» » صرخات استغاثة - قصة قصيرة - بقلم - الأستاذ محمد ربيع - القراءة النقدية بقلم- الأستاذة زهرة خصخوصي

النص
هَبطتْ أناها العُليا في حُنوٍّ، تقولُ بالهمسِ ما مراده خطبةٌ عصماءُ، رَمَقتْ أناها بِريبَةٍ، ثم أشاحَتْ بوجهها اليابسِ كالصَّحراء، مؤثرةً نفسها بنحتِ ابتسامةٍ ساخرةٍ بنصفِ وجهٍ، أثناء ارتشافها كوبًا من الشَّاي الأخضر، هذا الطقسُ الخريفيُّ الذي ألفَتْهُ، كلما سقطَ يومًا من شَجرتها الغضَّةِ، انحدَرتْ قليلًا إلى هوى في نفسها، غير آبهةٍ بما تحملها عليه تلكَ الأنا العليا خاصَّتها.
أشرقَ بداخلها نورٌ جبَّ ما قبلهُ من ظَلامٍ، فأيْقنَ قلبها إيمانًا، وأقرَّ لسانُها بالشهادةِ، غَدتْ كشُعلةِ من حماسٍ في كلِّ شيءٍ، كان التغييرُ من الداخلِ، يصنعُ قلبها البسمةَ فتحملها شعيراتُ الدَّم إلى خلايا الدِّماغ فتسري إشارتها إلى سائرِ الجسدِ ابتهاجًا واحتفالًا، إلى أن تجدَ تلك البسمة مكانها الطبيعيَّ بعينينِ حالمتينِ وشفاهٍ كانتْ قد يبسَتْ حُزنًا.
لحاجةٍ في نفسها؛ تُبقي بابَ حُجرتها مُوارَبًا، هي ترقبُ مرورَه على وجهِ الدِّقَّةِ، هادي الورود_كما حلا لها تسميتَهُ_ قد أشبعَ خَيالها.
صادفها ذاتَ صباحٍ، ذلكَ الوجهُ المُختلفُ، رجلٌ مُشرقٌ، ينثرُ بسماتِهِ كشلَّالٍ من حياةٍ، فيستحيلُ المشْفى إلى حديقةٍ بَهيجةٍ، فوَّاحةُ العطرِ، اعتادتْ منهُ على وجبةٍ دَسمةٍ كلَّ صباحٍ، مُكوَّنةً من وردةٍ مُعطَّرةٍ، مرفقٍ بها بسمةً صافيةً كالشمسِ، تلتهمُ بعدها الدواءَ بشراهةٍ، أيُّ انبعاثٍ طالَ تلكَ الرُّوح! بلا أبٍ تتوالدُ بداخلها الأُمنياتِ، تاقتْ نفسُها للتَّعافي، باتت تُحلِّقُ كالفراشِ، تتنشَّقُ الجمالَ مِما حُولها مِن أشيَاء، غدت كملكةٍ في سريرها، كأنَّها في قصرٍ مَشيدٍ، وليسَ في مشفى للسَّرطان.
انتعشَتْ، وقد استقرَّ قرارها بعدما أوَت إلى رُكنٍ شديدٍ، لمْ تكترِثْ لأمرِ حياتهِ الخاصَّةِ، وأنَّ سببَ تعرُّفِها به؛ زوجته القابعةُ بالحُجرةِ المجاورةِ لها، لكنها لمْ ترَ زوجته على الحقيقةِ، ارتضت بأنَّها وجدت من تبثُّه عاطفتها، مُكتفيةً بابتسامتهِ الصادقةِ، فتمَّ لها الرَّبطُ بين نقيضَيْ الهلاك، مثاليةٌ خرقاء، وهوى منحرفٌ.
تُدلي جدائلها، تُبلِّلُ شفتيها، تشدُّ ثوبها من الوسط والصَّدر، تحاولُ أن تبقى رشيقةً طوالَ الوقتِ، تُرى؛ أيُّ عَقارٍ مُنعشٍ تعاطته؟! كلا بل أيُّ نوعٍ فاخرٍ من الخمرِ أوْقعَ بها؟!
من لا شيء دبَّت بأوصالها حياةٌ مُتَّقِدةٌ، ثمة أمةٍ مقهورةٍ تحتاجُ حذوَ التَّجربةِ، أن تبتهجَ نفسكَ بنسيمِ البحرِ بينما أنتَ حبيس تكدُّسٍ جُغرافيٍ مُوبوءٍ، أن ينعم قلبكَ بنشوةِ إنجازٍ على الآخَرِ يردُّ لك بعضَ الكبرياء_في خيالك، تلك هي الخديعة بعينهاٍ.
ذاكَ الصباحُ المُشرَّبُ بالغيمِ؛ عادت أدراجها، استفاقَت بعد نوبةِ خمولٍ، تتناسى جدولَ الدواء والنَّوم، قد انحدرَ مؤشِّرُ علاجها إلى نقطة البداية، ليتها تعي أنَّها مريضةٌ، ربما تَحسَّنت النتائج.
كا لنَّباتِ هيَ، تبحثُ عن ضياء الشَّمسِ كيْ تَبقى، كأرضٍ بكرٍ تنتظرُ إعلانَ الحمايةِ، غَرقى في النَّزعِ الأخيرِ هيَ، متلهفة ليدٍ تنتشُلها من أُتُونِ الوَهَن، كلَّ صَباحٍ تشرعُ نافذتها، على مدِّ بَصرها؛ ترقبُ طريقًا ضبابيًا؛ علَّ طَيفًا تَعرفُه قد يلوحُ في الأفقِ البَعيدِ، فارسٌ تنشدُ ودَّه الأعداءَ، تتوقُ لمنَعةٍ ومَناعةٍ في رحابِ فارسِها الموعود، وتنتظر.
استغرقت في حديث ساذج، تتسائل عن جدوى حياة بائسة، الآف يموتونَ غدرًا في تصفيةِ حساباتٍ سياسيةٍ مَلعونةٍ، آخرونَ يموتون قهرًا تحت نَيرِ الاحتلال، أليس السرطان أخفّ بلاءً؟ بلى أظنها تعددت الأسباب والموت واحد، حياة يزين فيها الباطل بأبهى حلة، بينما الحق تأباه الجموعُ، القويُّ الزَّاعم لأحدث نظريات العدل والحرية، يلتهمُ الضعيفَ بدمٍ باردٍ، بمُسوِّغاتٍ تافهةٍ يُعمَل الدَّمارُ في بلادٍ آمنة، لعلَّ في السرطان خيرٌ مُدَّخَرٌ.
تستنشقُ نسائمَ آخر النهار، تُهدي للوجودِ وردةً محملةً بعبقِ اللامباة، تعقبها قبلة مشوبة بالسخرية، تنبعثُ من صَمتها البليغ صرخاتُ استغاثةٍ يوميَّةٍ، ترسمُ الرِّضا على قسماتها، وعينيها الذابلةُ تستقبلُ النهاية.



القراءة النقدية:
________________
القصّ شأنه شأن فنون الأدب الأخرى يتأسّس على عُمُد ثابتة. وهو بيت الحكاية، والبيوت رغم اشتراكها في الأسس فإنّها تختلف باختلاف الهندسة الخاصّة بكلّ بيت، تلك الهندسة التي تخلق التّفرّد ولا تلغي الأسس.
ومن أسس القصّة البنية السّرديّة الثّلاثيّة المنطلقة من بداية الحكاية فمعرّجةً على التّحوّل فيها حيث تأزّمُ مسار الأحداث أو ما يسمّى بالصّراع الذي تتعرّض فيه الشّخصيّة الرّئيسيّة/ البطل إلى نقص نفسيّ أو علائقيّ أو مادّيّ يُربك توازن المسار السّرديّ وينثر التّشويق، ثمّ منتهيةً إلى استعادة التّوازن عبر خاتمة تكون إمّا فاتحة بوّابات الفرح أو مرتمية في دروب الوجع.
وإنّ قارئ هذه القصّة "صرخات استغاثة" تبين له البنية السّرديّة الثّلاثيّة في الحكاية. وهي بنية سرديّة خصّها الكاتب برؤيته المخصوصة للعمليّة الإبداعيّة القصصيّة التي تتجلّى لنا على مستويين.
%
المستوى الأوّل:
تمثّل في تأجيل سرد بداية الحكاية وتقديم فقرتين ترسم أولاهما صراعا نفسيّا يدور في بين الشّخصيّة دالّا على تأزّم حدثيّ تواجهها، رسما اعتمد مفردات علم النّفس الفرويدي والسّارد يقول:" هَبطتْ أناها العُليا في حُنوٍّ، تقولُ بالهمسِ ما مراده خطبةٌ عصماءُ، رَمَقتْ أناها بِريبَةٍ، ثم أشاحَتْ بوجهها اليابسِ كالصَّحراء، مؤثرةً نفسها بنحتِ ابتسامةٍ ساخرةٍ بنصفِ وجهٍ"، صراعا بين الأنا العليا ذاك المكوّن الباطنيّ لشخصيّة الإنسان الأكثر تحفظاً وعقلانية التّوّاق إلى معانقة الكمال والمثاليّة بعيدا عن الأهواء واللّذّات، وبين الأنا ذاك الأسّ الآخر لشخصيّة الإنسان الذي يشكّل حالة وسطيّة بين الخير والشرّ، بين العقل والهوى، بين التّسامي عن اللّذّات والانغماس فيها. لِيَلِيَ هذا الصّراع النّفسيّ سرد يبرز معانقة الشّخصيّة الفرح رغم تدحرج خطى العمر فيها نحو خريف تتساقط فيه الأيّام مومئا إلى منبع ذاك الفرح ألا وهو الحبّ[هوى في نفسها]، ثمّ وصف لآيات ذاك الفرح تمهيدا لسرد حكايته [أشرقَ بداخلها نورٌ جبَّ ماقبلهُ من ظَلامٍ، فأيْقنَ قلبها إيمانًا، وأقرَّ لسانُها بالشهادةِ، غَدتْ كشُعلةِ من حماسٍ في كلِّ شيءٍ، كان التغييرُ من الداخلِ، يصنعُ قلبها البسمةَ فتحملها شعيراتُ الدَّم إلى خلايا الدِّماغ فتسري إشارتها إلى سائرِ الجسدِ ابتهاجًا واحتفالًا، إلى أن تجدَ تلك البسمة مكانها الطبيعيَّ بعينينِ حالمتينِ وشفاهٍ كانتْ قد يبسَتْ حُزنًا.]
%المستوى الثّاني:
فيه انتسج الكاتب للمسار السّرديّ تحوّلين في الأحداث، هما تحوّلان متناقضان متقابلان يحدثان في أعماق باطن الشّخصيّة كارتداد تفاعليّ مع الأحداث الخارجيّة عبّر عنهما السّارد بقوله: [كان التغييرُ من الداخلِ].
ذلك أنّ حدث الوقوع في الحبّ رسم للشّخصيّة العليلة صورة جديدة حيث [ تاقتْ نفسُها للتَّعافي، باتت تُحلِّقُ كالفراشِ، تتنشَّقُ الجمالَ مِما حولها مِن أشيَاء، غدت كملكةٍ في سريرها، كأنَّها في قصرٍ مَشيدٍ، وليسَ في مشفى للسَّرطان.]
أمّا حدثُ تواري الحبيب خلف حجب الغياب فقد ارتدّ بخطى الشّخصيّة عن شريعة معانقة الحياة راميا بها في لجج التّهاوي نحو سحيق الاعتلال حدّ الموت إذ نجد السّارد يقول: [ ذاكَ الصباحُ المُشرَّبُ بالغيمِ؛ عادت أدراجها، استفاقَت بعد نوبةِ خمولٍ، تتناسى جدولَ الدواء والنَّوم، قد انحدرَ مؤشِّرُ علاجها إلى نقطة البداية، ليتها تعي أنَّها مريضةٌ، ربما تَحسَّنت النتائج.]
هما تحوّلان في السّرد صوّر أوّلهما الوهم ورسم الثّاني مزالق ذلك الوهم نحو وهاد الفناء، أبدع الكاتب محمد ربيع في تحميلهما رسالة إنسانيّة ظاهرها تعلُّق الغريق بقشّة معانقة منه الحياةَ وتشبّثا بامتداد خطاه في الوجود، وباطنها العميق كشفٌ عمّا يخفى عن النّاس من مكابدات مرضى السّرطان من ضنك الوجود النّفسيّ، أمّا باطنها الأعمق فهو دعوة إلى اعتناق الحبّ شريعة تواصل إنسانيّ حتّى [ تجدَ تلك البسمة مكانها الطبيعيَّ بعينينِ حالمتينِ وشفاهٍ كانتْ قد يبسَتْ حُزنًا] في وجود إنسانيّ ينوء تحت كلكل أوجاع لا تنتهي، وهو دعوة إلى هذه الأمّة إلى أن تحذو حذوَ ما رسم الكاتب لشخصيّته من مسار حدثيّ حالم في التّحوّل الأوّل، وقد أشار إلى ذلك قائلا: [ثمة أمةٍ مقهورةٍ تحتاجُ حذوَ التَّجربةِ].
وهو- أي باطنها الأعمق – تذكير بأنّ الفناء ديدن الوجود الإنسانيّ، صوّره عبر التّحوّل السّرديّ الثّاني في القصّة، وبأنّ لا مفرّ منه مهما غضضنا عنه الطّرف وحاولنا جرّ خطانا خارج مداره، وبأنّ لهذا الفناء جمال وعذوبة مادام عن غير جور بني الإنسان يتأتّى. وقد وظّف الكاتب الحوار الباطنيّ/ المونولوج للإيماء إلى هذا التّأمّل الوجوديّ في مدى كينونة الإنسان فنجده يسبر أغوار نفس شخصيّة القصّة فيكشف الحجب عمّا تتلجلج به من اختلاجات اختزلها في صوت داخليّ ما سمعه إلّاه وهو يردّد:[الآف يموتونَ غدرًا في تصفيةِ حساباتٍ سياسيةٍ مَلعونةٍ، آخرونَ يموتون قهرًا تحت نَيرِ الاحتلال، أليس السرطان أخفّ بلاءً؟ بلى أظنها تعددت الأسباب والموت واحد، حياة يزين فيها الباطل بأبهى حلة، بينما الحق تأباه الجموعُ، القويُّ الزَّاعم لأحدث نظريات العدل والحرية، يلتهمُ الضعيفَ بدمٍ باردٍ، بمُسوِّغاتٍ تافهةٍ يُعمَل الدَّمارُ في بلادٍ آمنة، لعلَّ في السرطان خيرٌ مُدَّخَرٌ].
فبدا لنا الرّاوي وهو يرسم الدّلالات العميقة لقصّته هذه راويا عليما وإن ادّعى عدم المعرفة بما يحدث في الزّوايا المعتمة من الحكاية التي يرويها في موضعين تسربل فيهما برداء الرّؤية السّرديّة من الخارج وهو يقول: [لحاجةٍ في نفسها؛ تُبقي بابَ حُجرتها مُوارَبًا] طورا، وطورا آخر يتساءل متعجّبا:[تُرى؛ أيُّ عَقارٍ مُنعشٍ تعاطته؟! كلا بل أيُّ نوعٍ فاخرٍ من الخمرِ أوْقعَ بها؟!].
ولعلّه وهو يتّخذ موقع الرّاوي العليم الذي يسبر أغوار نفس الشّخصيّة ويتّخذ ممّا يحدث موقف النّاقد يؤكّد أنّ القصّ ما ظلّ ذاك الممتع المؤنس فقط بل إنّه بات يرزح تحت رسالة الكشف والوصف والنّقد الذي قد يبلغ مدى تقديم البدائل لدى بعض القصّاصين المجدّدين في عصرنا هذا.
والكاتب محمّد ربيع لم يكتف بتوظيف المونولوج/الحوار الباطني لاتّخاذ موقع الرّاوي من الدّاخل/الرّاوي العليم بل وظّف المعجم الفلسفيّ النّفسيّ الفرويدي آنا وهو يقول: [هَبطتْ أناها العُليا في حُنوٍّ، تقولُ بالهمسِ ما مراده خطبةٌ عصماءُ رَمَقتْ أناها بِريبَةٍ] في رسم للصّراع النّفسيّ الذي كانت تكابده الشّخصيّة وهي تتأرجح بين فتوّة النّبض العاشق وهرم الجسد المنحدر نحو وهاد العجز والموت.
وآنا آخر اتّخذ الرّاوي موقع النّاقد لسلوكات الشّخصيّة، فردا يعانق عبثيّة الفعل، فنجده يقول: [فتمَّ لها الرَّبطُ بين نقيضَيْ الهلاك، مثاليةٌ خرقاء، وهوى منحرفٌ.]،
و[استغرقت في حديث ساذج]، ثمّ جماعة إنسانيّة تحذو ذات المعانقة لتغرق في وهم الوجود وذلك يبين من خلال قوله: [أن تبتهجَ نفسكَ بنسيمِ البحرِ بينما أنتَ حبيس تكدُّسٍ جُغرافيٍ مُوبوءٍ، أن ينعم قلبكَ بنشوةِ إنجازٍ على الآخَرِ يردُّ لك بعضَ الكبرياء_في خيالك، تلك هي الخديعة بعينهاٍ.]، ناقدا بذلك لاتوازن الفكر وهو يرسم الخطى في درب نحت الوجود مومئا إلى أنّ الخروج من دائرة بوصلة الأنا العليا التّوّاقة إلى اكتمال الفعل وكماله هو ضرب من الرّسم على رمال شاطئ الحياة ذات تلجلج بحرها بموج التّلاشي.
لقد حمّل الكاتب محمّد ربيع قصّته هذه رسائل فكريّة جعلت تيمة السّرد فيها مطيّة لتمرير "خطبة عصماء" حول جوهر الوجود الإنسانيّ وعبثيّة الفعل سابرا النّفس مسائلا فعلها، محلّلا، مقيّما، راسما وجوه الفعل وحدوده وأبعاده بأسلوب قصصيّ ممتع ولغة عذبة تسكب شعريّة القصّ كؤوسا كؤوسا.
فرغم ارتباط تيمة القصّة بالواقع وتعالق السّرد مع الفكر الفلسفيّ النّفسيّ الاجتماعيّ وما يوحي به ذلك من رتابة القصّ إلّا أنّنا نُلفي الكاتب يعمد إلى لغة شعريّة نرفرف فيها على أجنحة فَراش الفرح الذي ترسمه فلا هي تنكسر ولا نحن نتهاوى، بل نتلمّظ شهد العشق فينا يسري ثملا بعبق الحبّ في خافق الشّخصيّة والرّاوي يقول: [صادفها ذاتَ صباحٍ، ذلكَ الوجهُ المُختلفُ، رجلٌ مُشرقٌ، ينثرُ بسماتِهِ كشلَّالٍ من حياةٍ، فيستحيلُ المشْفى إلى حديقةٍ بَهيجةٍ، فوَّاحةُ العطرِ، اعتادتْ منهُ على وجبةٍ دَسمةٍ كلَّ صباحٍ، مُكوَّنةً من وردةٍ مُعطَّرةٍ، مرفقٍ بها بسمةً صافيةً كالشمسِ، تلتهمُ بعدها الدواءَ بشراهةٍ، أيُّ انبعاثٍ طالَ تلكَ الرُّوح! بلا أبٍ تتوالدُ بداخلها الأُمنياتِ، تاقتْ نفسُها للتَّعافي، باتت تُحلِّقُ كالفراشِ، تتنشَّقُ الجمالَ مِما حولها مِن أشيَاء، غدت كملكةٍ في سريرها، كأنَّها في قصرٍ مَشيدٍ، وليسَ في مشفى للسَّرطان]، ويتبلبل فينا النّبض وخطى ذاك الفرح في فؤاد الشّخصيّة تنذر بردّة عن شريعة الحلم بضياء الحياة فنجفل ونحن نقرأ:[كالنَّباتِ هيَ، تبحثُ عن ضياء الشَّمسِ كيْ تَبقى، كأرضٍ بكرٍ تنتظرُ إعلانَ الحمايةِ، غَرقى في النَّزعِ الأخيرِ هيَ، متلهفة ليدٍ تنتشُلها من أُتُونِ الوَهَن، كلَّ صَباحٍ تشرعُ نافذتها، على مدِّ بَصرها؛ ترقبُ طريقًا ضبابيًا؛ علَّ طَيفًا تَعرفُه قد يلوحُ في الأفقِ البَعيدِ، فارسٌ تنشدُ ودَّه الأعداءَ، تتوقُ لمنَعةٍ ومَناعةٍ في رحابِ فارسِها الموعود، وتنتظر.]، ثمّ لا يُخجلنا أن نستعذب الحكاية وهي تسقينا مرارة الحدث، مرارة نفاذ الضّياء من جرابات شموع الحياة وتبخّر الحلم من دنان الرّوح إذ يختم الرّاوي تقفّيه خطى الفعل في وجود شخصيّة قصّته العليلة قائلا: [تستنشقُ نسائمَ آخر النهار، تُهدي للوجودِ وردةً محملةً بعبقِ اللامباة، تعقبها قبلة مشوبة بالسخرية، تنبعثُ من صَمتها البليغ صرخاتُ استغاثةٍ يوميَّةٍ، ترسمُ الرِّضا على قسماتها، وعينيها الذابلةُ تستقبلُ النهاية.].
إنّها مسبار عذوبة القصّ يرسم الضّياء في الزّوايا المعتمة نفسيّا واجتماعيّا، وينثر أمل الرّفرفة في أجنحة فراش الأمل المتراقص على حساكة الوجع، ويشرنق الخطى على فنن الفرح إذ بلابل العمر تؤذن بهجر أيكة الأمنيات...
إنّها نبراس دالّ على تباشير وجود أدبيّ مائز في مجالس القصّ القصير جعل الكاتب محمّد ربيع قصّته هذه بها صادحة ولبوّابات انتظار المزيد من دفق قريحته بكلّ الشّوق فاتحة.

ملاحظة:
في النّصّ بعض الأخطاء التي أشير إليها شاكرة رحابة صدر الكاتب المبدع محمّد ربيع لمدّنا بنصّه للنّقد والاستقراء أوّلا ثمّ لقبوله لملاحظاتنا ثانيا.
**
أخطاء لغويّة:
*
كلما سقطَ يومًا من شَجرتها الغضَّةِ= كلّما سقط يومٌ
*
تعرُّفِها به= تعرّفها إليه
*
غرقى هي = غرقة هي ( الجمع = غرقى)
**
خطأ تركيبيّ: [لحاجةٍ في نفسها؛ تُبقي بابَ حُجرتها مُوارَبًا، هي ترقبُ مرورَه على وجهِ الدِّقَّةِ، هادي الورود_كما حلا لها تسميتَهُ_ قد أشبعَ خَيالها.] نلاحظ أنّ الجملتان وردتا مرتبطين دون مؤشّر لغويّ دالّ وهو ما جعل السّرد ممجوجا


عن مجلة الثقافة العربية أزمان هاشم

مجلة الثقافة العربية - مجلة أدبية -شاملة - - نهتم بكافة النصوص الأدبية سواء كانت شعر أو نثر أو قصة أو مقال إلخ -- نمد إيدينا لنشر جمال اللغة العربية لغة الضاد ومساعدة المواهب الأدبية رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبادة الفيشاوي
»
السابق
رسالة أقدم
«
التالي
رسالة أحدث
التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات :

ترك الرد

close
Banner iklan disini