الثلاثاء، 3 أكتوبر 2017

مجرد حلم - بقلم/ إدريس البيض



نشيطا قمت من سريري، مازال الوقت باكرا، لكنني أغالب بقايا نوم يداعب عيناي. على وقع زقزقات الطيور المغردة فتحت نافذتي لأستنشق نسيم الصباح العليل، و أمتع نظري بمشهد شروق الشمس البهية كملكة جميلة تطل على شعبها من شرفة القصر. تناولت فطوري على مهل، تفقدت محفظتي، كل وثائقي هناك. نزلت السلم بهدوء و سكينة، لا يكسرها غير تبادل التحايا مع جيراني اللطفاء.
وقفت في المحطة، كل من كانوا هناك أنيقون جدا، ثيابهم مرتبة و جديدة، تعلو وجوههم ابتسامات مشرقة. أحسست بالعطش قليلا، فاتجهت صوب المقشدة المجاورة، العم عزيز كما عهدته دوما، رد تحيتي، جلب لي كأس ماء بارد، و قبل أن أقوم وضع أمامي كأسا من عصير اللوز.
- ما هذا ؟
- هو لك.
رجل من عالم المثل، مواطن قادم من المدينة الفاضلة. لم أكد أتم شربه حتى رأيت الحافلة مستقرة في المحطة، أشرت إلى السائق أن يتمهل قليلا.
- لا بأس، خذ وقتك.
هكذا أجابني قبل أن أغادر المقشدة شاكرا للعم عزيز صنيعه الطيب معي.
الحافلة شبه فارغة، يداعبني النوم من جديد، لكن هاتفي يرن، إنه المدير..
- صباح الخير، كنت مارا بالقرب من منزلك فأحببت أن أوصلك معي، هل أنت جاهز...
- شكرا جزيلا لك أستاذ، أنا الآن في الحافلة...
- حسنا، يوما طيبا.
 من النافذة أجول بنظري في شوارع المدينة و هي تخرج كسلى من تحت عباءة الليل المظلم، أقاوم النعاس لكنني أجدني أستسلم له شيئا فشيئا، إلى أن غفوت.
حين استيقظت كنت لا أزال في سريري الخشن، نظرت إلى الساعة فإذا الوقت متأخر جدا. فتحت نافذتي المتكسر زجاجها على الشارع الذي يعج بالباعة المتجولين و المارة، و المتسولين أيضا. خرجت دون أن أتناول فطوري، نسيت حتى أن أمشط شعري، نزلت السلم جاريا تلاحقني نظرات الجيران المستنكرة مع بعض كلماتهم النابية. وقفت في المحطة لوقت طويل دون أن يظهر أثر للحافلة، نظرت يمينا و يسارا فلم أجد غير وجوه كالحة، هذه تلوك علكة رخيصة، و ذاك يحك فروة رأسه، و آخر نسي أن ينزع سبابته من أنفه... شعرت بعطش شديد فاتجهت نحو المقشدة المجاورة، ألقيت التحية لكنه لم يرد، قصفني فقط بنظرة حادة، و لسان حاله يقول" أأنت مرة أخرى ؟؟ ".
- كأس ماء من فضلك.
- لا يوجد، الماء مقطوع و الثلاجة معطلة، هل من شيء آخر ؟
- لا لا شكرا.
قبل أن أستدير خارجا وجدت الحافلة مستقرة في المحطة، لم تكن تفصلني عنها غير بضعة أمتار، لكنها انطلقت بسرعة قبل أن أصل، حاولت جهدي اللحاق بها دون فائدة. عدت أتصبب عرقا و أنا أسب و ألعن، حينها رن هاتفي، إنه المدير...
- صباح الخير.
- أي خير، أين أنت ؟ كل يوم تصل متأخرا !!!
- أنا آسف، لن أكررها بعد اليوم، أنت تعلم حال المواصلات...
- سئمت من سماع هذا، أنت مطرود...
لم أجد ما أقوله له، ارتبكت كثيرا فسقط الهاتف من يدي، أحدهم كان له بالمرصاد، التقطه و لاذ هاربا. لم أجد الطاقة الكافية، و لا حتى الرغبة الدافعة لملاحقته، فقط جثوت على الأرض، أغمضت عيناي و صرخت.
حين فتحتهما من جديد كنت في مقعدي الوثير بالحافلة، الركاب الأنيقون على قلتهم كانوا مستغربين من صراخي. بادرني أحدهم بالقول " أظنه كان حلما مزعجا ؟ "
أومأت له برأسي إيجابا، قبل أن أعدل جلستي استعدادا للنزول.
التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات :

ترك الرد

close
Banner iklan disini