أَغْضَــــتْ بِســـِفْرِيَ إجـــلالاً لــــه الألِــفُ
وكلُّ حــــرفٍ بِسِـــفْري قَــــــلبُــهُ يَـجِــفُ
تَجَمَّد البَـــــوْحُ مَـــــذْهُــولاً عــلى شَفتِـي
فأيُّ شِعرٍ يفي ؟ مَنْ حُســنـــَهُ يَصــــفُ ؟
وأيُّ وَحْــــيٍ بـــغــــارِ الــــرُّوح يَمنــحُنِي
معنىً قَــشــيــبـــاً كَــبِـكْرٍ زَانَها الشَّرَفُ ؟
..مازلتُ حَيْرانَ فـي كهـــفِ الْخــيالِ, ولم
أُبْصِرْ سَنــــا صـــُوَرٍ , تــغشانِيَ السُّجُفُ
حــتّـــى أتـــانِي بُــــراقُ الــشِّعـــرِ مُؤْتَلِقَاً
وطــــار بِـــي نـــحـــو أُفْـــقٍ روضُهُ أُنُفُ
وجُـــزْتُ كــــلَّ سَـــمواتِ الــبـــيانِ إلـــى
أنْ بِــــتُّ مــــن سِــــدْرَةِ الإبــداع أَقتطِفُ
فصغتُ في مدْحِ مَنْ أهدى الوجـودَ هُـدىً
وعَــــمَّ كـــــلَّ الــــبـــرايــــا ظِلُّه الـوَرِفُ
عِـــقــــدَاً فـــريـــداً بِـــجِيْدِ الْخُلْدِ شَعَّ سَنَاً
كـــلــــؤْلـــؤٍ سَـــلْسَـــلَتْـــهُ الأعيُنُ الذُّرُفُ
و أســــكـــرتْــنِيْ قـــوافٍ مِـــنْــهُ عَطَّرهَا
ذِكْــــرٌ , وعَــتَّـــقَـــها فـي خافقي الشَّغَفُ
فهَيّم الــــرُّوحَ , أَسْبـــَى اللُّـــبَّ ، تــَيَّمَنِي
وفــــي رياض دمــــي كـــم غرَّدَ اللََّهَفُ !
وقـــبـــلـــَه مــــا ســـَبــــاني الرّيْمُ مُلتَفِتَاً
في عـــينـــه حَــــوَرٌ , فــــي قََــــدِّهِ هَيَفُ
وما شَـــجَـــــانِي هَــــدِيلٌ , أو بَكيتُ على
رَسْمٍ , وقلتُ لصحبي : فــي الطُّلُولِ قِفُوا
ولم يهيِّجْ بِــيَ الـــذِّكرى نســيـــمُ صَـــبَــاً
سِيَّانِ عـــنـــدي أطــــالَ الـــبعـدُ أم أزِفوا
أتيتُ قُبَّتَهُ الْخضراءَ مُمْتطِيَاً
لواعجي نُجُبَاً, والصَّدْرُ يَلْتَهِفُ
وما وصلتُ إلـى أعتـابِـهِ وَلِهاً
إلا غدوتُ بسيلِ الدّمعِ أنْجَرِفُ
ولم تقاومْ بطوفانِ الهوى سُفُنِي
لا عاصمٌ وبِموجِ الوجْد أُخْتَطَفُ
فذبتُ لَمّا بدتْ أنوارُه ولِهَاً
وانداحَ بين القِباب الْخافِقُ الدَّنِفُ
مُوَضَّأً بِهوىً , مُضَمَّخَاً بشذاً ,
مُدَثَّراً بِجَوىً, بالْحُبِّ يَلْتَحِفُ
وانسلَّ من قَفَصِ الأضلاعِ مُبْتَهِجَاً
يطوفُ عندَ الْحِمَى صَبَّاً ويعتكِفُ
.. فليتَ فُلْكَ النّوى تجري وتتركني
بروضه ,وزماني عندَه يَقفُ
سَلِ البسوسَ سَلِ الغبراءَ كيفَ قَضَوا
غَرْقَى ببحرِ دمٍ ماجتْ بِه الجِيَفُ
وكم بكى الرَّملُ , شابَ النَّخْلُ , ناحَ على
فراشةٍ وُئِدتْ والبِيْدُ تلتقفُ !
لِمِخلبِ الموتِ لا للمهدِ سَلّمها
أبٌ ولا رحمةٌ تنهى ولا أَسَفُ
...ليلٌ من الظلم في بِيْدِ القلوب ِسَجا
وقد طغى سفهاً في الأنفسِ الصَّلَفُ
وفي العقولِ سَقى الشّيطانُ حَنْظَلَهُ
فأمرعَ الزّائغانِ السّحرُ والخرَفُ
...للبيتِ ربٌّ وعامَ الفيلِ أبرهةٌ
أتى بكيدٍ وإذْ بالفيل يَنْصرفُ
ما السِّرُّ في العام بل في بطن آمنةٍ
ينمو ضياءٌ لِشَمْسٍ ليس تَنْكَسِفُ
مُحَمَّدٌ ..واستنارتْ يومَ مولدهِ
قصورُ بُصرى ,وعرشُ الفرسِ يَرتجِفُ
فأخْمدَ النُّورُ نيرانَ الْمجوسِ, كَسَا
دياجرَ الوهم حقاً فانجلى السَّدَفُ
والسَّعدُ وافَى بني سَعْد بِمقدمِهِ
فأعشبَ الرَّملُ , طابَ العيشُ , لاشَظَفُ
وشقَّ جبريلُ زهرَ الصَّدرَ دونَ مُدَىً
وطَهَّرَ القلبَ كي لا ذنبَ يُقترَفُ
ففاضَ طُهراً,ومن أخلاقِهِ انْبَجَسَتْ
عيونُ حِلمٍ وَصِدْقٍ والوَرى رَشَفُوا
وقام يبني صروحَ العدلِ باسقةً
فصارَ من خصمه المظلومُ ينتصفُ
وشادَ حباً بقلب الخلق من أَزَلٍ
وفيه هامتْ بأصلاب الْمَدى النُّطَفُ
فلا البدورُ تُساوي قَدْرَه شَرَفاً
وأبْحُرُ الْجودِ من يُمْنَاهُ تَغْتَرِفُ
ولا التفاعيلُ تَحوي طيبَ سِيْرته
ولو غدتْ أبحراً في مدحه الصُّحُفُ
مُظَلَّلٌ حِيْنَ تَمشي بالغَمام فما انْـ
ـعطفتَ إلا عليكَ الظّلُّ ينعطفُ
وفاحَ كلُّ طريقٍ قد سلكتَ شذاً
وسَلَّمَ الصخرُ , بل حَفَّتْ بِكَ السَّعَفُ
وآمنَ الضَّبُّ , والجذعُ الْمَشوقُ بَكى
وبالنُّبُوَّةِ جاءَ العِذْقُ يَعترفُ
ألستَ مَن وطئت أقدامُه أُحُداً
فاهتزَّ من فرحٍ رُكناهُ والوَكَفُ ؟
وفاضت الكَفُّ شَهْداً للصِّحابِ بلا
عصاً كموسى ولا هَطَّالَةٍ تَكِفُ
بلمسةٍ كنتَ تَشفي العينَ إنْ رَمَدَتْ
وَدَرَّ للشاةِ ضَرْعٌ شَفَّهُ النَّشَفُ
ظَلَلْتَ تدنُو وترقى في الطِّباقِ إلى
نورٍ , إلى السِّدْرَةِ العصماءِ تزدَلِفُ
وما طغى بصرٌ أو زاغَ... عُدتَ إلى
ذاك الفراشِ ولم تبرُدْ بهِ اللُّحُفُ
ويومَ خيبرَ سَمّتْ شَاتَك امرأةٌ
فأخبرتكَ بكيد الْمرأة الكَتِفُ
أصونُ حُبي لِطَهَ بينَ أوردتِي
كلؤلؤٍ صانَهُ في الأبْحُر الصَّدَفُ
..ويضحكُ الشيبُ في فَودِي ولَمحَ سَنَاً
يسافرُ العُمْرُ , يُضْنِي روحيَ التَّلَفُ
فَمَنْ شفيعي وبحرُ الذَّنبِ يُغرقني
إلا محمدُ تحتَ العرشِ إذ يقفُ ؟
ومَن سواه سيروي غُلَّتِي شَبِمَاً
من حوضه العذبِ إن أضنانِيَ السَّهَفُ ؟
في الذكر صلى عليه الله مُمْتدحاً
وقبلُ ضاءَ به الإنجيلُ والصُّحفُ
شعر : مصطفى قاسم عباس
في مجلة رابطة الأدب الإسلامي العدد ٨١