» » دلالة الشعر و صياغته بقلم : الشاعر/ أحمد السيد


 ثلاثة أعلام في العربية من القرنين الثاني و الثالث الهجريين هم مفاتيح هذه السطور في الشعر دلالة و صياغة .


أوّلهم  محمود الورّاق القائل : 

ه.................................................


1- يا أَيُّها المُتعِبُ بُزْل الجِمال


وَطالبَ الحاجاتِ مِن ذي النَوال 


2- لا تَحسَبَنَّ المَوتَ مَوتَ البِلى


فَإِنَّما المَوتُ سُؤالُ الرِجال


3-  كِلاهُما مَوتٌ وَلَكِنَّ ذا


أَشَدُّ مِن ذاكَ لِذُلِّ السُؤال


4- نَهيمُ بِالدُنيا وَنَلهو بِها


وَإِنَّما الدُنيا كَفَيِّ الظِلال


5- بَينا تَرى الفَيءَ عَلى حالِهِ


مُعتَدِلاً إِذا مالَ بَعدَ اِعتِدال


6- كَذَلِكَ الدُنيا وَتَصريفُها


تَميلُ بِالإِنسانِ حالاً فَحال


و فحوى قوله في هذه القطعة : 

ه....................................................


أيها المنتقل سفرا بإبله من مكان إلى آخر  بحثا عن الكرماﺀ .. اعلم أن الموت ليس هو الفناﺀ  و 

لكنه  الاستجداﺀ 

و الدنيا عابرة كانتقال الظل فلا تستحق أن تذل نفسك فيها بسؤال الآخرين عطاﺀ و نوالا 


و هذه المعاني حكمية أخلاقية يمكن إيجازها في كلمة : الاستغناﺀ عن الناس عز و سؤالهم مذلة . 


و هذا النصح الحكمي نال إعجاب أحد شيوخ العربية في الكوفة و هو أبو عمرو الشيباني و عدّ هذه الأبيات نموذجا للشعر المطلوب . 


على أن الجاحظ ( و الشيباني من أساتذته ) خالف شيخه في هذا و سخر من محمود الوراق نافيا عنه إمكانية قول الشعر ( مع أن أبياته موزونة مقفاة تخلو من أخطاﺀ المعاصرين في النحو و الصرف و الإملاﺀ و المعجمية و الوزن ) 

ففي رأي الجاحظ أن الوراق لايمكن - أيضا-  أن يكون له ولد شاعر من بعده !!! 

أظنه - بلغة العلم في عصرنا - ينفي عن خلاياه و صبغياته و جيناته توريث الشعر ..   فوريثه من صلبه لا بد أن يكون مثله ... 


الممكنات الشعرية : 

ه..............................

 يرى الجاحظ أن الشعرية لا تتولد من سياق المعنى و إن كان موزونا مقفى بمعزل عن فنّية الشعر   . 


و للتوضيح أقول : 

إن صانع الفخّار أو الزخارف الجصّية قد يكون فناناً مبدعا رغم رخص المادة التي يستعملها . و أما بائع الذهب فمادته نفيسة قيّمة و قد تكون في شكل سبائك لا فنّ في تشكيلها و لا إبداع ..

فالمادة لدى هذين الرجلين مثال عن المعاني 

و فن التشكيل بمثابة الصياغة الجمالية . و عليه يمكن أن نجد في الإنتاج المنسوب إلى الشعر الممكنات التالية : 

1 - النص متواضع  القيمة الدلالية و الجمالية معاً 

كقول من قال : 

ما أصلب الصخور 

ما أكبر البحار   ! 


و الوقت بعد الليل 

ندعوه بالنهار   ! 


2- النص رفيع القيمة الدلالية متواضع الصياغة الجمالية 

كقول القائل : 


الشمس تشرق في الصباح فحاذرَنْ  


من أن تظن الليلَ ليسَ يزولُ 


3- النص متواضع القيمة الدلالية بهي الصياغة الجمالية 

كهذا القول : 


هيهات منّي اليأسُ  فالآمالُ 


منّي تَدَفَّقُ و المُحالُ مُحالُ 


4- و النص الأسمى هو الجامع بين سمو الدلالة و مهارة الصياغة الجمالية 


كقول البردوني عن منطلق  الثورة ضد الاحتلال الإنجليزي لجنوب اليمن ( جبل ردفان ) : 


رَدْفانُ نادى أن أذو  دَ و أن احيلَ الصعبَ سهلا 


فحملتُ رأسي في يدي   كي لا تكون الكفُّ رِجلا 


رأي الجاحظ : 

ه...................

و بالعودة لأبيات الوراق نجد أنها من النصوص الدلالية لا الجمالية 

و لهذا لقيت إعجاب الشيباني و سقطت عن تعريف الشعر عند الجاحظ الذي يرى أن المعاني مطروحة في الطريق يعرفها العجمي والعربي والبدوي والقروي  ( المدني) 

 وإنما الشأن في إقامة الوزن وتخير اللفظ وسهولة المخرج وكثرة الماء , وفي صحة الطبع وجودة السبك 

فإنما الشعر صناعة وضرب من النسج وجنس من التصوير  .


فالشعر عند هذا الأديب العربي الألمعي ( صناعة و نسج و تصوير  ) 


و ما أبلغ قوله : كثرة الماﺀ ! 


فحين تنظر إلى روضة كثيرة الماﺀ ترى علامات الخصوبة جمالا لا يدانيه جمال : ازهارا و ثمارا و طيورا و فتنة تخلب الألباب .. لذة للناظرين . 


فتأمل نضج مفهوم الشعر  عند العرب قبل أكثر من اثني عشر قرنا و راجع ما تظن أنه شعر لأنه موزون مقفى و قد يكون من سقط الكلام . 

فضلا عن قرزمات متعثرة في الأساسيات نحوا و معجما و إملاﺀ و وزنا محاطة بالغرور التافه المريض ! 


حلب : 2020/12/17م


عن مجلة الثقافة العربية أزمان هاشم

مجلة الثقافة العربية - مجلة أدبية -شاملة - - نهتم بكافة النصوص الأدبية سواء كانت شعر أو نثر أو قصة أو مقال إلخ -- نمد إيدينا لنشر جمال اللغة العربية لغة الضاد ومساعدة المواهب الأدبية رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبادة الفيشاوي
»
السابق
رسالة أقدم
«
التالي
رسالة أحدث
التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات :

ترك الرد

close
Banner iklan disini