ضرب
جبهته براحة كفه كمن تذّكر شيئا ..تذكّر فجأة أنه نسي صاحبه..أسرعَ إليه وجده
رابضاً أمام كوخه الصغير .. دنا منه وهو يمسح على رأسه بتؤدة..ينظر حواليه متفحصا
المكان ..تألمَ وهو يجد إناء الماء فارغا وآنية الطعام تعصف بها الريح ، يرمقه
بنظرة تودد ويهمس له :
_لا تزعل يا صاحبي ..انشغلتُ بأعمال اضطرارية قاهرة ونسيتكَ ..سامحني ،سأجلب لك الماء والطعام..أحنى الكلب رأسه ودفنه بين قائمتيه دون أن ينظر إليه .بعد قليل جاءه الرجل يحمل بين يديه الماء والطعام ..وضعهما أمامه وجلس مقرفصاً ليطمئن على تناوله الطعام الذي قدمه له ..الكلب لم يعبأ به..ظل منكسّا رأسه إلى الأرض ..تملّمل الرجل ووضع كفه فوق شعر رأسه الأبيض الناعم وتمتم :
_أرجوك لا تستاء مني ..أنا مخطئ بحقك لمّا حرمتكَ من الطعام والشراب ليومين متتالين ..لن أكررها ثانية ..كُل يا صديقي ..مكث بقربه يسترضيه كي يتناول طعامه ..الكلب يرفض ويشيح بوجهه عنه .. أعيتهُ الحيلة في إقناعه ..أراد الرجل أن يحتضنه بود معبرا عن أسفه له.. يرفضَ ويلوي رقبته باتجاه آخر ..عندما أعاد الكرّة ليمسح على رأسه .ندّت منه صرخة مكبوتة وحاول عض يده ..قطّب الرجل حاجبيه ونهض واقفا والاستغراب باد على وجهه ..أطال النظر إليه وهو يفكر بتلك الحركة التي فعلها معه..فهمَ منها أنه غاضب منه لأمر لا يعلمه,,نهض الكلب من جلسته وسار نجو الباب الكبير وربض عند الكتف الترابي المقابل معاودا دفن رأسه بين يديه ..الرجل يهزّ رأسه أسفا ويغيب في الداخل ،
بعد قليل يخرج الرجل ومعه زوجته الجديدة وهما يشيران إليه بالقدوم إليهما ،لم يتحرك من مكانه وظل يرمقهما بعينين حزينتين ..تأوه الرجل وقال لزوجته :
_إنه مستاء مني لأني نسيتُ أن أقدّم ُله طعامه..ومع هذا رفض الطعام الذي جلبته له ..لا أعلم لمَ هذا الحزن الذي يبدو عليه ..ضحكتْ المرأة واتجهت نحوه قائلة :
_أخشى أن يعضّني !
_لا لا ..إنه صديقي منذ خمس سنوات لن يفعلها .
لمّا اقتربتْ منه عن مبعدة خطوتين ..نبحَ بوجهها بقوة مكشّرا عن أنيابه..تراجعت إلى الوراء وأسندت جذعها بصدر الرجل ..الذي ذُهل من سلوكه الغريب .. ربّت الرجل على كتفها وقال لها معتذرا :
_آسف حبيبتي.. ربما لم يتعوّد عليك ..سيصبح صديقا مخلصا لك ..إنه ودود و طيّب جدا ..لا بأس هدّئي من روعك.
مرّ أسبوع بأكمله وهو يرفض تناول الطعام والشراب . ،وإذا شاهدَ الزوجة الجديدة يُمعن في النباح و يحاول مهاجمتها..جسمه ..هزُل وأصبح جسمه ضامرا وحركته بطيئة ..الرجل يقرّر أن يأخذه إلى مكان بعيد عن بيته ليسري عنه ويؤنسه ..حملَ معه شيئا من الطعام وخرج به إلى البستان القريب الذي يملكُ جزء منه بالشراكة مع أخويه الآخرَين ..طوال بقائه معه في البستان بين الأشجار المثمرة والأحراش الجميلة ونسيم الربيع الذي يداعب سعف النخيل بهوائه العذب ..قضى معه ساعة بأكملها ..لم يجد منه أيمّا استجابة ،الطعام الشهي الذي وضعه أمامه تركه وجلس في مكان بعيد عنه، وبين الفينة والأخرى ، يرفعُ رأسه نحوه.. يرمقه بنظرة ذات مغزى ثم يعود ليخفض رأسه بألم .. قرّر الرجل معرفة ما أصاب صاحبه وقد شمله حزن كبير،دنا منه وهو يمسك به من رأسه :
_قل لي ماذا أصابك ..لماذا تقاطعني ..ألسنا أصحاب ،ما الذي دهاك على مقاطعتي ..خبرّني ماذا فعلتُ لك ؟ما أن شرعَ بوضع يده على رأسه حتى ينتفض الكلب لينبح عليه ، لم يلبث أن يسكنَ مشيحاً بوجهه بعيدا ..الرجل يتأفف وينهض مقتربا منه،يقول مخاطباً إياه:
_قل لي ما بك ..هل ترفض صداقتي معك ..هل تكرهني لهذه الدرجة ..ألم تكن مصاحبا لي في كل نزهاتي ومشاويري ..كم من مرة صحبتكَ معي ...رفع إليه رأسه بتثاقل ملقياً عليه نظرة مليئة بعتب وحزن شديدين..حاول النهوض، بالكاد استطاع أن يقف على قدميه ، رمقه بنظرة وسار ميمما وجهه إلى الأمام متخذا سبيله نحو البيت ..تبعه يمشي خلفه حتى اقترب من البيت ودلف إلى مكمنه واقعي في مكانه ينظر بعينين جامدتين صوب الأـفق البعيد ..في اليوم التالي تلقى صاحبه تبليغا بضرورة الحضور إلى التاجر في المدينة الذي كان يورده محاصيله الزراعية في كل موسم ..حزم أمره وأدار محرك سيارته وانطلق يشق الشارع الترابي المحاذي للترعة التي تتصل بنهاية الشارع لتنعطف خلف التلال التي أشرقت شمس الصباح من خلفها ...بقيت العروس الجديدة في الدار نائمة ولم تخرج إلى فناء البيت إلاّ بعد العاشرة صباحا حيث انشغلت بغسل الملابس في طست نحاسي عند الحنفية المتكئة .. على جذع شجرة توت يابسة ..بين الفينة والأخرى تلقي نظرة عابرة على الكلب الرابض خشية أن يهم بمهاجمتها ..
لما أكملت نشر الملابس المبلولة على الحبل المربوط بين شجرة التوت والجدار الطيني المقابل ..انتبهت إلى صوت صفير يتسلل إلى مسامعها من خلف الشجرة التي تحاذي البوابة الرئيسة ..ابتسمت ابتسامة عريضة حالما رأته ..صاحت به :
_ما أدراك أني لوحدي يا شيطان ..أطلق ضحكة طويلة واقترب منها قائلا :
_لقد رأيته في المدينة صباح اليوم ..وجئتك على جناح السرعة ..ربما لن يعود إلاّ عند المغيب
_ماذا كنتَ تفعل في المدينة ؟
_تعالي إلى الداخل ..الكلب ينظر نحونا بحقد ...هل ترين عيناه يقدحان شررا ؟..ضحكا وغابت ضحكاتهما في الداخل ..بدا الغضب يتسلل إليه وهو يتنصت لضحكاتهما ..لبث خلف الباب منتظرا خروج الغريب من الغرفة .. فور خروجه باغته الكلب واثبا عليه ..أسرع الغريب راكضا وهو يتسلق الجدار الطيني بكل خفة ..خرجت هي عند عتبة الباب ـرمقته بعينين غاضبيتين وانحنت على أنبوب حديدي كان مركونا خلف باب غرفتها .. أمسكته بقبضتها وتقدمت منه وهي تهم بضربه على رأسه .. تراجع إلى الوراء وهو يلهث ..رفعت ذراعها والقضيب الحديدي يرتفع في الهواء ..ابتعد عنها وهو يهم بالدخول لكوخه الصغير ..تبعته لتضربه على رأسه وهي تدمدم بكلمات مبهمة ..الضربة وقعت على رتاج الباب فتناثرت قطع الطين اليابس ..لوى جذعه بحركة غريبة وهبَّ مندفعا صوبها مكشرا عن أنيابه ..أستطاع أن يسقطها أرضا ويثب فوقها وهو ينبح بصوت مبحوح متعب ..نهضت تجرجر قدمين متعبتين وثوبها ممزق من أسفله حد منطقة الظهر ..يعود إلى مكانه لاهثا وهو ينظر إليها وهي تبكي متلمسة جراحها في ساقها وذراعيها بألم .. عاد زوجها قبل المغيب ..لمّا علم بالأمر ..لم يفه بشيء.. أدار محرك سيارته وربط الكلب من يديه ورجليه وحمله بعيدا .. عند نقطة ما توقف بسيارته.. ألقى به هو مقيد في المكان الذي وجده فيه عندما كان صغيرا ..خلف التلال الهاجعة التي شهدتْ ولادته يوما ما
_لا تزعل يا صاحبي ..انشغلتُ بأعمال اضطرارية قاهرة ونسيتكَ ..سامحني ،سأجلب لك الماء والطعام..أحنى الكلب رأسه ودفنه بين قائمتيه دون أن ينظر إليه .بعد قليل جاءه الرجل يحمل بين يديه الماء والطعام ..وضعهما أمامه وجلس مقرفصاً ليطمئن على تناوله الطعام الذي قدمه له ..الكلب لم يعبأ به..ظل منكسّا رأسه إلى الأرض ..تملّمل الرجل ووضع كفه فوق شعر رأسه الأبيض الناعم وتمتم :
_أرجوك لا تستاء مني ..أنا مخطئ بحقك لمّا حرمتكَ من الطعام والشراب ليومين متتالين ..لن أكررها ثانية ..كُل يا صديقي ..مكث بقربه يسترضيه كي يتناول طعامه ..الكلب يرفض ويشيح بوجهه عنه .. أعيتهُ الحيلة في إقناعه ..أراد الرجل أن يحتضنه بود معبرا عن أسفه له.. يرفضَ ويلوي رقبته باتجاه آخر ..عندما أعاد الكرّة ليمسح على رأسه .ندّت منه صرخة مكبوتة وحاول عض يده ..قطّب الرجل حاجبيه ونهض واقفا والاستغراب باد على وجهه ..أطال النظر إليه وهو يفكر بتلك الحركة التي فعلها معه..فهمَ منها أنه غاضب منه لأمر لا يعلمه,,نهض الكلب من جلسته وسار نجو الباب الكبير وربض عند الكتف الترابي المقابل معاودا دفن رأسه بين يديه ..الرجل يهزّ رأسه أسفا ويغيب في الداخل ،
بعد قليل يخرج الرجل ومعه زوجته الجديدة وهما يشيران إليه بالقدوم إليهما ،لم يتحرك من مكانه وظل يرمقهما بعينين حزينتين ..تأوه الرجل وقال لزوجته :
_إنه مستاء مني لأني نسيتُ أن أقدّم ُله طعامه..ومع هذا رفض الطعام الذي جلبته له ..لا أعلم لمَ هذا الحزن الذي يبدو عليه ..ضحكتْ المرأة واتجهت نحوه قائلة :
_أخشى أن يعضّني !
_لا لا ..إنه صديقي منذ خمس سنوات لن يفعلها .
لمّا اقتربتْ منه عن مبعدة خطوتين ..نبحَ بوجهها بقوة مكشّرا عن أنيابه..تراجعت إلى الوراء وأسندت جذعها بصدر الرجل ..الذي ذُهل من سلوكه الغريب .. ربّت الرجل على كتفها وقال لها معتذرا :
_آسف حبيبتي.. ربما لم يتعوّد عليك ..سيصبح صديقا مخلصا لك ..إنه ودود و طيّب جدا ..لا بأس هدّئي من روعك.
مرّ أسبوع بأكمله وهو يرفض تناول الطعام والشراب . ،وإذا شاهدَ الزوجة الجديدة يُمعن في النباح و يحاول مهاجمتها..جسمه ..هزُل وأصبح جسمه ضامرا وحركته بطيئة ..الرجل يقرّر أن يأخذه إلى مكان بعيد عن بيته ليسري عنه ويؤنسه ..حملَ معه شيئا من الطعام وخرج به إلى البستان القريب الذي يملكُ جزء منه بالشراكة مع أخويه الآخرَين ..طوال بقائه معه في البستان بين الأشجار المثمرة والأحراش الجميلة ونسيم الربيع الذي يداعب سعف النخيل بهوائه العذب ..قضى معه ساعة بأكملها ..لم يجد منه أيمّا استجابة ،الطعام الشهي الذي وضعه أمامه تركه وجلس في مكان بعيد عنه، وبين الفينة والأخرى ، يرفعُ رأسه نحوه.. يرمقه بنظرة ذات مغزى ثم يعود ليخفض رأسه بألم .. قرّر الرجل معرفة ما أصاب صاحبه وقد شمله حزن كبير،دنا منه وهو يمسك به من رأسه :
_قل لي ماذا أصابك ..لماذا تقاطعني ..ألسنا أصحاب ،ما الذي دهاك على مقاطعتي ..خبرّني ماذا فعلتُ لك ؟ما أن شرعَ بوضع يده على رأسه حتى ينتفض الكلب لينبح عليه ، لم يلبث أن يسكنَ مشيحاً بوجهه بعيدا ..الرجل يتأفف وينهض مقتربا منه،يقول مخاطباً إياه:
_قل لي ما بك ..هل ترفض صداقتي معك ..هل تكرهني لهذه الدرجة ..ألم تكن مصاحبا لي في كل نزهاتي ومشاويري ..كم من مرة صحبتكَ معي ...رفع إليه رأسه بتثاقل ملقياً عليه نظرة مليئة بعتب وحزن شديدين..حاول النهوض، بالكاد استطاع أن يقف على قدميه ، رمقه بنظرة وسار ميمما وجهه إلى الأمام متخذا سبيله نحو البيت ..تبعه يمشي خلفه حتى اقترب من البيت ودلف إلى مكمنه واقعي في مكانه ينظر بعينين جامدتين صوب الأـفق البعيد ..في اليوم التالي تلقى صاحبه تبليغا بضرورة الحضور إلى التاجر في المدينة الذي كان يورده محاصيله الزراعية في كل موسم ..حزم أمره وأدار محرك سيارته وانطلق يشق الشارع الترابي المحاذي للترعة التي تتصل بنهاية الشارع لتنعطف خلف التلال التي أشرقت شمس الصباح من خلفها ...بقيت العروس الجديدة في الدار نائمة ولم تخرج إلى فناء البيت إلاّ بعد العاشرة صباحا حيث انشغلت بغسل الملابس في طست نحاسي عند الحنفية المتكئة .. على جذع شجرة توت يابسة ..بين الفينة والأخرى تلقي نظرة عابرة على الكلب الرابض خشية أن يهم بمهاجمتها ..
لما أكملت نشر الملابس المبلولة على الحبل المربوط بين شجرة التوت والجدار الطيني المقابل ..انتبهت إلى صوت صفير يتسلل إلى مسامعها من خلف الشجرة التي تحاذي البوابة الرئيسة ..ابتسمت ابتسامة عريضة حالما رأته ..صاحت به :
_ما أدراك أني لوحدي يا شيطان ..أطلق ضحكة طويلة واقترب منها قائلا :
_لقد رأيته في المدينة صباح اليوم ..وجئتك على جناح السرعة ..ربما لن يعود إلاّ عند المغيب
_ماذا كنتَ تفعل في المدينة ؟
_تعالي إلى الداخل ..الكلب ينظر نحونا بحقد ...هل ترين عيناه يقدحان شررا ؟..ضحكا وغابت ضحكاتهما في الداخل ..بدا الغضب يتسلل إليه وهو يتنصت لضحكاتهما ..لبث خلف الباب منتظرا خروج الغريب من الغرفة .. فور خروجه باغته الكلب واثبا عليه ..أسرع الغريب راكضا وهو يتسلق الجدار الطيني بكل خفة ..خرجت هي عند عتبة الباب ـرمقته بعينين غاضبيتين وانحنت على أنبوب حديدي كان مركونا خلف باب غرفتها .. أمسكته بقبضتها وتقدمت منه وهي تهم بضربه على رأسه .. تراجع إلى الوراء وهو يلهث ..رفعت ذراعها والقضيب الحديدي يرتفع في الهواء ..ابتعد عنها وهو يهم بالدخول لكوخه الصغير ..تبعته لتضربه على رأسه وهي تدمدم بكلمات مبهمة ..الضربة وقعت على رتاج الباب فتناثرت قطع الطين اليابس ..لوى جذعه بحركة غريبة وهبَّ مندفعا صوبها مكشرا عن أنيابه ..أستطاع أن يسقطها أرضا ويثب فوقها وهو ينبح بصوت مبحوح متعب ..نهضت تجرجر قدمين متعبتين وثوبها ممزق من أسفله حد منطقة الظهر ..يعود إلى مكانه لاهثا وهو ينظر إليها وهي تبكي متلمسة جراحها في ساقها وذراعيها بألم .. عاد زوجها قبل المغيب ..لمّا علم بالأمر ..لم يفه بشيء.. أدار محرك سيارته وربط الكلب من يديه ورجليه وحمله بعيدا .. عند نقطة ما توقف بسيارته.. ألقى به هو مقيد في المكان الذي وجده فيه عندما كان صغيرا ..خلف التلال الهاجعة التي شهدتْ ولادته يوما ما