مفكرة صغيرة
أصغر مفتاح امتلكته في حياتي كان مفتاح مذكرة صغيرة زرقاء جاءتني هدية من صديقة ألمانية التقيتها ذات طفولة في مسبح جميل.
كان المفتاح أصغر من نصف خنصري الصغير و كنت أبذل جهدا في إخفائه عن عيون إخوتي وأمي.
كنت أعود ليلا إلى ذلك الدفتر لأكتب فيه حماقاتي و حماقات أختي الكبرى و الصغرى معي.. أكتب عن المعلم الذي ضربني بعصا الطبل فأزعج مسام الكف بعزفه العنيف، وعن معلمة الفرنسية التي كانت تفوح منها رائحة البخور العتيق كل جمعة، عن
عبد المجيد زميلي في قسم الرابعة ابتدائي الذي وعدني بأن يجلب لي كيلو من حلوى العيد التي تصنعها أمه، عبد المجيد الذي كان من المتوقع أن يكون حبيبي لولا يد الموت التي اقتلعته من فك الحياة، دهسته سيارة وهو يقود دراجته النارية، ربما كان يومها بصدد إيصال طلبية الحلوى الى إحدى الزبونات؛ فابتلعته أفعى الطريق مع حلواه.
كتبت عن الحذاء الأحمر الجميل الذي أخفته أمي في خزانتها كي لا أصل إليه، قالت بأنها ستحتفظ به، لي، لعيد الفطر القادم
كي ألبسه و أكون أجمل البنات. لم أستطع أن أنتظر طويلا كي أرتديه، خفت أن تنمو قدماي، وتلبسه أختي الصغرى؛ فتضيع مني فرصة التبختر به.
غافلت أمي يومها وهي أمام قصعة الصابون تغسل ثيابنا الثقيلة، دخلت غرفة نومها فتحت خزانتها، ودسست الحذاء في محفظتي، وخرجت.
استأذنتها الخروج للمدرسة بأدب طفلة مطيعة، وفي منتصف الطريق تحت زيتونة كبيرة غيرت حذائي بالأحمر الجديد، وسرت كطاووس لا يعير الأعياد لونا، غير لونه.
كم كان صغيرا ذلك الحذاء و كم كان أنيقا!
تخيلت أن العالم كله تغافل عن مهامه و اهتم بخطواتي المسروقة من خزانة أمي.
حصدت إعجابا كثيرا يومها من عيون بنات القسم و أنا أدخل الساحة بأحمر جديد... كمن يدخل اليوم بقلب من جنة... ينبض نبضته الأولى بوعي، لا بهذيان جنين.
بعد الحصة، وتحت الزيتونة ذاتها لبست القديم و أعدت الأحمر الصغير الى محفظتي.
يمكن للعيد أن يتأخر إن شاء، ويمكنه ألا يأتي أيضا، ما عدت أحتاج عيدا لارتداء حذاء جديد، صنعت عيدي بنفسي، واستبقت الأفراح بخطوات سرية، يحرسها مفتاحي الصغير.
كان أصغر مفتاح حملته في حياتي، يخفي أسراري بقبضة من حديد مصقول، لم يصل احد الى تلك الاسرار الصغيرة لان ثقتي في المفتاح كانت أشد من الكبر.
اليوم، بعد عمر أحمر، أعود إلى تلك المفكرة الزرقاء الصغيرة، أفتحها، يشققني ثقل حاملة مفاتيحي وهي بيدي.
كل هذا الحديد، ولا سر واحد ينتظر خطواتي.
أصغر مفتاح امتلكته في حياتي كان مفتاح مذكرة صغيرة زرقاء جاءتني هدية من صديقة ألمانية التقيتها ذات طفولة في مسبح جميل.
كان المفتاح أصغر من نصف خنصري الصغير و كنت أبذل جهدا في إخفائه عن عيون إخوتي وأمي.
كنت أعود ليلا إلى ذلك الدفتر لأكتب فيه حماقاتي و حماقات أختي الكبرى و الصغرى معي.. أكتب عن المعلم الذي ضربني بعصا الطبل فأزعج مسام الكف بعزفه العنيف، وعن معلمة الفرنسية التي كانت تفوح منها رائحة البخور العتيق كل جمعة، عن
عبد المجيد زميلي في قسم الرابعة ابتدائي الذي وعدني بأن يجلب لي كيلو من حلوى العيد التي تصنعها أمه، عبد المجيد الذي كان من المتوقع أن يكون حبيبي لولا يد الموت التي اقتلعته من فك الحياة، دهسته سيارة وهو يقود دراجته النارية، ربما كان يومها بصدد إيصال طلبية الحلوى الى إحدى الزبونات؛ فابتلعته أفعى الطريق مع حلواه.
كتبت عن الحذاء الأحمر الجميل الذي أخفته أمي في خزانتها كي لا أصل إليه، قالت بأنها ستحتفظ به، لي، لعيد الفطر القادم
كي ألبسه و أكون أجمل البنات. لم أستطع أن أنتظر طويلا كي أرتديه، خفت أن تنمو قدماي، وتلبسه أختي الصغرى؛ فتضيع مني فرصة التبختر به.
غافلت أمي يومها وهي أمام قصعة الصابون تغسل ثيابنا الثقيلة، دخلت غرفة نومها فتحت خزانتها، ودسست الحذاء في محفظتي، وخرجت.
استأذنتها الخروج للمدرسة بأدب طفلة مطيعة، وفي منتصف الطريق تحت زيتونة كبيرة غيرت حذائي بالأحمر الجديد، وسرت كطاووس لا يعير الأعياد لونا، غير لونه.
كم كان صغيرا ذلك الحذاء و كم كان أنيقا!
تخيلت أن العالم كله تغافل عن مهامه و اهتم بخطواتي المسروقة من خزانة أمي.
حصدت إعجابا كثيرا يومها من عيون بنات القسم و أنا أدخل الساحة بأحمر جديد... كمن يدخل اليوم بقلب من جنة... ينبض نبضته الأولى بوعي، لا بهذيان جنين.
بعد الحصة، وتحت الزيتونة ذاتها لبست القديم و أعدت الأحمر الصغير الى محفظتي.
يمكن للعيد أن يتأخر إن شاء، ويمكنه ألا يأتي أيضا، ما عدت أحتاج عيدا لارتداء حذاء جديد، صنعت عيدي بنفسي، واستبقت الأفراح بخطوات سرية، يحرسها مفتاحي الصغير.
كان أصغر مفتاح حملته في حياتي، يخفي أسراري بقبضة من حديد مصقول، لم يصل احد الى تلك الاسرار الصغيرة لان ثقتي في المفتاح كانت أشد من الكبر.
اليوم، بعد عمر أحمر، أعود إلى تلك المفكرة الزرقاء الصغيرة، أفتحها، يشققني ثقل حاملة مفاتيحي وهي بيدي.
كل هذا الحديد، ولا سر واحد ينتظر خطواتي.