السبت، 15 أبريل 2017

السفر الجميل بقلم : الأديب يزيد زريق الأحمد

ثُمالات السفـر الجميل
تقول لي عصاي : فتش عن بقايا الجمر في جعبةٍ ..
عن ثُمالةٍ في الكأس .. عن دندنة أطلقها الوتر
في هذا السفر الجمل يسطر لنا الأديب العربي الكبير سليمان بن أحمد العيسى
أكثر من ثمالةٍ في حداء متناسق وأسلوب رحب جميل وهذا عائد إلى ثقافته
وتكوينه الثر والمكان الذي ينتمي إليه ذلك العربي الأصيل نهر العاصي مدينة
أنطاكية الجميلة من القطر السوري الحبيب .
ولد الشاعر سليمان العيسى عام 1921 م ، في قرية النعيرية حارة بساتين
العاصي الواقعة غربي مدينة أنطاكية التاريخية الجميلة ومن هنا نكتشف سر
تفرد الشاعر العربي بهذا الجمال الأخاذ والإحساس الرائع والكلمة التي تتفتق
بالحيوية والشاعرية ، خضرة الروح والمكان ونسيم البحر الأبيض أورثا تلك
الهمة شيء من الانطلاق نحو الفضاء الأرحب في الحياة والأمل والعطاء والكفاح
تلقي ثقافته الأولى على يد والده الشيخ أحمد العيسى في القرية ، وتحت شجرة
التوت التي تظل باحة الدار، وحفظ القرآن ، والمعلقات وديوان المتنبي وآلاف
الأبيات من الشعر العربي .
وبدأ كتابة الشعر في بواكير حياته وكتب ديوانه الأول في القرية وحمل هموم
القرية والفلاحين .
وفي مدينة أنطاكية دخل المدرسة الابتدائية وقد تم وضعه في الصف الرابع
وواصل دراسته في حماة واللاذقية ودمشق وذلك بعد أن غادر لواء الاسكندرون
وقد كافح الشاعر العربي ضد الانتداب الفرنسي على بلاده وتشرد من قريته
ودخل السجن أكثر من مرة بسبب قصائده ومواقفه القومية من المستعمر الفرنسي
وقد أتم تحصيله العلمي العالي في دار المعلمين ببغداد الرشيد والحضارة والعلم
وعاد من بغداد وعمل في حلب مدرساً للغة والأدب العربي إلى أن انتقل الى دمشق
والأستاذ الشاعر سليمان العيسى متزوج من الدكتورة ملك أبيض وله ثلاثة أولاد
معن ، وغيلان ،وبادية ، وعاش الشاعر جزءاً من حياته في اليمن السعيد وفيه
قال معظم أشعاره الجميله ، وكان رحيل الشاعر العربي العيسى من الدنيا الفانية
في دمشق من عام 2013 م .
وقد اتجه إلى كتابة أدب الطفل وشعر الأطفال كان ذلك بعد نكسة حزيران الأسود
وشارك مع زوجته الدكتورة ملك أبيض في ترجمة عدد من الآثار الأدبية ومن
أهمها آثار الكتاب الجزائريين الذين كتبوا أدبهم بالفرنسية ، وقصص ومسرحيات
من روائع الأدب العالمي للأطفال .
وعاش الزوجين في اليمن مهد الحضارة ، أجمل أيام حياتهم مع آثار سيف بن
ذي يزن وبلقيس وأروى ووضاح والزبيري ، وهناك جمع الشعر والأدب بين
العيسى والبردوني أشعر المتأخرين وأجودهم .  
وقد حصل على جائزة الوتس للشعر ، وجائزة الإبداع الشعري وهو أيضاً عضو
في مجمع اللغة العربية بدمشق ، وأحد مؤسسي " اتحاد الكتاب العرب " .
وسليمان العيسى صاحب انتاج تأليفي ثر أثرى به المكتبة العربية ، ومن أهم
أعمله عدد من الأعمال الشعرية منها الثمالات في ثلاثة أجزاء ورحلة كفاح وعلى
طريق العمر والكتابة بقاء وكتاب حنين وغيرها من الأعمال الجليلة .
وله أكثر من مجموعة دواوين شعرية بلغت واحد وعشرون ديواناً ، وأربعة عشر
ديوان للأطفال وقد ترجم بغضها إلى اللغات الانجليزية والفرنسية ، وللشاعر
خمسة مؤلفات نثرية وعدد من القصص المعربة .
وقد كتب عن الشاعر مجموعة من الكتاب العرب منهم الدكتور عبد العزيز
المقالح والدكتورة ملك أبيض وإيمان البقاعي ورسالة دكتوراه في جامعة نابولي
يقول عنه الشاعر اليمني الدكتور المقالح :
"وشعر سليمان العيسى شديد الالتصاق به وبمواقفه وبأمته ، وهو منذ بدأ يداعبه
عند مشارف الطفولة ليس غاية بل ارادة تعبير عن انحيازه الفني والفكري
والسياسي والاجتماعي إلى الإنسان بعامة والإنسان العربي بخاصة ، وهو الذي
يقاوم التشظي والتبعثر ، ويسعى إلى ايجاد حالة من الوئام والانسجام مع نفسه
ومع وطنه الكبير ، ومع عصره  ، إن شعر العيسى شعر للشعر، وشعر للحياة"
 وعلى هامش زيارته لمضارب علبة في بادية نجـــد وهضابها الجميلة نجده
يصهل صهيل الخيل وهو في خيمة في الصحراء فيقول :
أطلق صهيلك هذا الرمل والطلل  هذي جذورك فـــــي عينيك تشتعل
يا دار علبة إنـــي دمعة طفرت  ورحت في شهقة الصحراء أرتحل
طفولتي في يدي أذرو براءتها  على الطريق فعمري مورق خضل
وتوقظ الخيمة الزرقاء أغنيتي  فاللحن بيني وبين الدهـــــر متصل
"ودع هريرة " لا لا لن أودعها   ضـــج العناق صباح الأمس والقبل
تهدمت جدر الماضـــــي بغمغمةٍ     علـى الشفاه .. وجن المبسم الثمل
دعني على شرفات الرمل إن دمي   أعني بقايا دمــــــي بالرمل تغتسل
يـــــا دار علبة رديني إلـــى وتري   تقطعت بيننا يا حلوتــــي السبـــــل
في باب خيمتك الزرقاء متكئي   وليرحلـــــــوا إننا التأريـــخ والأزل
وهو يمد يده إلى البرق الجديد يرسل رسالة إلى الشاعر العربي الحجازي الطائفي
محمد الثبيتي رحمه الله إذ يقول :
وقالوا : ماؤهـــا وشـــــل    وكل رمـــالها طــــلل
وجف العشب جف الشعـر   مـــات الحب والغــزل
وقالــــوا : علبة انـــدثرت    وأهــــل هريرة ارتحلوا
ومنها : أمد يدي .. وقد تعبت وأرهقها نعيب الليل من حولي ..
أمد يدي .. إلى البرق الجديد .. وفي انتشاء الطفل .. أحتضن الوطن
يعود إذن .. هو الينبوع من أستار غيب الغيب يولد ، يبزغ الزمن
هي الصحراء يا أماه .. ما كذب الفؤاد
ولم تخني العين والأذن
وقالوا : ماؤها وشــل  وكل ديارهـــا طـــــلل
ولأن للشاعر العربي جذور في الرمال فلا ضير أن تراه ينثر ثمالاته عليها
للسنديان جــــــذورٌ فـــي قصيدته  وللسماء عبير فـي قوافيـه
وللعصافير لغـــــــوٌ كلمـــا شردت  حكاية منه يرويهـا وترويـه
يقول شيئاً هــــــو الدنيا بزهوتهـا         وتشعل الأفق الداجي أغانيه
ويرتـــــمي جسداً غاضت شرارته  دعه إذا يتفيأ غـــاب ماضيه
سقى العطاش زمانــاً فهو في ظمأ لحبة من رمـــال التيه تسقيه
دعه ثمالات عمــر كلما فــــــرغت  كأس ستترعهــا نزفاً مـآسيه
وحين نتحدث عن العيسى فإننا نتحدث عن سوريا وعن معرة النعمان فيقودنا ذلك
الحديث عن الخوض في ساحة الفضيلة والفلسفة وساحة صاحبها أبي العلاء
المعري فيلسوف الأدب وشاعر الفلاسفة العرب وعلى ضوء المعري يقول :
يحدثنا عن الضوء المعري  فيا نجماً يشــــع بلا أفــول
يحدثنا ويمضي ألف عـــام  ويبقى ما يقــول بلا مثيــل
رمى الأوهام واستهدى رُؤاه  فكاد يمس سقف المستحيل
وكنت حفظته طفـــــلاً غريراً  فروضني على الفكر النبيل
ولم أرفض مـــن الأستاذ إلا  قساوته على النصف الجميل
إلى أن يقول :
له بيتان مـــا برحــا برأسـي  أحبهمــــــا لظلهما الظـــليل
 "أرى جيل التصوف شر جيل  فقـــل لهم وأهـــون بالحلول
أقال الله حــــــين عبدتمــــوه  كلوا أكل البهائم وارقصوا لي "
" من ذا الذي لا يعشق الحسن والقمر   ومن الذي لا يعشق النور إن ظهر
ومن الذي لا يعشق الشعر والشجر       ومن الذي لا يعشق الدر والـدرر"
لبنان ساحة الجمال والحضارة منذ حل بعل ببعلبك ، لذا قال العيسى عنها
يا بنت فاتحة الزمان ، منادى قريب بعيد قريب بيروت الحب والضياء
بدمٍ تحدر مــن جبينك أكــتب  ويعوم شرق في الضياء ومغرب
يا بنت فاتحة الزمان وسـره  والدهر بين يديك طفـــــــل يلعب
أبداً شراعك في الغيوب مسافر  في كل أفق مــــــــن سناه كوكب
روما تشيلك درة فـــــي تاجها  والنور دفق من يمينـــك يسكـــب
والملهمون بنوك ما زالوا هنا  جيل فجيـــل للحضــارة يوهـــــب
ونحط في حرم الجمال ركابنـا  ما ضاق بالعشاق حـولك ملعــــب
نأتيك نسبح في مداك قصائــدا  ومداك مفتوح وصدرك أرحـــــب
بيروت يا وله الحناجر عذبـة  و لأنت أحلى مـــا يقال وأعـــذب
نأتيك وشوشة على شط الهوى  ويجن في الوتر النشيد و يعــزب
نأتي وأحلام الطفولة زادنــــا   والحب عريان الجـــراح مخضب
نُلقي على لهثات موجك عمرنا  فإذا الدمــار علــى يديك محـــبب
يا كرمة الدنيا ويشتبك الجنى  فيها فتعصر ما تشاء وتشـــــرب
والشاعر العربي منشد مجود والشعر العربي نشيد أخاذ وموسيقى داخلية عذبة
الروح في تناسق عجيب ولذا أنزل الله من كلامه ما أعجز العرب الفصحاء على
لسان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وهو القرآن الكريم ، ومن هنا تجد الإنسان العربي شاعر
بالفطرة والسليقة ، ويلقى علينا العيسى معزوفة لوادي عبقر فريدة من نوعها
وادي العرائش يا بن عبقر مرحبا  أيقظ على وتري معلقة الصبا
أيقظ على شفتي رجـــع طفولتــي  جمر سأشعلــه على جمر خبا
أيقظ زوابع في دمي ولدت هنــــا  كأساً تعبد رماد عمري معشبا
وقصيدة بدأت هنا في سكـــــــرة  لا تنتهي وائذن أتيت لأشربــا
 """"" ****** """""
كانت معي على جناحي ضحكة كنا هنا      
يا سقسقات النهر لا تتعجلي يا ميجنا
يا ليل يا قمــراً على صنين يبدع ليلنا
موال زحلة في ضلوع الأرض ممتـــد .. يلون عمرنا
في كل شارقة وغاربة يجدد عمـــرنا
هي في يدي والشعــر أهصرها شعاعاً لينا
هي في يدي ..
وكروم زحلة كلها أرجوحة جذلى لنا
والمستحيل على أصابعنا ..
ونترك خلف نشوتنا الدنى
ياليل يا قمراً على سمر الذرى هذا أنا
يا جارة الوادي سقيت طفولتي  فاخضر لحن في فمـــي وأعذبا
أأعود للذكــرى وملء جوانحي  نيرانها ويطيب لـــــي أن ألهبـا
كنا إذا عصفت بنا أحـــــــزاننا  لذنـــا ببيت منك هـــــز وأطـربا
فإذا التعاسة كلها في قريتـــي  نعمى تجمع فــــي العيون لتنهبا
وأغدقت أمطار السماء بحارتي  من دون أن تدري رويت المجدبا
كم كنت لي وأنا ابن تسع مسرحا  أعدو به بين النجــــوم وملعبـــا
تنساب حنجرة السماء بأفقنا  فأحس بالدنيا أحـــب و أرحبا
كم كنت إني ملجـــم قيثارتي  أخشى بساحة عبقر أن أسهبا
آتٍ على فرس الضياء مجنحا لبنان إن فرس الضياء به كبا
الوداع دائما ما يكون مؤثراً في نفس الإنسان فما بالنا لو كان ذلك الراحل شاعر
وكان المودع شاعر هنا يخيم الحزن وتبكي القصيدة ويتألم القلب لذا قال العيسى
عند رحيل شاعر الألق نزار قباني :
قالت الأزهار يوماً : مات شاعر
وحنت أوراقها حزنا عليه
تنتمي الأزهار والعطر إلى الشعر ، إليه
ينتمي الروض وأسراب العصافير إليه
ينتمي ماء الجداول ..
تكبر الأعشاب إذ تصغي إليه والسنابل
ومن اليمن يسير على خطى الأزد يتبع سيرهم فإذا العيسى يقف هناك تحت دوحة
عظيمة من شجر اللبان ويلتفت وإذا بعمان أمامه كالجبال التي تحتويها شموخ
وكبرياء وإنسان ، وهاله المنظر الجميل بحر ساحر هدار وجبال تتحدث عنها
القمم وطبيعة خلابة المروج وصحراء تمد يدها لتقول أنا سر من الأسرار
وتخب به رواحله ليهبط في نزوى فيبادلها الحديث والشعر
أجر إليك العمر وهـــــــــو هشيـم  عتيق هوانا يا عمــــانُ قديمُ
وتسأل نزوى وهي ترثي حرائقي  بأي بساتين الرمـــــــاد تقيمُ
بأي الزوايا من رمــــادك تحتمـي  وأي بريق والسمــاء رجـومُ
وأحفر ظلي في شراع ابن ماجــد  شراع على الرمل اليتيم يتيمُ
وأهدي إلى نزوى حشاشة قبلتـي وأقسم فيها مــــا أزال أهيـــمُ
أنا اللحن مذبوحا علــى كل نبرة  وعودي بكفي والجحيم جحيمُ
وأعرف ليلى في العـــراق قتيلة  وقيس بفك الذاريات رميــــــمُ
أنا العطش الدامي يقول قصيدة  تعوم بحلم رائــــع وأعــــــوامُ
أنا المجرات التي مات ضوءها  وملء يدي منها سنـــاً ونجومُ
وأحمل من صنعاء أسطع ذروة  رهان على التأريـخ ليس يريمُ
وترقص في أبيات شعري مسقط  وتضحك فجر في الرياض كليمُ
إلى أن يقول وهو يحترق ويحترق شكوا وجوى وألـم في مهرجان مسقط الجميل
وقد تألق وأبدع في هذه القبلة العمانية
لعينيك يا أرضي ويــا كل طفلـة  وطفل على حلمي القتيل يحومُ
تعبنا من الرمضاء جاءت جهنم  لنجدتنا رب البـــــلاء كريــــــمُ
وسليمان العيسى ليس شاعراً فقط بل هو إنسان مناضل وبطل من أبطال لواء
إسكندرون ودخل السجن وخرج واعتلى المنبر وصال وجال ونافح عن الأمة
سأ
مضي كما شاءت لشاعرها النوى  و أحيا كما يحيا على الرملة القطر
وأهزج يا صحراء حتـــى تحركــــي  وحتى تهز الليل أنشـــودتي البكــر
تحدي بنا طرف الــــــردى إن أمـــة  تنام على ضيـــم أحـــــقُ بها القبر
والشاعر العيسى يمجد العروبة ويقول عنها العروبة نسيج حضاري هائل وضارب
في أغوار التأريخ لذا تجده يتغنى بهذا ويطرب له
وأبعد نحن مــــن عبس  ومضر نعــــم أبعـــد
حمورابي وهاني بعـــل بعض عطائنا الأخلد
لنا بلقيس والأهـــــرام والبردي والمعبـــــد
ومن زيتوننا عيســــى ومن صحرائنا أحمد
ومنا النــاس يعرفهــا الجميع تعلموا أبجـد
وكنا دائمــاً نعطـــــي  وكنا دائمـــا نُجحـــد
وفي الوداع يقول سليمان العيسى : ما أصعب أن يكون الإنسان شاعراً
وما أروع أن يكون .. قطرة من ثمالات الحلم والسفر الجميل.
بقلم الأديب / يزيد بن رزيق *
التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات :

ترك الرد

close
Banner iklan disini