» » سيجارة- بقلم الكاتب / عادل المعموري

في مقصورة القطار كان لوحده يحدّق عبر النافذة ،عيناه ترنوان للنخلةا البعيدة ،نخلة وحيدة شامخة في العراء
كيف تستمد بقاءها من أرض جرداء؟ يتساءل مع نفسه ،القطار يسير وئيدا ،طوال تلك الساعة بدقائقها لم يكن منتبها لوجود امرأة في المقعد ،كانت أمامه مباشرة ،عندما التفت إليها ،أشاحت بوجهها بعيدا ،تشاغلت بالنظر نحو بقعة الماء التي توزعت على جوانبها شجيرات الشوك والعليق،الملح الأبيض طفا فوق المكان بشكل جعله يلتمع تحت وهج شمس الصباح ..فتحت حقيبتها الصغيرة وأخرجت علبة سجائر فاخرة ،فتحت غطاءها ببطء ، استلت منها واحدة ،بحثت في حقيبتها عن قدّاحة النار ،شرعت تبحث داخل طيات الحقيبة باهتمام مبالغ فيه ،تعمدّ أن لا يخرج لها قداحته ،نظرت إليه سريعا ثم عادت تبحث بأصابعها الرقيقة ثانية ،رفعت رأسها وتقطيبة حزن ترتسم فوق حاجبيها تشي أنها مستاءة ،بل غاضبة ،سألته :
__
ممكن نار ؟لم يعرها انتباها ،كأنه لم يسمعها ،أعادت السؤال ثانية :
__
ممكن قدّاحة يا أستاذ ؟
_
عفوا ؟!
_
قدّاحة ؟
_
ماذا تفعلين بها ؟...ابتسمت باستغراب وتمتمت :
__
أشعلُ بها السيجارة !
__
آسف... لا أدخّن ..هزت رأسها ،وضغطت السيجارة بين اصبعيها ، تنظر نحو الممرالضيق بين المقصورات ،لعل احدهم يمر وتوقد سيجارتها منه ،مرّ وقت طويل وهي ممسكة بالسيجارة وتنظر نحوه شزرا بين آن وآخر ،ربما لم تصدق أنه لا يدخن ،نظراتها تشي بالشك في صدق ادعائه ، بعد قليل اشتهى ان يدخن، لا يستطيع أن يخرج علبة سجائره ،العلبة والقداحة في جيب سترته ،قرّر أخيرا أن يخرج العلبة ويستل منها سيجارة ،نظرت إليه مستغربة ،قائلة :
_
قلت قبل قليل إنك لا تدخّّن ؟!
_
أدخّن.. ولكن لا أملك قدّاحة ..هزّت رأسها وزمت شفتيها ،ثم عادت تنظر عبر النافذة ،كان القلق يرسم ملامحة في وجهها ، بعد هنيهة نهضت من مكانها ،قائلة :
_
سأبحث عن قداحة في المقصورات الأخرى.. لا أستطيع دون تدخين ،هزّ رأسه موافقا وعاد ينظر إلى حقيبتها التي تركتها في مكانها ،غابت عنه لدقيقة ،دسّ قداحته في حقيبتها ورجع إلى مكانه مسرعا ..عادت بعد لحظات وهي تنفث دخان سيجارتها ..جلست في مكانها وشرعت تسحب نفسا عميقا فيما تعمدّت أن تبعث دخان سيجارتها ليدغدغ خياشيمه ،قال لها :
__
ممكن نار؟
_
آسفة .
_
لماذا... كم أنتِ خبيثة ؟
__ ..
ماذا قلت ؟!
لم يشأ أن يعيد عليها الكلام ،فقد بان الغضب في عينيها وهي تضغط السيجارة بشفتيها ،حملت حقيبتها ونهضت لتنزل في المحطة التي توقف عندها القطار بعد أن هدأ هدير محركاته ،،قالت له وهي تتأهب للمغادرة .
__
تلك قداحتك أيها الخبيث ..قالتها ورمت بها عبر النافذة ..وهبطت نازلةً ، ظل هو ممسكا سيجارته بين اصبعيه ..ينظر نحوها وهي تغيب عن ناظريه !



عن مجلة الثقافة العربية أزمان هاشم

مجلة الثقافة العربية - مجلة أدبية -شاملة - - نهتم بكافة النصوص الأدبية سواء كانت شعر أو نثر أو قصة أو مقال إلخ -- نمد إيدينا لنشر جمال اللغة العربية لغة الضاد ومساعدة المواهب الأدبية رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبادة الفيشاوي
»
السابق
رسالة أقدم
«
التالي
رسالة أحدث
التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات :

ترك الرد

close
Banner iklan disini