الجمعة، 9 يونيو 2017

قٙدٙر ..بقلم رهيف السريحيني

قَدَر

بين الأمل و الألم كنتِ أنتِ ..

شيء في هذا الكون لا يشبهك ، أنا الذي يتلاعب بالظروف ، و يطوّع الأزمنة و الأمكنة لإرادته ، لم أعلم أن القدر سيتلاعب بي و يسلبني إرداتي و يضعني في حين غفلة على حدود حَدَثٍ مدهش ، منعطف مفاجئ ، التفّت حياتي نحوه ک نبتة إيلوديا ، و تمايلت مع أمواجه بانسيابية مُطْلَقة .
كنت أعرفك قبل التعرف إليكِ ، و أحتاجك قبل العثور عليكِ ، و أشتاقك قبل اللقاء بكِ .
ذات يوم على حافة الحزن السقيم ، في منتصف ليل بهيم .. الذي لم أُبصر له صبحاً منذ حِداد زمن ، ظهرتِ كـ شمس دافئة أشرقت على كهفي المظلم البارد ،
و نور سرى من بين قضبان سجن نفسي ، تلك الزنزانة الانفرادية التي كنت أقبع فيها مكبلاً بهموم فكري ، مقيّداً بأحزان قلبي ، غارقاً بشجون روحي .
كانوا أطيافاً يمرون بي .. لكنني لم أنتظر زائراً سواكِ ، كنتِ الحقيقة التي لطالما انتظرت مرورها طويلاً .
كانت كلماتهم تطرق آذاني لكن سرعان ما يغيب عني صداها و تنقطع أصواتهم
كمن وقع في وادٍ سحيق ، يأتون لمؤاساتي فما يزيدونني غير وحشة حين لا أجدكِ
بينهم و أنا أتفقد جموعهم ، و أبحث عن ملامحك في وجوههم .
 كل ليلة كنت أبيع راحتي التي ما ذقتها بحفنة غفوة ، أتناولها على أعتاب السهر خشية أن تحضري ولا أشعر بكِ ، و أترك نوافذ روحي مشرَّعة لعل عطرك يتسلل منها إليّ و يسبقك ، و أُبقي جوارحي متيقظة كي أسمع وقع أقدامك على دقات خافقي ،
و أحسّ بأنفاسك نسائماً تتغلغل بي ، لكنني أَوصدت قلبي .. فأنا أعلم أن لا امرأة تملك مفاتحه إلاكِ .
أنا مَنْ احترف الحياة .. كل خطوة محسوبة ، و كل كلمة مدروسة ، لم تساعدني حساباتي ، و لم تسعفني خبرتي دون مواجهة قدري معكِ .
أقبلتِ .. لم أرغب حينها سوى أن أضع رأسي على صدرك و أبكي دون أن يكون لديّ أدنى فكرة لماذا أفعل هذا ؟!!
كنتُ على يقين أنكِ ستقرأين دمعي و تسمعين ما لم أستطع البوح به و تشعرين بمالم و لن أتمكن من تفسيره .
حين أتيتِ .. بدأت تلك القيود الرابضة زمناً تتحرر شيئاً فشيئاً ، و تدبُّ الروح
في جوارحي المعطوبة من جديد لتتحرك رويداً رويداً ، مددتِ يدكِ كطوق
نجاة انتشلني من ذاك القاع المزدحم بأحزاني و أوهامي ، و أنقذني من ازدياد
الغرق في ذاكرتي المؤلمة .
ذاك الصمت الباذخ لم تتلعثم حروفه سوى أمام هيبة حضورك ،
كنتِ الفتيل الذي أشعل الحرائق في صقيع المشاعر .
يا كُلَّ كُلِّي .. ملكة النساء أنتِ
طلعتِ بدراً في وسط السماء يكاد سنا نوره يذهب بالأبصار ، فراشة تحمل على جناحيها الربيع إلى شتائي الطويل ، قوس قزح يلوِّن وحدتي القاتمة بأجمل الألوان ، زهرة تفوح بالحب في حديقة حياتي الباهتة ، نبع ينضح بالحنان في سهول أيامي المقفرة ، ندىً ينساب عذوبة على زمني المرير ، عصفورة تتراقص مرحاً على أغصاني الكئيبة ، شعلة تتقد حيوية ، امرأة تضجّ أنوثة ،
جنة تعبق بالعطر ..
لم أعلم حجم البؤس الذي كنت أنغمس فيه ، و هول الغربة التي كنت أتيه
في دهاليزها ، إلا حين وضعكِ القدر في طريقي وواجهني بكِ .
كيف أمكن لهذا الكون بكل ما فيه التواطؤ لصالحك ؟؟!!
علمتُ عندئذ أنّ حباً عظيماً سيولد ، و حكايةً مجنونةً ستُكتب لم يكن القدر فيها طرفاً ثالثاً .. كان طرفها الأول منذ البداية .

رهيف السريحيني

التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات :

ترك الرد

close
Banner iklan disini