي الأديب سامر أنور
الشمالي، بصمة متميزة في دنيا الأدب خاصة الأدب الملتزم.
قصة الرصاص
الفارغ: موقع قتالي ليجمع عبوات “الرصاص
الفارغ” ويشتري بثمنها
قوتا لأخوته الجائعين.. ويفاجئه في الموقع الخطر صاروخ يشتت أشلاءه فوق الركام.
القصة تمتاز بحبكة
موفقة وسرد شيق مؤثر، وهو يستعمل فيها لعبة “الفلاش باك” بادئا بالسرد بعد عشر
سنوات من مقتل الطفل “شادي” والقفلة جاءت مؤثرة، إذ تحول الموقع إلى ساحة
للأراجيح، وهي مفارقة ملفتة فيها شيء من التفاؤل بانبعاث الحياة بعد الحرب
والدمار، وفيها رهان على خير قابع في اللاوعي، فالمقاتل لم ينس “شادي” الذي قضى
ظلما وظل يتذكره، وسمى ابنه “شادي” وكان قد نصحه بالعودة إلى مدرسته والابتعاد عن
“الموقع الخطر”.
هذه القصة هي
حكاية كل الأطفال المشردين في بلادنا؛ الذين انتهكت أحلام طفولتهم وحرموا الأمان
ولذة العيش، وباتوا منتشرين كالمتسولين في بلاد الشتات يبحثون عن لقمة العيش وأمان
الوجود في أماكن الذل والنفايات.
قصة الحلم الأول
والحلم الأخير: بقصد
مني أن أقدم بعض نماذج من المجموعة القصصية وأجد بين بعضها الآخر صلة مشتركة
تجمعها.
المقدمة بحد ذاتها
هي أقصوصة ممتعة، عرفنا فيها من خلال التوصيف، وليس بالأسلوب المباشر، أن البطل
/الراوي كان لا يحلم وأن فتاة كانت تحاول أن تستفزه لتأخذ منه اعترافا بأنه يحلم
بها.
في التوصيف يستعمل
الكاتب الاستعارات والتخيل لتوظيفه في السرد: مثلا قوله “حتى القلب كان، كأنه
يستأذنه للخروج من صدره لأنه لم يعد ثمة مبرر لبقائه في جوفه الذي لا تبدد ظلامه
الدامس، بوارق الأحلام الساطعة “هذا المقطع هو للدلالة على حالة البطل النفسية
التعسة، وعلى ظلمة داخلية لم تبددها الأحلام الساطعة، كونه لا يحلم.
أما قوله “كل حلم
هو حياة أخرى بطريقة ما”
هو جملة مكثفة
بليغة. من هنا نستدل أن التوصيف مستعمل أحيانا خدمة للسرد وابتعادا عن الأسلوب
المباشر. ونعود إلى المتن بعدما عرفنا أن العقدة بدأت بالتأزم بجملة “يعلم أن لديه
علة ماكرة هي انعدام النوم” ونتابع السرد لنتقصى مقصد العنوان /الحلم الأول،
والبحث عن سبيل الوصول إليه. هنا يوظف الكاتب الحلم، ليعبر بأسلوب سريالي يهرب فيه
من الواقع المؤلم. وذاك أن الحلم كما نعرف، هو تنفيس عن المكبوتات التي نرزح تحت
ثقلها. ويأتي الحلم الأول بعد مران طويل وتدريبات مارسها البطل في الواقع، بتخيل
نفسه طفلا صغيرا يركض وراء فراشة طائرة ويقبض عليها. لكنه أثناء الحلم أحس ببرودة
أطرافه، هنا يتحول الحلم إلى كابوس بلعبة مقصودة من الكاتب، فبرودة الأطراف دليل
على عودة البطل إلى الواقع المر، أثناء الحلم، وعندها ضغط على الفراشة وسحقها وعاد
إلى قاع الوادي السحيق، السقوط من جديد في العدم، هو سقوط سيزيفي، وتعبير عن اللا
جدوى والعبث. وهكذا، أتت القفلة معبرة جدا وانتهى الحلم الأول بالإنقاذ، فكان هو
نفسه آخر حلم…
وهكذا تكون هذه
القصة جاءت معبرة عن معاناة الإنسان وعجزه عن تغير أقداره في رحلته العبثية
الوجودية.
ثلاث
قصص من المجموعة يربطها طوق متين: 1_ اِنتظار في الفناء .2_الشر يجتاح عالمنا
3_مجرد جريمة أولى …
1- اِنتظار
في الفناء: الملفت في البداية هو تعدد الشخصيات
وإعطاؤهم ألقابا بدل الأسماء مما يسهل على المتلقي تمييزهم في قصة قصيرة. العنوان
لم يش ِبالمتن لكن الكاتب استعمل بعض الإيحاءات للدلالة مثلا: “القصير غط في نوم
عميق وبدأ شخيرا شتت الهدوء” جعلنا نحس بطول انتظار الجميع مصابا، ليخرج معافى من
أيدي جراح ماهر . لكن ما حصل، أن في الأمر جريمة وأكثر ترتكب في الخفاء في ما يسمى
“غرفة العمليات” وتطمس كل الحيثيات والتفاصيل ويعتم على الموضوع ويُخفى.. وتبين أن
الرجل “الضخم” كان مسؤولا عن ضبط المجتمعين في الفناء وتقييد حرياتهم الشخصية
بالقوة والقتل إذا اقتضى الأمر! ولا أحد يجرؤ على الاِعتراض… الأسلوب ثري
بالدلالات والرموز والإيحاءات. والسرد شيق ومعبر والقفلة أتت مؤثرة ومعبرة تماما.
2- الشر
يجتاح عالمنا: بدءا من عتبة النص
/ العنوان تبدأ القصة بـ أربعة أشرار اتفقوا على الشر كهواية أو عنوان
لوجودهم،”أفجر إذن أنا موجود” مثلا فجروا مركزا علميا بحجة” أن الاختراعات تجلب
الفساد والانحلال الأخلاقي” فجروا المعابد “لأنه يجب الكف عن بناء المعابد “وإلى
ما هنالك من شرور برروها أمام المحكمة بأعذار واهية وسخافات… في المحكمة سخط الناس
عليهم وصرخوا: ـ أعدموهم .._أشغال شاقة ..ـ أحرقوهم أحياء.. ضُرب الناس وأخرجوا
بالقوة ليصدر الحكم بتغريمهم فقط بثمن ما خربوه! ودفعوا من ثمن المسروقات! قيلت
أقاويل كثيرة “أن لهم علاقة وثيقة بمتنفذين داخل السلطة” وقيل أن القضاء متواطئ
وقيل وقيل … خرجوا من السجن أشد قوة وفتكا وتصميما على التخطيط لجرائم وشرور قادمة
أشد ضراوة وفتكا… في هذه القصة إسقاطات على ما يحصل في بلداننا العربية من تواطؤ ظاهر
ومقنع بين أصحاب السلطة والنفوذ، وبين زمر من المفسدين والمنتفعين والأشرار…
3- مجرد
جريمة أولى:
الموضوع:
مجموعة صبية صغار تخفوا خلف شواهد حجرية، راغبين القيام بلعبة خطرة، يتفاخرون بها
طوال حياتهم، ويثبتون بذلك أنهم أصبحوا رجالا كبارا.
الأسلوب
السردي شيق ساخر، فيه استعارات وتشابيه معبرة، مثلا: شبه الكاتب القتيل الذي ترصده
الصبية بأنه شبح “يتكور في حاوية قمامة كجنين منبوذٍ في رحم خاطئة غرر بها” وهو
منبوذ “لم يعهد طعم القبل، حتى مذاق قبلة يد أمه” انقض الصبية عليه بسكاكينهم
البراقة، وأنهوا حياته ببساطة “كلحظة ميلاد لم ينتظرها أحد” تشابيه معبرة دلت على
السرعة والوحشية التي ارتكب فيها فعل القتل، لمنبوذ فقير بريء…
القفلة جاءت مؤثرة
ومعبرة جدا، إذ ترك الجميع الجثة في العراء طعاما للجرذان والحشرات، والمفارقة
الغريبة كانت أنهم كانوا يترنمون بأغنية حفظوها في مدرستهم عن، “نحلة نشيطة تحط
بتؤدة على أزاهير زاهية لا يقطفها الأولاد الطيبون !!”…
هذه القصة تربوية
بامتياز، تظهر صبية لم يتربوا في بيوتهم، ولم يكسبوا شيئا من مدارسهم، فداروا في
الأزقة يرتكبون الجريمة ببساطة وبلا أي تأنيب للضمير..
خمس قصص أخرى وجدت
طوقا يربطها هو أسلوب السرد الوجداني وعلاقتها بالموضوع الإنساني ومشاعر النفس
الإنسانية.
قصة كرسي في
الذاكرة: العنوان يشي بالمتن. ونتابع باهتمام
بداية القصة. للبطل علاقة ودية بالكرسي فهو يقول: “يحتضنني بحنان ويختزن ألفة
تقربه مني. هو ليس كرسيا عاديا إنه مثل صديق “يعيده إلى حضن الأم، لذا بعد أن
تخلصت الزوجة من الكرسي، بحجة اقتناء كرسي آخر أكثر جمالا وحداثة، ازداد حنينه
لذكرى أمه الراحلة منذ سنين… وهذه حقيقة سيكولوجية هي أنه كلما ازدادت معاناتنا من
تعب الحياة وكلما أحسسنا بالحنين إلى رحم الأم أو إلى حضنها الدافئ (ملاذنا الأول)
لأن القطع مع الأصول بحجة التحديث الوهمي، هو تغريب للذات ومجلبة للتعب أو للضياع…
الأسلوب السردي شيق عني بالصور والاستعارات والخيال المعبر، جمل رشيقة بليغة
وتوصيف عاطفي شفيف.
قصة أنها تخاف
الظلام: قصة عاطفية مؤثرة جدا، حيث يفقد بطل
القصة عروسه، في يوم الزفاف في حادث سيارة أرداها
قتيلة.
العنوان لا يشي
بالمتن إلا في نهاية القصة، عندما يذهب البطل إِلى المقبرة حاملا باقة ورود بيضاء،
مصر أن يبقى وحده في المقبرة ليحرس قبرها “لأنها تخاف الظلام” الأسلوب عاطفي يحرك
المشاعر والأحاسيس الإنسانية، بلغة هي لغة الأديب سامر الشمالي التي وصفتها في
أكثر من نص.
قصة المصيدة: أقصوصة
صغيرة تحكي عن عائلة فقيرة جائعة، الأم تبكي
وتنتحب، والأب يدور في الطرقات باحثا في القمامة عن أشياء يبيعها ليشتري القوت
لعائلته، والطفل الصغير يتحرق ألما من شدة الجوع، ويصرخ “لقد اصطدنا فأرا، أمي هل
تؤكل الفئران؟” توصيف رائع لمجاعة تشبه ما كان يحصل في الحروب العالمية أثناء
المجاعات.
قصة عشق في
المقبرة: امرأة تزوجت من رجل بعد قصة حب
بينهما، قتل بشكل غامض، وكان أهلها قد هددوا بقتله. لم تلبس ثياب الحداد، وظلت كل
يوم تذهب إلى المقبرة، آخذة له أطيب الطعام الذي يحبه والتبغ، تحاوره وتناغيه كأنه
ما زال حيا يرزق، بينما توجد أضرحة كثيرة لأموات أثرياء لا يزورها أحد…
هنا يريد الكاتب
القول إن الفقراء مجبولون على الوفاء والحب والعطاء، بينما معظم الأغنياء لا
يتحلون بهذه الصفات. وبنهم لصوص كثيرون مقنعون يهابون الموت ويختبئون في المدن.
وهكذا تنتهي القصة بأن تظل تلك المرأة عاشقة زوجها في المقبرة، ثم تأتي قصة:
خداع الحب
والشوكولا: هي قصة حب فزواج، بني هشا منذ
الأساس وانتهى بالطلاق.. العنوان يشي بالمقصد،
وذاك، البطل/ الراوي يكتشف متأخرا أن الحبيبة التي هام بها وتزوجها كانت مخادعة،
أوهمته بأنها تحبه، لكنها بالحقيقة كانت تحب هداياه بالشوكولا، لتأخذها لرفيقاتها
هدية، وتأتي القفلة حكمة “تستطيع الزواج من امرأة لا تحب الشوكولا، لكن من
المستحيل أن تحب امرأة،تتظاهر أمامك بأنها تحب الشوكولا كذبا” في القصة إسقاط على
كل حب أو علاقة تبنى على المكر أو الخداع لأنها ستنكشف مع الأيام.
وأتابع
القصة/ العنوان سيكون في جديد الزمان: الأسلوب
في هذه القصة مختلف عن أسلوب الكاتب في سابقاتها..، فيه واقعية اختلط فيها الخيال
العلمي بالعجائبي، كما أن التصوير والوصف جاء كاريكاتوريا، ساخرا معبرا. ولا ننسى
أهمية الخيال العلمي، فهو أحيانا بمثابة إرهاصات علمية مبكرة.. القصة ليست ساخرة
وحسب، لكن هناك تكنيك سردي. اعتمد الكاريكاتور وتصعيد الحدث الغرائبي حتى وصل إِلى
الذروة… ليصل الكاتب من خلاله إلى مقصده، بدءاً من “المدينة القمرية” التي شيدها
الأثرياء وأصحاب الشركات العملاقة، وحجبوا عن الفقراء نور القمر وجمال السهرات
والأضواء ولذة الحياة!! ثم استمروا بالتضييق عليهم وواصلوا سعيهم للاقتراب من
الشمس (وهذا تصوير غرائبي) وفككوا موادا منها، ليشيدوا “المدينة النورانية” أعظم
مدينة على وجه الأرض.
وهذا إسقاط على ما
يبنى من ناطحات سحاب!! وهكذا تمت السيطرة على مقدرات الكون كلها من قبل الأثرياء
وحدهم.. وهذه المبالغة الكاريكاتورية هي بمثابة دق ناقوس الخطر، من جراء تحكم
الشركات العملاقة متعددة الجنسيات والتي تدير دولا كبرى تتحكم بمصائر وأقدار
الشعوب.. أليس ما يحصل اليوم في العالم لدليل على ذاك التحكم وتلكم الوحشية، التي
تدارنائية عن أي إحساس أو شعور إِنساني؟؟ برأيي كان من الممكن تكثيف هذه القصة،
لأنها أطول من قصة قصيرة، بدت وكأنها فصل من رواية عجائبية ممتعة السرد والتصوير
الكاريكاتوري، تصلح أن تكون نص فيلم بريختي غرائبي.
قصة رحلة غير
منتهية: هي رحلة استجمام لأناس كان همهم
الاستمتاع والتسلية. تتعطل الحافلة منذ البداية،
(كتعطل الحياة في بلادنا الذي صار قاعدة) ويبدأ الركاب في البحث عن مخارج وحلول..
الأسلوب ممتع شيق السرد، رومانسي أحيانا مع جانب ساخر.
العنوان كاشف
للمتن، إذ تبدأ الرحلة متعثرة، وأول العُقد ِهي موت السائق وحيرة ركاب لا يدرون ما
يفعلون في عرض الصحراء ولا يفقهون شيئا من أمر القيادة… وتبدأ الأسئلة وتطوول، _هل
سنصل إلى نهاية الطريق؟ _سيروا على أي طريق وكفى…! ومناقشات حادة لا تصل إلى أي
اتفاق بينهم، وقد قاربوا الموت في هجير شمس الصحراء القاحلة.
وهنا نتذكر رائعة
غسان كنفاني: “رجال في الشمس، حيث تفحم (الأبطال) ولم يجرؤ أحد منهم أن يطرق حديد
الصهريج كي يسلموا من الموت احتراقا! النهاية كانت مخيفة حقا، إذ تركوا يلقون
مصرعهم داخل الحافلة، تحاصرهم الطيور الجارحة وتأكل وليمتها من جثة السائق.
في
القصة إسقاطات على مجمل ما يحصل في عالمنا العربي المتخبط في دياجير التخلف
والتكهنات الغيبية، على قاعدة اللا اتفاق.
قصة تناولتها هي
الأطلال: تعدد في الشخصيات: رجل أول، رجل
ثان، فثالث ورجل الجريدة وهو بطل القصة، والرجل
ذو الصوت الخشن. رجل الجريدة هو بطل القصة/ المهاجر الذي ينتظر في القهوة قطارا
يقله في رحلة مجهولة النتائج خارج بلده المنكوب بالحروب والمشاكل. التي تنتظر
الحلول. يدور جدال وحوارات بين رجال القهوة، عن حقيقة تمثال نقل مؤخرا إلى أحدى
الحدائق العامة، وتبدأ التكهنات والتخمينات والتنظيرات، ولا يكاد أن ينتهي الجدال،
حتى يستكمل بوتيرة أكثر حدة، يصبح مكثفا ككرة من الثلج، ودون جدوى وبغير نهايات أو
اِتفاقات، ويكتشف رجل الجريدة، أن التمثال انقرض. ولم يبق مكانه غير أثر لمربع
حجري متآكل، يبدو كأنه كان قاعدة لتمثال. وعاد إلى المقهى، ليجد المتحاورين
يتضاربون بالعصي والهراوات، وجوههم مغطاة بنظارات سوداء “تخفي عيونهم المطفأة منذ
سنوات وسنوات” من الواضح أن للقصة دلالات كثيرة والكثير من الإسقاطات.. وأكون بهذا
قد أنهيت قراءتي لهذه المجموعة القصصية الشيقة من كتاب سيكون في جديد الزمان،
للأديب السوري المبدع سامر أنور الشمالي، المتميز بأدب ممتع وأسلوب سردي شيق، عبر
من خلاله عن التزامه بقضايا بلادنا، التي تعيش حروبا ودمارا ومشاكل معيشية جمة,
ويرزح الإنسان فيها تحت وطأة الرتابة والبحث عن الهوية والكيان.
دام إبداعك الصديق
سامر أنور الشمالي، تستحق كل تقدير واحتفاء، وأعود لأقدم جزيل الشكر والامتنان
للدكتور المبدع مختار أمين وللشاعرة والأديبة المبدعة الأستاذة سعاد العتابي،
وشكري وتقديري لكل الأدباء الأجلاء المشاركين في هذه الندوة المميزة الثرية العطاء.