» » في علم العروض والقافية(البحث الأول) بقلم الأديب خالد خبازة

في علم العروض و القافية

البحث الآول

في عيوب القافية و الوزن الشعري

تعرض علم العروض للكثير من البحث و الدراسة , و قام الكثير من كبار شعرائنا و دارسينا ، بالتعرض لموضوع الأوزان الشعرية و بحور الفراهيدي الخمسة عشر و التي زاد عليها الشاعر العربي " الأخفش " البحر السادس عشر  . . ولم يتركوا  فيها أي زيادة لمستزيد . الا أن قليلا منهم من بحث أو تحدث في علم " القافية " و الحروف التي تتألف منها , أو تحدث عن عيوبها التي كثيرا ما يقع فيها عدد من الشعراء , خاصة منهم المستجد في النظم .

ونظرا لما لعلم القافية من أثر في بناء القصيدة و سلامتها وما لها من أثر في الشعر العربي بشكل عام . فقد ارتأيت أن أدلي بدلوي في هذا الموضوع باحثا في أحرف القافية و العيوب التي تطرأ عليها و التي يجب على الشاعر تجنبها .. أخذا بأيدي الشعراء الجدد الذين يحاولون كتابة الشعر العمودي ..ليكونوا على بينة من أمرهم واطلاع بيّن , فيتجنبوا الوقوع في أي خطأ من أخطائها . و سأقوم بتقديم مجموعة من المقالات و البحوث حول موضوع القافية و عيوبها  بشكل دوري ، ما سمح الوقت و الجهد ..
 و الله ولي التوفيق .

علم العروض و القافية

علم يتعلق بالوزن الشعري ، و بالشروط  التي يتوجب  على الشاعر التزامها في نظم القصائد ،  ونظرا لما يقع فيه الكثير من الشعراء - خاصة قليلو الخبرة  - لجهة الوزن في  أخطاء عرو ضية ، ارتأيت أن اكتب في القافية و في بعض  العيوب الشعرية ، التي تقع في القافية و التي يتوجب على الشاعر تجنبها ، لتكون قصيدته ، بعيدة عما يشوبها من عيب ، قدر الامكان .

و لا بد من القول ، ان كثيرا  من كبار الشعراء من  الجاهليين ، و من جاء بعدهم من الشعراء ، قد وقع في أخطاء في القافية  ، كما حصل مع النابغة الذبياني ، و الفرزدق و غيرهما من الشعراء . لا مجال لذكره هنا  .
 أقول : كيف لنا أن نتذوق الشعر العمودي بشكل صحيح ، ان لم يتهيأ لنا الشعور بوجود الخطأ فيه ؟ .. وكما أن المتلقي ، لا يستطيع فهم المعنى الصحيح في شرح بيت من الشعر ما لم يكن ملما بالنحو  و الصرف في اللغة العربية ، كذلك فان  تذوق المعنى الجميل لا بد فيه للمتلقي و للشاعر من أن يكون ملما الى حد ما بالموسيقى الشعرية  ، يتلمس بأذنه  مكامن الخطأ في البيت الشعري ، فيكون فهمه للمعنى و تذوقه لموسيقا الوزن صحيحا و سليما .

ان بحور الشعر و أوزانها ، أضحت معروفة ، وقد درسها أغلبنا في المدارس و المعاهد و غيرها .. و هي البحور الخمسة عشرالتي وضع قواعدها الخليل بن أحمد الفراهيدي و زاد عليها " الأخفش " الشاعر ، البحر السادس عشر . لذا لن أخوض في أوزانها و عيوبها ، فهي بحر لا قرار له ، الا ما ندر .. و على سبيل المعلومة الطارئة .

وسأبحث فقط  في القافية و في  عيوبها ، و سأنشرها على عدد من الحلقات ، علنا نستفيد منها جميعا .

في أحرف القافية

يخطئ الكثير منا ، عندما يعتقد أن القافية هي هذا الحرف الأخير الذي ينتهي به بيت من الشعر كاللام  او الراء ، او الباء أو غيرها .. فهذا الحرف ليس هوالقافية , و انما  لا يعدو كونه جزءا منها , أ ي جزءا من القافية أو حرف من حروفها . فاذا أطلقنا عليه اسم القافية , نكون قد أطلقنا اسم الكل على الجزء .

وهذا الحرف الأخير من القافية وهو الذي يتكرر في كل أبيات القصيدة , هو ما يسمى حرف " الروي " .

فالقافية هي في الحقيقة مجموعة الحروف التي ينتهي بها البيت الشعري ، و يتحدد مجموعها بآخر حرف ساكن في البيت والذي يسبق حرف الروي  وما بعده من الأحرف ، مضافا اليها الحرف المتحرك الذي يأتي قبل الحرف الساكن المذكور مباشرة ، فمجموع هذه الحروف ،  هو ما يسمى " حروف القافية " و يسمى الحرف الأخير المتكرر مع الأبيات التي بعد البيت الأول " الروي " فيقال قصيدة رويها باء أو لام أو جيم ..الخ ..

و بالتالي ، لكي تكون القصيدة متوازنة و القافية مطمئنة وسلسة عذراء لا خطأ فيها ، أن تكون مجموع هذه الحروف في البيت و ما يليه من أبيات منسجمة و متفقة ، و الا اعتبر ذلك خللا ، و اعتبرت القافية معيبة . ليس من حيث تكرار جميع هذه الحروف ، و انما يجب أن تكون هذه الحروف متفقة و متوافقة من حيث الحركة و السكون فيما بينها وفي جميع الأبيات اللآحقة ، كقول المتنبي :

و اني لمن قوم كأن نفوسهم ... بها أنَفٌ أن تسكن اللحمَ و العظْما
كذا أنا يا دنيا ، اذا شئتِ فاذهبي ... و يا نفسُ زيدي في كرائهها قدْما

ففي البيت الأول : نرى أن أحرف القافية هي " عظما " فحرف الظاء هو الحرف الساكن الأخير ما قبل الروي و حرف العين هو الحرف المتحرك قبله مباشرة

أما البيت الثاني : فان حروف القافية هي " قدما ". فحرف الدال هو آخر حرف ساكن قبل حرف الروي ، و القاف هو الحرف المتحرك قبله مباشرة .
نلاحظ هنا في البيتين المذكورين , مدى الانسجام في أحرف القافية , من حيث حركاتها وسكونها

و لو أردنا تكملة الأبيات فسنجد حروف القافية تماثل : سهما ، لحما ، شحما ، دهما ..الخ .. و بالتالي فاننا لا نستطيع أن نضع كلمة تتكون من مجموعة من الحروف تماثل هذه الكلمات : "  ساهما ،  قديما ،  سموما " بالرغم من أن الروي هنا و الحرف المتكرر هو حرف الميم  الا أن حركاتها لا تنسجم مع حركات  حروف القافية الأصلية التي ابتدأنا بها و بالتالي فقد اختلت القافية و أصابها العيب .
و قد جاء في كتب التراث عن القافية :
القافية هي الكلمة الأخيرة في البيت .. و سميت قافية لأنها تقفو الكلام ، وانما قيل لها القافية لأنها ليست بالحرف ، لأنها مؤنث .
وجعل بعض العرب البيت قافية  . قال حسان بن ثابت :

ونحكم  بالقوافي من هجانا ... و نضرب حين تختلط الدماء

و احتج بقول سحيم عبد بني الحسحاس :

أشارت بمدراها و قالت لتربها ... أعبدُ بني الحسحاس يزجي القوافيا

و بعضهم يجعل القوافي القصائد ، قال بعض العرب : القافية القصيدة . ثم أنشد :

و قافية مثل حد السنا ... ن تبقى و يهلك من قالها (1)
يعني القصيدة  .
و هناك من قال انها الحرف الأخير المتكرر  ..  فلو كان هذا صحيحا لكان في قول الشاعر :

يا دار سلمى يا اسلمي ثم اسلمي
مع قوله :
فخندف هامة هذا العالم   (2)

غير معيب بوجود ألف التأسيس في قوله  العالم   . و لو كانت الحروف هي القوافي لا تفقت القافية في قولنا  : قال و قيل  ..
و القافية عند الخليل  .. ما بين أخر حرف من البيت الى أول ساكن يليه مع المتحرك الذي قبل الحرف الساكن . أي أنها الساكنان الأخيريان من البيت و ما بينهما مع الحرف المتحرك  قبل الساكن الأول منهما  . فعلى هذا القول تكون القافية في قول الشاعر (3) :

اذا ما أتت من صاحب لك زلةٌ ... فكن أنت محتالا لزلته عذرا

 تكون القافية حركة العين و الذاي و الراء و الألف  أي كلمة " عذرا " .. و في قول الآخر (4) :

و ليس الغنى و الفقر من شيمة الفتى ...  و لكن حظوظ قسمت و جدود

تكون القافية هنا  حروف الدال الأولى و الواو و الدال الثانية و الواو أي ما مجموعه " دودو " ..باعتبار أن الضمة في حرف الروي تعتبر واوا .
و نكتفي بهذا القدر من البحث في موضوع القافية  .. و سيكون لنا موعد آخر ان شاء الله تكملة له و الله ولي التوفيق  .
......

خالد ع . خبازة
المراجع : عدد من كتب التراث
1- هذا البيت للخنساء  من قصيدة  ترثي أخاها معاوية  مطلعها :
ألا ما لعينك أم مالها ... لقد أخضل الدمع سربالها
....
و قافية مثل حد السنا ... ن تبقى و يهلك من قالها
نطقت ابن عمرو فسهلتها ...  و لم ينطق الناس أمثالها
2- البيت للعجاج
3- هذا البيت لأبي العتاهية من قصيدة مطلعها :
ألا لا أرى للمرء أن يأمن الدهرا ...  فان له من طول مهلته مَكرا
4- البيت لعبدالرحمن بن حسان بن ثابت الأنصاري من أبيات مشهورة يقول فيها :
متى ما يرى الناس الغني و جاره ... فقير يقولوا عاجز و جليد
و ليس الغنى و الفقر من شيمة الفتى ...  و لكن خظوظ قسمت و جدود
و ان امرءا يمسي و يصبح سالما ...  من الناس الا ما جنى لسعيد

عن مجلة الثقافة العربية رهيف السريحيني

مجلة الثقافة العربية - مجلة أدبية -شاملة - - نهتم بكافة النصوص الأدبية سواء كانت شعر أو نثر أو قصة أو مقال إلخ -- نمد إيدينا لنشر جمال اللغة العربية لغة الضاد ومساعدة المواهب الأدبية رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبادة الفيشاوي
»
السابق
رسالة أقدم
«
التالي
رسالة أحدث
التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات :

ترك الرد

close
Banner iklan disini