» » ثلاثُ سنين /بقلم- كوكب دياب




ثــلاثُ سـنـين يــا أمّـي مـضتْ بــي
ونــــارُ الــشـوق تُـحـرقـني بـقـلـبي

وحــزنــي يــسـلـبُ الآمـــالَ مــنّـي
وكــان الـمـوتُ أكـمـلَ فـيـكِ سـلبي

ولـــــي دمــــــعٌ إذا جــفّـفـتُـهُ لـــم
يــكـفَّ الـقـلـبُ عـن سَــحٍّ وسـكـبِ

أصـــارِعُ بُـــعْــدَكِ الــفــتّـاكَ غَــصـبًـا
فـيـأتـي صــارخًـا مـــن كـــلِّ حَــدبِ

ويَــرمـيـنـي عــلــى أمـــــواجِ بَــحْــرٍ
لـيـقـذفَني عــلـى أشـــواكِ دربـــي

فـصـرتُ أفــرُّ مـن نـفسي لـنفسـي
كــأنّــيَ لـــذْتُ مــن حـــربٍ بِــحـرب

ألا هـــبّــي إلـــــيَّ فـــمــا أعـــانــي
تَــجــاوزَ حـــدَّ مــــا يـسْـطـيعُ لُــبّـي

هــل الــذكـرى شــعـاعٌ مـــن بـعـيدٍ
عـــن الأشـجـان والأحــزانِ يُـنـبـي؟!

أم الأحـــزانُ تـخـبـو فــي ضـلـوعي
لـتـهتكَ مــن فــؤاديَ كـلَّ حُـجْبِي؟!

تَـجـمّـعَتِ الـلـيـالي فــي سـمـائي
ومــا عــادت تـضـيءُ ظـلامَ شـهبِي

وكــنـتُ أظــنّـهـا تــمـضـي بـحـزنـي
فـيـمـضي الــكـلُّ والأحــزانُ جـنـبي

هــــي الأيّــــامُ تــجـري دون حـــسٍّ
كــأن لــم تــدرِ مــا حـزنـي ومـا بـي

ولــســتُ أعــاتــبُ الأيّــــامَ شــيـئًـا
وقـد أمـسى عـلى الأحـزانِ عَـتبـي

لـقـد عَـمـرَتْ بــيَ الأحــزانُ سـجـنًا
ولــيـس ســـواكِ بـعـدَ اللهِ حـسـبي

ومـــا لــي غـيـرُ حــرفٍ مــن دمــوعٍ
تـــضــجُّ بـلـونـهِ صــفـحـاتُ كُــتْـبـي

يــكــاد الـحــزنُ يـنـفـخُ فــيـهِ رُوحًــا
وفـــي روحـــي يــركّـبُ ألــفَ كَـرْبِ

فـأنـتِ قـصـيـدتي والـحـزنُ حـرفـي
وأنــت عـروضـيَ الـثَّـكلى وضـربـي

فـمــا لـلـعُـمْـرِ بَــعْـدكِ صـــارَ وهـمًـا
وأمــســى دأبُـــهُ أسَــفًـا ودأبــي؟!

وأنــتِ، مُــذ ابـتَـدا عُـمـري، حـياتـي
وإن عــشـقَ الــفـؤادُ فــأنـتِ حـبّـي

سَـيـبقى الـقـلبُ فــي ذكــراكِ حـيًّا
ولــيـسَ الــحَـيُّ مِــن أكــلٍ وشـربِ

وقـلـبـي مُـــذ مَـضـيـتِ وأنـــتِ فـيـهِ
وعــنــدكِ أنــــتِ يـــا أمّــــاهُ قــلـبـي

فــإن أرسـلـتُ صـوبَكِ طـيرَ شـوقي
فـــقــد أرســلــتُـهُ يـــا أمِّ صــوبــي!

وإن جُــوزِيــتِ خــيــراً مـــن إلــهــي
فــأنــت جــزائــيَ الأحــلـى وربّـــي!

كــم اتّـسـعـتْ بـــكِ الـدنـيـا وأثْــرَتْ
ولــمّـا غــبـتِ عـنـها ضــاق رَحـبـي!

وَكــم صَــعْـبٍ بـقـربـكِ كـانَ سـهـلاً
وبَــعـدَكِ صــار مِــن صَـعـبٍ لـصَـعبِ!

أحـــاولُ أن ألامِــــسَ مــنــكِ طـيـفًـا
وأنـــــتِ بــعــيـدةٌ عــنــي وقــربــي!

ألامُ عـلـى الأســى مـن غـير ذنــبٍ
ولــــي قــلــبٌ يــئــنُّ أنــيــنَ صـــبِّ

فــإن لَــم يَــدْرِ كــلُّ الـنـاسِ مـا بـي
فـقـد أخـبـرْتُ كــلَّ الـكـونِ مَـن بــي

أتــدفـنُ جـنّـةٌ فــي الأرضِ والـحُـبُّ
يُــلــقـى بـــيــنَ أحــجــارٍ وتُــــرْبِ؟!

أتُــــودَعُ مُــهْــجَــةٌ مــنــهـا رَغــامًــا
ورقّـــتُــهــا نُـــواريـــهـــا بِـــصُــلْـــبِ

وكــيــفَ لـقـلـبِـهـا الــخـفّـاقِ ذِكْـــرًا
يُــوارى ذِكْــرُهُ فــي قـلـبِ هَـضـبِ؟!

وكـــيــفَ لــوجْـهِـهـا الـــوَهّــاجِ نُــورًا
تُــكَــفِّـنُ نُــــورَهُ ظُــلُـمـاتُ غَــيْــبِ؟!

وفــي هــذي الـفـيافي كـيـفَ أحـيـا
وقـــد كــانـت مـــوارد كـــلِّ عــذبِ؟!

وكــيــفَ لــذلــك الـــيــومِ احــتـمـالٌ
لـخـطـبٍ مـثـلِـهِ بـالـحـزنِ خَــصـبِ؟!

هـلِ الـذكرى هـيَ الـتّذكيرُ فـي مـا
الـزمـانُ يـعـيدُ مِــن حـزنِ الـمُحِبِّ؟!

وهـــل أنــسـى لأذكــرَ مـنـه شـيـئًا
وذاكــرتـي تُـسـجِّلُ كــلَّ مــا بــي؟!

وهـل أنـسى الـتي أسـمو بـها مُـذْ
غـــدوتُ بـظـلّها مـقـباسَ شـهـبِ؟!

فـكـم ضـحّـت وكـم عـانـت لأجـلـي
وقــدْ خـاضـتْ لأجـلي ألـفَ حـربِ؟!

فــمــا الــخـسـران إلا مــــوتُ أمّـي
وذي الحَسَراتُ أمستْ كلَّ كَسْبِـي

وقــــد أفــنــيـتِ يـــا أمّــــاهُ عــمــرًا
لِـتُـحْـييَ فــي حـيـاتيَ كــلَّ جَــدْبِ

فـكـنـتِ سـمـاءَ أرضـي يَــومَ غـيـثٍ
وفـي جَـدبِ الأمـاني كـنتِ سُحبـي

وكــنــتِ دواءَ قــلـبـي مـــن عــضـالٍ
ومــــا أحــتــاجُ مــــن عَــــونٍ وطــبِّ

أمـــا كــانــت حــيـاتُـكِ لـــي حــيـاةً
وكــلَّ الأهـلِ كـنتِ وخـيرَ صـحْبـي؟!

وكـــــان وجُـــودُكِ الــدنـيـا جـمـيـعًـا
ومـــا وَسِـعَـتْـهُ مــنْ شــرقٍ لِـغـرْبِ

وكــنـتِ مَـلـيـكتي إنْ حُـــزتُ مُـلْـكًـا
وحـضْـنُكِ كــانِ مـمـلكتي وشـعـبـي

رحـلْــتِ وراحَ مــنّــي كـــلُّ مُـلـكـي
ولــم تُـبـقي سـوى حُـزني وحُـبّـي

وكــنــتُ أطــيــرُ مِـــن حُــلـمٍ لـحُـلـمِ
وصِــــرتُ أفــــرُّ مِــــن كَـــربٍ لــكَـرْبِ

ومـــــن لــيــلٍ إلـــى لــيــلٍ أرانـــي
وإن أنـــهــضْ فــمــن جُـــبٍّ لــجُــبِّ

ســـوادٌ فـــي ســـوادٍ فـــي ســـوادٍ
حــيـاتـي والــدُّنـى وسَـــوادُ قـلـبـي

ولـــــم يَـــــكُ لــلـبـيـاضِ إلـــيَّ دربٌ
بـغـيـر الـشـيـبِ حــتّـى زار هــدبـي

فـــإن يـفـتـحْ إلــيـكِ الـشـيـبُ دربًـــا
فــيــا أهـــلاً ويـــا ســهـلاً بـشـيـبي

أحَــــيّـــيـــهُ وأكــــرِمُــــهُ لـــعـــلِّـــي
أصـــيـــرُ إلـــيـــكِ آمـــنــةً بــســربـي

فــمــا دُنــيــايَ دونـــكِ غــيـرُ مـــوتٍ
وبُـعـدكِ عــن جـفـوني كـلُّ خـطبــي

وجــــودكِ يَــعــدلُ الأكـــوانَ عــنـدي
ومـــا لــي فــي غـيـابكِ غـيـرُ رَبّــي

وأمــــرُ الــمـوتِ فـــي الأحــيـاءِ جِـــدٌّ
ومــــا الــدنـيـا ســـوى لــهـوٍ ولــعـبِ

يـحـدّثـنـي لــسـانُ الــمــوتِ عـنـهـا
بـــــــأنَّ جــمــالَــهـا تُــــربٌ بـــتُــربِ

أحــبّــك أُمَّــتَــا مـــن قــلـب قـلـبــي
وأكـــــرهُ بـــعـــدَ حـــبِّــكِ أيَّ حُــــبِّ

فـــحــبِّــكِ ذاك لــــــي فــــــرحٌ ورَوحٌ
وكـــــــلٌّ غـــيـــرُهُ كـــــذبٌ بـــكـــذبِ

ومــهــمـا قـــيــلَ إنَّ الــمــوتَ بُــعــدٌ
فـــإنّــكِ فــــيَّ يــــا أمّـــي وقــربــي

فـــإن كـانـت حـيـاتـي فــيـكِ حـيـنًـا
فـقـد أمـستْ حـياتُكِ وسـطَ قـلبــي!

وبـتْـنـا واحـــدًا فـــي الــحـبِّ حـتّـى
إذا مـــا حـــلَّ خِـلـبَـكِ حـــلَّ خِـلْـبي

فـكـيف أطـيـقُ بـعـدكِ عــن فــؤادي
ونـبـضُكِ فـيـهِ روحَ الــروحِ يَـسبـي؟!

أخِــفْــتِ عـلَـيَّ مــمّـا صِــرتِ فــيـهِ
فـصرتُ إلـيكِ أقـضي فـيكِ نـحبـي؟!

إلـهــي رحــمــةً عَـــددَ الـــذي قــد
خـلـقتَ مـن الـنَّوى فـي كـلِّ قـطبِ

ومــــا كــوّنــتَ مـــن حـــيٍّ ومــيـتٍ
ومــــــا أنـــشــأتَ مـــن ذرٍّ وحَـــــبِّ

فــحـسـبـيَ أمِّ أنّــــكِ أنــــتِ أمّــــي
وأنّــــــكِ جــنّــتــي وربـــيــعُ حُـــبّــي

وحَـسـبي أنّـنـي ابْـنـتُكِ الـتـي لــم
تُــحـاكِ سِـــواكِ مِــن عُـجْـمٍ وعُــرْبِ

ســقـى الـرحـمن روضًــا أنــتِ فـيـه
ومـــا يـغـشـاهُ مـــن زهــرٍ وعـشـبِ

فـــأنــتِ لــرحـمـةِ الــرحـمـن وجــــهٌ
ومــنـكِ رضـــا الإلـــهِ وعَــفْـوُ ذنــبـي

فــحـسـبـي أنَّ لــــي ربًّــــا رحــيـمًـا
وأنّــــكِ مــنــهُ فــــي وصْـــلٍ وقـــربِ

وحــسـبُـكِ أن رَحــلـتِ إلــيـهِ رُوحًـــا
وقــلـبُـكِ بــاسـمـهِ الأعــلـى يُـلـبّـي

ونِـــلــتِ بــجـانـبِ الــرَّحـمَـنِ رَوحًـــا
ورَيْــحـانـا فَـحَـسْـبُـكِ ذا وحـسـبــي!


13 شباط 2020

عن مجلة الثقافة العربية أزمان هاشم

مجلة الثقافة العربية - مجلة أدبية -شاملة - - نهتم بكافة النصوص الأدبية سواء كانت شعر أو نثر أو قصة أو مقال إلخ -- نمد إيدينا لنشر جمال اللغة العربية لغة الضاد ومساعدة المواهب الأدبية رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبادة الفيشاوي
»
السابق
رسالة أقدم
«
التالي
رسالة أحدث
التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات :

ترك الرد

close
Banner iklan disini