يطالع صحيفته المسائية، تشرد نظراته
عن الأخبار والصور، تتقافز فوق وجوه أسرته و على أثاث بيته، يراقب من خلف عدسات
نظارته، كمتفرج في قاعة سينما، يعيد بَكرة فيلم حياته، هي نفس غرفة المعيشة منذ
ثلاثة عشر سنة، تتجه نظراته إلى الجهاز الضخم في صدر الصالة، إرث العائلة، بنصف
حجم الثلاجة، ألوانه باهته، يصيح ارحموني، يرتفع الصوت تارة يملأ البيت صراخا،
يخفت تارة أخرى بالكاد تسمعه، يتابع دوران البكرة ، عيناه تتسلقان جدران بيته
المتواضع المهملة ، أطر الصور لا تتغير، إلا أثناء التنظيف للعيد، تزال عنها
الأغبرة وهي في أماكنها، كأنها ملتصقة بها، تسقط نظراته على أثاث بيته ، هو نفسه
مُذ وُضع فيه، إلا ما زاد عليه من قطع أعجبته واسترخصها عند بائع العّتق،
الأولاد... متشابهون، يجلس الثلاثة بملابسبهم الداخلية، يتناقر بعضهم مع بعض، أما الزوجة -آه.. لحظة- وحدها قصة تحتاج وقفة، هي نفسها من عشر سنوات، مع زيادة تكدسات بطنية وخلفية وجانبية، ترتدي جلبابا ذو ألوانا شاذة متنافرة متداخلة، يستخدم للبيت، للنوم، لزيارة الجيران و البقال، تخلعه لتغسله وتعيد ارتداءه قبل أن يجف، أظن، ولكنه أوفر حظا من منديل رأس أكاد أجزم أنها تنسى أن تخلعه، فهي تدخل للاستحمام وتخرج به، وظيفته الأبدية هي بسط الهيمنة على كل شعرة من شعرها المصفف بغير تهذيب.
الأولاد... متشابهون، يجلس الثلاثة بملابسبهم الداخلية، يتناقر بعضهم مع بعض، أما الزوجة -آه.. لحظة- وحدها قصة تحتاج وقفة، هي نفسها من عشر سنوات، مع زيادة تكدسات بطنية وخلفية وجانبية، ترتدي جلبابا ذو ألوانا شاذة متنافرة متداخلة، يستخدم للبيت، للنوم، لزيارة الجيران و البقال، تخلعه لتغسله وتعيد ارتداءه قبل أن يجف، أظن، ولكنه أوفر حظا من منديل رأس أكاد أجزم أنها تنسى أن تخلعه، فهي تدخل للاستحمام وتخرج به، وظيفته الأبدية هي بسط الهيمنة على كل شعرة من شعرها المصفف بغير تهذيب.
أما
أنا ، فاهتم بنفسي وبشياكتي، تمتد يدي كل صباح لتوقف المنبه قبل أن ينطلق، أتأنق
في اختيار ربطة عنقي ،أتأنق ليست المفردة المناسبة فكل ما أملكه ثلاث ربطات، واحدة
للمناسبات الرسمية واثنتان للاستعمال اليومي، لكن اغسلهن وأكويهن، ومعهن القميص،
ألمع حذائي بترف، الابتسامة تغزوني منذ لحظة خروجي من البيت وتتحرر مني ساعة إيابي
إليه، يبسم ثغري ويتراقص الفرح والأمل في عيني، يحترمني الجميع ولا يتأخرون عن إلقاء
تحية الصباح عليّ، صباح الخير يا جار ، صباح الخير يا بيك ، صباح الخير يا أستاذ ، أما أجمل الصباحات
فهي التي تصلني معطرة من زميلات العمل، إنهن نوع آخر من النسوة، يشبهن اللائي يظهرن على
القنوات الفضائية، ابتهج بمرآهن والتحدث إليهن، ولكن "شوف العين.... ملك
الغير".
اليوم
طرأت لي فكرة مجنونة، لكنها عادلة ومنصفة جداً، سأتزوج بثانية، من نوع فتيات الفضائيات،
لتكون لي حياة... وأي حياة، سأفعل، لن أدفن نفسي بين ألوان الجلباب الشاذة المتنافرة
المتداخلة، سأجمع وأوفر المال اللازم لهذا في السر.
وقف
القدر كمارد بالمرصاد أمام مخططه، مرضت زوجته فجأة، أدخلت المستشفى، احتاجت جراحة
كلفته كل ما ادخره، دفع بضيم.. أخر خطته لكن لم يلغِها..عاد للتوفير من جديد، بعد
آي، قارب المبلغ المنشود على الاكتمال، بات حلمه يداعب بنانه، لكن المارد عاد فجأة
من الغيب، ظهرت مضاعفات المرض على زوجته ثانية، احتاجت عملية أخرى، أعادته لنقطة
الصفر .
مضى
العُمرٌ به يراقب وقتا تعده وريقات الرزنامة الممزقة، الفكرة تصر أكثر، وتستعجل الأمر
، أقتر واقترض وادّخر، عد القروش كما الأيام، يبدو ان الأمور تسير وفق ما خطط له
لم تمرض زوجته ولا شيء استدعى صرفا.. بدأ البحث عن العروس، صبغ الشعر والشارب،
اهتم بالهندام، وأطال الوقوف أمام المرآة، وصار يلبي دعوات الأصدقاء أكثر
والاختلاط ، عيناه في بحث دائم، قلبه في خفقان مستمر، أصبح أكثر بشاشة وحبا للحياة
أكثر من ذي قبل، بشاشته تلك كأنها معدية ، انتقلت لزوجته ولأولاده، عم الفرح
والضحك البيت ، رغبته ما زالت ثاوية في أعماقه، ليس من السهل إيجاد عروس صغيرة
وجميلة تقبل برجل متوسط الدخل أكبر منها متزوج وبأولاد ، لكنه استحسن حالته
الجديدة وأعجبته، فرغم سنه، أظهر شباب روحه، ورغم ضيق ذات اليد، أكتسب أناقة
وشياكة، تميز بدفء الحديث ولباقته، انطلق لسانه بالنكات المهذبة، كثر محبوه، أحاطوا
به، انتقلت اللقاءات لتجمع العوائل ، اختفت رغبته في امتلاء فراغه.
في
إحدى الحفلات، اقتربت منه فتاة تشبه مذيعات الفضائيات، ذات شعر أحمر يسقط كشلال
على ظهرها، حمرة الخجل ورجفته سيطرتا على وجنتيها ويديها، همست : " أنا جدا
معجبة بك، فيك الكثير من صفات فارس أحلامي " قاطعها مربتا على كتفها: "شكرا
يا ابنتي"، غصت الفتاة، تعثرت بخجلها ومضت.. في مرآة الصالة يتمعن في وجه
يقابله يفتل شاربه وعلى شفتيه ابتسامة رضا.