القراءة : المفارقة بين التاويل والتحليل
النقد : د./أ.حمد حاجي
النص : فوانيس
قصة قصيرة جدًا للكاتبة/ نادية بطرس ( جوى فرح Joie Farah )
ـــــــــــــــــــــــــــــ
تصدير :
قال :
(تلك المفارقة التي يتفجر بالقنبلة صانعها, أو الشمع الذي لصق جناحي (إيكاروس) وساعده على الطيران من كريت ..إذ يعاد استخدامه بعد أن ذوبته الشمس ليكون سببا في سقطته)
***** المفارقة وصفاتها د سي ميويك. ت عبد الواحد لؤلؤة: 29.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ د . سي ميويك
النص :
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
فوانيس
جمعَت كل مدخراتها، اشترت بها مصابيح، خبّأتها عن عيون لصوص النور.
همست لأطفالها: “لن نسمح لزمن الظلام أن يسود بيوتنا ليلة العيد”.
أرسلتهم كي يجلبوا الشعلة… تشظت سماء المدينة بأنوارهم مع تكبيرات العيد.
مقدمة :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كثيرا ما يستخدم الكتاب البارزون نمطا من الحكي البرئ بغاية ابراز البراءة المكبوتة في عميق دواخل القرَّاء والمتلقين ليصنع من ذواتهم ومن صميم أعماقهم واقعا بئيسا بؤس الآخرين، يطرزه الكتاب من نسج الخواء حينا ويدمجه بالتكتم والسخرية ، ويرويه بماء الادعاء والغفلة، ويقربه بالدهشة الرائقة إلى ذلك الوهم المكنون والمستور داخل ذوات المتلقين من صراحة باتجاه معكوس القول ومدلوله . انه بلا شك نمط من المفارقة مخصوص.. قد تجلى بهذا النص القصصي القصير جدا..
ـــــــــــــــــــــــــــ
أوَّلا : اللغة و ادراج المفارقة
ــــــــــــــــــــــــــــــــ اللغة المتشظية: ما أروع ما قالت "تشظت سماء المدينة بأنوارهم مع تكبيرات العيد"
استعملت الكاتبة والاديبة نادية بطرس ( جوى فرح Joie Farah ) اللغة بطرق مختلفة متنوعة
انها اوردت المفارقة بطريقة تحمل معنى صياغة ذلك الباطن الذي يتوجه لعموم المتلقين او ذلك الجمهور الخاص المميز لمعنى آخر ظاهرا موجها للأشخاص المخاطبين أو المقصودين بالقول وكثيرا ما تؤدي دلالاتها أدورا تهكمية، كما في قصتها " فوانيس "فقد استخدمت القاصة الاطفال للإضحاك غير البرئ لوخز البراءة المكبوتة ..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ اذهي تقول :همست لأطفالها: “لن نسمح لزمن الظلام أن يسود بيوتنا ليلة العيد”
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
مفهوم المفارقة إشكالا وأنماطا :
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 - المفارقة مفهوما عاما
المفارقة ( parathadox ) مأخوذة من معنى الكلمة اللاتينية (Ironia)
التي تعني المغايرة والسخرية والهزء في احد معانيها ..
وهي أسلوب أدبي يلجأ اليه القاص والروائي لشد القارئ وإثارة اِنتباهه وتخليد الحدث في ذاكرته
ـــــــــــــــــــــ فالمفارقة هي نوع من تعزيز التواصل بين كاتب النص وقارئه ..
ب- المفارقة تقنية مخصوصة
ولست أضيف جديدا قد سبقنا اليها كثير من النقاد والكتاب :
مفارقة لفظية هي التي : " تكون نمطاً اعلامياً أو طريقة من طرائق التعبير يكون المعنى المقصود فيها مخالفاً للمعنى الظاهر ، وينشأ هذا النمط من كون الدال يؤدي مدلولين متناقضين ، الأول مدلول حرفي ظاهر ، والثاني مدلول سياقي خفي ، وهنا تقترب المفارقة من الاستعارة أو المجاز وكلاهما في الواقع بنية ذات دلالة ثنائية إنها تشتمل على علاقةِِ توجه انتباه المخاطب نحو التفسير السليم للقول "...
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ماذا أضافت الكاتبة كمفهوم واضح له من الأدوارما يفيد؟
ج- المفارقة إشكالا فلسفيا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تكون المفارقة في القصة القصيرة جدا
اولاــــــــــــــ " لعبة عقلية ذكية ومن أرقى أنواع النشاط العقلي ... وهي سلاح هجومي فعال ، وهذا السلاح هو الضحك الذي يتولد عن التوتر الحاد وليس عن الكوميديا "
وهذا نجده حاضرا بقول الكاتبة : خبّأتها عن عيون لصوص النور
ــــــــــــــــــــــــــــ
2 - المفارقة/ تقنية بطرح السؤال الفلسفي اوربما هي :
" هي من التقانات التي تفعِّل القصة القصيرة جداً وتشكِّل أحد أسسها الجمالية ، إذ تحوِّل التداول الحياتي الى معطى لغوي ذي حمولات متزاحمة بحيث تصبح اقتفاء حساسية الخطاب الإنساني في واقع مقحم بالمفارقات اليومية الساخرة ومجالات الحياة المختلفة ، فهي توفر لنا فرصة التقاط المفارقات ورسم صورة كاريكاتيرية سريعة نافذة لحالة ما . " وهذا ما أبرزته الكاتبة بكل وعي وادراك عميق بتحويل المتداول اليومي إلى معطى باللغة ساخر يصور المتن القصصي الى زاوية رؤية محددة بديعة بقولها : "...[جمعَت كل مدخراتها، اشترت بها مصابيح] أليست المدخرات من متاعنا اليومي ...أليست الفوانيس ما نحتاجه لساعة من ظلام ...
ــــــــــــــــــــــــــ
3 - المفارقة/ جواب متحول او هي شيء آخرمن التوازن بين السؤال والجواب :
" المفارقة استحضار الدوافع المتضادة هنا ( بين حمل السؤال وجوابه ) من أجل تحقيق وضع متوازن في الحياة".وهذا نجده حاضرا بقول الكاتبة :" أرسلتهم كي يجلبوا الشعلة"
وكان الارسال هنا بمنطق السؤال ويكون التعليل بالاجابة عن التساؤل ( غاية : جلب الشعلة )
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
خاتمة
ــــــــــــــــــــ
هكذا كان للمفارقة دور وظيفي معين بهذا النص وقد سمت الكاتبة بالمفارقة بنصها ووصل شأوالشاعر الألماني الشهير ( كوته ) حين يشيرالى ان لها دورا ممكنا نعرفها به :
دور المفارقة في رفع الإنسان فوق عدة تناقضات .. يقول : "أن المفارقة ترفع الإنسان فوق السعادة أوالشقاء ، الخير والشر، الموت والحياة " . ويقول ( كوته ) ايضاً عن المفارقة أنها : " ذرة الملح التي وحدها تجعل الطعام مقبول المذاق ".
النقد : د./أ.حمد حاجي
النص : فوانيس
قصة قصيرة جدًا للكاتبة/ نادية بطرس ( جوى فرح Joie Farah )
ـــــــــــــــــــــــــــــ
تصدير :
قال :
(تلك المفارقة التي يتفجر بالقنبلة صانعها, أو الشمع الذي لصق جناحي (إيكاروس) وساعده على الطيران من كريت ..إذ يعاد استخدامه بعد أن ذوبته الشمس ليكون سببا في سقطته)
***** المفارقة وصفاتها د سي ميويك. ت عبد الواحد لؤلؤة: 29.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ د . سي ميويك
النص :
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
فوانيس
جمعَت كل مدخراتها، اشترت بها مصابيح، خبّأتها عن عيون لصوص النور.
همست لأطفالها: “لن نسمح لزمن الظلام أن يسود بيوتنا ليلة العيد”.
أرسلتهم كي يجلبوا الشعلة… تشظت سماء المدينة بأنوارهم مع تكبيرات العيد.
مقدمة :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كثيرا ما يستخدم الكتاب البارزون نمطا من الحكي البرئ بغاية ابراز البراءة المكبوتة في عميق دواخل القرَّاء والمتلقين ليصنع من ذواتهم ومن صميم أعماقهم واقعا بئيسا بؤس الآخرين، يطرزه الكتاب من نسج الخواء حينا ويدمجه بالتكتم والسخرية ، ويرويه بماء الادعاء والغفلة، ويقربه بالدهشة الرائقة إلى ذلك الوهم المكنون والمستور داخل ذوات المتلقين من صراحة باتجاه معكوس القول ومدلوله . انه بلا شك نمط من المفارقة مخصوص.. قد تجلى بهذا النص القصصي القصير جدا..
ـــــــــــــــــــــــــــ
أوَّلا : اللغة و ادراج المفارقة
ــــــــــــــــــــــــــــــــ اللغة المتشظية: ما أروع ما قالت "تشظت سماء المدينة بأنوارهم مع تكبيرات العيد"
استعملت الكاتبة والاديبة نادية بطرس ( جوى فرح Joie Farah ) اللغة بطرق مختلفة متنوعة
انها اوردت المفارقة بطريقة تحمل معنى صياغة ذلك الباطن الذي يتوجه لعموم المتلقين او ذلك الجمهور الخاص المميز لمعنى آخر ظاهرا موجها للأشخاص المخاطبين أو المقصودين بالقول وكثيرا ما تؤدي دلالاتها أدورا تهكمية، كما في قصتها " فوانيس "فقد استخدمت القاصة الاطفال للإضحاك غير البرئ لوخز البراءة المكبوتة ..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ اذهي تقول :همست لأطفالها: “لن نسمح لزمن الظلام أن يسود بيوتنا ليلة العيد”
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
مفهوم المفارقة إشكالا وأنماطا :
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 - المفارقة مفهوما عاما
المفارقة ( parathadox ) مأخوذة من معنى الكلمة اللاتينية (Ironia)
التي تعني المغايرة والسخرية والهزء في احد معانيها ..
وهي أسلوب أدبي يلجأ اليه القاص والروائي لشد القارئ وإثارة اِنتباهه وتخليد الحدث في ذاكرته
ـــــــــــــــــــــ فالمفارقة هي نوع من تعزيز التواصل بين كاتب النص وقارئه ..
ب- المفارقة تقنية مخصوصة
ولست أضيف جديدا قد سبقنا اليها كثير من النقاد والكتاب :
مفارقة لفظية هي التي : " تكون نمطاً اعلامياً أو طريقة من طرائق التعبير يكون المعنى المقصود فيها مخالفاً للمعنى الظاهر ، وينشأ هذا النمط من كون الدال يؤدي مدلولين متناقضين ، الأول مدلول حرفي ظاهر ، والثاني مدلول سياقي خفي ، وهنا تقترب المفارقة من الاستعارة أو المجاز وكلاهما في الواقع بنية ذات دلالة ثنائية إنها تشتمل على علاقةِِ توجه انتباه المخاطب نحو التفسير السليم للقول "...
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ماذا أضافت الكاتبة كمفهوم واضح له من الأدوارما يفيد؟
ج- المفارقة إشكالا فلسفيا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تكون المفارقة في القصة القصيرة جدا
اولاــــــــــــــ " لعبة عقلية ذكية ومن أرقى أنواع النشاط العقلي ... وهي سلاح هجومي فعال ، وهذا السلاح هو الضحك الذي يتولد عن التوتر الحاد وليس عن الكوميديا "
وهذا نجده حاضرا بقول الكاتبة : خبّأتها عن عيون لصوص النور
ــــــــــــــــــــــــــــ
2 - المفارقة/ تقنية بطرح السؤال الفلسفي اوربما هي :
" هي من التقانات التي تفعِّل القصة القصيرة جداً وتشكِّل أحد أسسها الجمالية ، إذ تحوِّل التداول الحياتي الى معطى لغوي ذي حمولات متزاحمة بحيث تصبح اقتفاء حساسية الخطاب الإنساني في واقع مقحم بالمفارقات اليومية الساخرة ومجالات الحياة المختلفة ، فهي توفر لنا فرصة التقاط المفارقات ورسم صورة كاريكاتيرية سريعة نافذة لحالة ما . " وهذا ما أبرزته الكاتبة بكل وعي وادراك عميق بتحويل المتداول اليومي إلى معطى باللغة ساخر يصور المتن القصصي الى زاوية رؤية محددة بديعة بقولها : "...[جمعَت كل مدخراتها، اشترت بها مصابيح] أليست المدخرات من متاعنا اليومي ...أليست الفوانيس ما نحتاجه لساعة من ظلام ...
ــــــــــــــــــــــــــ
3 - المفارقة/ جواب متحول او هي شيء آخرمن التوازن بين السؤال والجواب :
" المفارقة استحضار الدوافع المتضادة هنا ( بين حمل السؤال وجوابه ) من أجل تحقيق وضع متوازن في الحياة".وهذا نجده حاضرا بقول الكاتبة :" أرسلتهم كي يجلبوا الشعلة"
وكان الارسال هنا بمنطق السؤال ويكون التعليل بالاجابة عن التساؤل ( غاية : جلب الشعلة )
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
خاتمة
ــــــــــــــــــــ
هكذا كان للمفارقة دور وظيفي معين بهذا النص وقد سمت الكاتبة بالمفارقة بنصها ووصل شأوالشاعر الألماني الشهير ( كوته ) حين يشيرالى ان لها دورا ممكنا نعرفها به :
دور المفارقة في رفع الإنسان فوق عدة تناقضات .. يقول : "أن المفارقة ترفع الإنسان فوق السعادة أوالشقاء ، الخير والشر، الموت والحياة " . ويقول ( كوته ) ايضاً عن المفارقة أنها : " ذرة الملح التي وحدها تجعل الطعام مقبول المذاق ".