منذ أيام وأنا
أترقب هذه الجلسة المخصصة لمساءلة الوزير والوقوف على حقيقة الاتهامات الموجهة ضده,
افتتحت الجلسة بتلاوة من القرآن الكريم, ثم بعدها دخل الوزير وشلّته إلى القاعة.
كم تمنيت أن تكون هذه المرة الأخيرة التي يظهر فيها بكامل قيافته! تخيلته بدشداشة وسخة وشعر أشعث خلف القضبان, أية لحظة رائعة سيعيشها عشرات الآلاف أمثالي ! أولئك الذين لم يتسلموا رواتبهم لأشهر ثلاثة بسببه.
كم تمنيت أن تكون هذه المرة الأخيرة التي يظهر فيها بكامل قيافته! تخيلته بدشداشة وسخة وشعر أشعث خلف القضبان, أية لحظة رائعة سيعيشها عشرات الآلاف أمثالي ! أولئك الذين لم يتسلموا رواتبهم لأشهر ثلاثة بسببه.
مع أول سؤال طرحه النائب المستجوِب, تناهى إلى سمعي صياح من الخارج,
وقبل أن يؤذن للوزير بالإجابة, كان الصياح قد ازداد في المحلة وكثر معه اللغط, فتركت
التلفاز وخرجت مسرعا, فإذا بدكان الجار سعيد قد تعرض للسرقة.
كان رجال المحلة
وشبابه عن بكرة أبيهم يقفون أمام الدكان المسروق يعتمل في صدورهم الغضب, يستمعون
لشهادة صبي يقول بأنه رأى رجلا ملثّما يركض باتجاه الشارع العام, فتتداخل امرأة
وتقول بأنها كانت تنشر الملابس فوق السطح, فرأت عامل نظافة يدخل راكضا إلى المحلة
المجاورة، فيما ثالث يقول بأن بائع البوظة المتجول هو السارق, والرابع جاء راكضا
وأفاد بأنه طارد اللص ولكنه تسور جدار المدرسة العالي وهو الآن بداخلها على الأرجح,
جعلت أسأل نفسي كيف لأهل المحلة من هذه الشهادات المتناقضة أن يعرفوا السارق
الحقيقي؟!
بدا أهل المحلة
كأنهم يد واحدة وهم يتحمسون للانتصار لصاحب الدكان, لم أتفاعل معهم إذ أنني سكنت
المحلة قبل أسابيع فقط, تركت البيت القديم الذي كنت أستأجره, تركته منذ توقّف
الراتب, وانتقلت إلى هذه المحلة لأسكن بيتا بغرفتين فقط.
رجعت إلى البيت
وجلست أمام التلفاز لأتابع جلسة الاستجواب, فاتني الكثير منها وأوشكتْ على الانتهاء,
رأيت الوزير مبتسما, مزهوا على ما يبدو ببراءة أثبتها بحقيبة مملوءة بالوثائق, اقتنع
النواب حسب ما بدا لي من وجوههم بأجوبته, واقتنع الرئيس أيضا, حتى أنا اقتنعت, إذ
كسرتْ الجماهير باب بيتي ودخلوا بهتافات تندد بي أنا الدخيل, اقتنعت بأن ولدي الذي
يحمل كيس (أندومي), ويشدّه أحدهم من أذنه وآخر يشده من شعره وثالث من ياقته, اقتنعت
بأنه هو السارق الحقيقي.