دَخَلَ إِلى مَخْدَعي هذا المساء الشاحب شَبَحُ رَجُلٍ غَريب ٍ, بادي الانكسارِ لَيْسَ لِوَقْعِ عَصاه صَوْتٌ على أرضيةِ غُرْفَتي الغارِقَةِ في الصَّمْتِ ، دون اسْتِئْذانٍ ولا تَحِيَّةٍ وبِدونِ أَدْنى حَرَجٍ . تَقَدَّمَ مِنْ مَكْتَبي ، سَحَبَ كُرْسِيَّ الْخَشَبِيَّ وَعَدَّلَ عَلَيْهِ وِسادَةَ الْقَشِّ الْمُعَبَّدَةَ ، ثُمَّ جَلَسَ بِهُدوءٍ . مَدَّ بَصَرَهُ إِلى الْخارِجِ عَبْرَ نافِذَتي الْواطِئَةِ . كانَ يَبْحَثُ عَنْ شَيْءٍ ما . وَلَمْ يَكُنْ ذلكَ الشَّيْءُ في ظَنّي سِوى فِكْرَةٍ أَوْ صورَةٍ شارِدَةٍ . اِلْتَفَتَ الزّائِرُ الْغَريبُ إِلى يَمينِهُ فَلَمَحَ فِنْجانَ قَهْوَتي الصَّباحِيَّةِ ، رَفَعَهُ وَنَظَرَ بِداخِلهِ لَيَرْشُفُ مِمّا بَقِيَّ فيهِ بِشَهِيَّةٍ بادِيَّةٍ . وَكَأَنَّ ذلكَ ما كانَ يَنْقُصُهُ إِذْ سُرْعانَ ما تَناوَلَ قَلَمي ، أَمامَ دَهْشَتي فَأَخَذَ يَكْتُبُ في نَفْسَ الْكُرّاسَةِ التي أُسَوِّدُ عَلَيْها أَشْعاري . في هذِهِ اللَّحْظَةِ ضاعَفْتُ مِنْ انْتِباهي إلى الزّائِرِ الْحَزينِ ، فَرَأَيْتُ ثَلاثَ دَمْعاتٍ أَوْ أَرْبَعاً تَسْقُطُ مِنْ عَيْنَيْهِ عَلى إيقاعٍ وَئيدٍ تَلْمَعُ عَلى ضَوْءِ الِمِصْباحِ النّاعِسِ وَتَسْتَقِرُّ بَيْنَ الْكَلِماتِ التي خَطَّها بِلا عَجَلٍ . بَعْدَ ذلكَ اسْتَسْلَمَ الرَّجُلُ لِنَوْبَةِ سُكونٍ مُريبَةٍ جَمَّدَتْني ، وَبَقيتُ وَجِلاً مُرْتَبِكاً قَبْلَ أَن أَقومُ حَذِراً وَبِبْطْءٍ بالِغِ مُتَقَدِّماً نَحْوَهُ مَدْفوعاً بِشُحْنَةِ كَبيرَةٍ مِنَ الإشْفاقِ وَقَدْ تَدافَعَ الدَّمْعُ إِلى عَيْنَيَّ الْقاحِلَتَيْنِ حَتّى غامَتِ الْغُرْفَةُ أَمامي ، أَمْسَكْتُ بِطَرَفِ الْكُرْسِيِّ ، وَمَدَدْتُ يُمْنايَ لِأُرَبٍّتَ عَلى كَتِفِ زائِري الْغَريبِ غَيْرَ أَنَّني لَمْ أُلامِسْ غَيْرَ الْفَراغِ . وَبَدا الْكُرْسِيُّ خالِيّاً كَما تَرَكْتُهُ مُنْذُ الصَّباح . هَبَّتْ ريحٌ مُفاجِئَةٌ حَرَّكَتْ جَناحَيْ نافِذَتي وَلَفَحْتُ بِبُرودَةِ الْمَساءِ وَجْهي فَانْتَشَلَتْني مِنَ الْوُجومِ ، لِأَتَطَلَّعَ بِهَلَعِ إِلى سَطْحِ الْمَكْتَبِ . على صَفْحَةٍ مِنْ كُرّاسَةِ أَشْعاري رَأَيْتُ قَصيدَةٌ صَغيرَةً ، أَسْطُرُها تُشْبِهُ آثارَ قَدَمَيْ طِفْلٍ عَلى مَمْشى يُغَطّيهِ الثَّلْجُ . وَكانَتِ الدَّمْعاتُ الثَّلاثُ أَوِ الْأَرْبَعُ قَدْ اخْتَرَقَت طَبَقَةَ الثَّلْجِ السَّميكَةَ وَأَحْدَثَتْ ثُقوباً سَوْداءَ مُتَفَرِّقَةً كَأَنَّها أَعْيُنُ دُنْيا مُنْقَرِضَةٌ تُحَدِّقُ إِلَيَّ بِمَرارَةٍ.
الاثنين، 7 نوفمبر 2016
زِيارَةٌ – بقلم- عبد العالي النميلي- المغرب
دَخَلَ إِلى مَخْدَعي هذا المساء الشاحب شَبَحُ رَجُلٍ غَريب ٍ, بادي الانكسارِ لَيْسَ لِوَقْعِ عَصاه صَوْتٌ على أرضيةِ غُرْفَتي الغارِقَةِ في الصَّمْتِ ، دون اسْتِئْذانٍ ولا تَحِيَّةٍ وبِدونِ أَدْنى حَرَجٍ . تَقَدَّمَ مِنْ مَكْتَبي ، سَحَبَ كُرْسِيَّ الْخَشَبِيَّ وَعَدَّلَ عَلَيْهِ وِسادَةَ الْقَشِّ الْمُعَبَّدَةَ ، ثُمَّ جَلَسَ بِهُدوءٍ . مَدَّ بَصَرَهُ إِلى الْخارِجِ عَبْرَ نافِذَتي الْواطِئَةِ . كانَ يَبْحَثُ عَنْ شَيْءٍ ما . وَلَمْ يَكُنْ ذلكَ الشَّيْءُ في ظَنّي سِوى فِكْرَةٍ أَوْ صورَةٍ شارِدَةٍ . اِلْتَفَتَ الزّائِرُ الْغَريبُ إِلى يَمينِهُ فَلَمَحَ فِنْجانَ قَهْوَتي الصَّباحِيَّةِ ، رَفَعَهُ وَنَظَرَ بِداخِلهِ لَيَرْشُفُ مِمّا بَقِيَّ فيهِ بِشَهِيَّةٍ بادِيَّةٍ . وَكَأَنَّ ذلكَ ما كانَ يَنْقُصُهُ إِذْ سُرْعانَ ما تَناوَلَ قَلَمي ، أَمامَ دَهْشَتي فَأَخَذَ يَكْتُبُ في نَفْسَ الْكُرّاسَةِ التي أُسَوِّدُ عَلَيْها أَشْعاري . في هذِهِ اللَّحْظَةِ ضاعَفْتُ مِنْ انْتِباهي إلى الزّائِرِ الْحَزينِ ، فَرَأَيْتُ ثَلاثَ دَمْعاتٍ أَوْ أَرْبَعاً تَسْقُطُ مِنْ عَيْنَيْهِ عَلى إيقاعٍ وَئيدٍ تَلْمَعُ عَلى ضَوْءِ الِمِصْباحِ النّاعِسِ وَتَسْتَقِرُّ بَيْنَ الْكَلِماتِ التي خَطَّها بِلا عَجَلٍ . بَعْدَ ذلكَ اسْتَسْلَمَ الرَّجُلُ لِنَوْبَةِ سُكونٍ مُريبَةٍ جَمَّدَتْني ، وَبَقيتُ وَجِلاً مُرْتَبِكاً قَبْلَ أَن أَقومُ حَذِراً وَبِبْطْءٍ بالِغِ مُتَقَدِّماً نَحْوَهُ مَدْفوعاً بِشُحْنَةِ كَبيرَةٍ مِنَ الإشْفاقِ وَقَدْ تَدافَعَ الدَّمْعُ إِلى عَيْنَيَّ الْقاحِلَتَيْنِ حَتّى غامَتِ الْغُرْفَةُ أَمامي ، أَمْسَكْتُ بِطَرَفِ الْكُرْسِيِّ ، وَمَدَدْتُ يُمْنايَ لِأُرَبٍّتَ عَلى كَتِفِ زائِري الْغَريبِ غَيْرَ أَنَّني لَمْ أُلامِسْ غَيْرَ الْفَراغِ . وَبَدا الْكُرْسِيُّ خالِيّاً كَما تَرَكْتُهُ مُنْذُ الصَّباح . هَبَّتْ ريحٌ مُفاجِئَةٌ حَرَّكَتْ جَناحَيْ نافِذَتي وَلَفَحْتُ بِبُرودَةِ الْمَساءِ وَجْهي فَانْتَشَلَتْني مِنَ الْوُجومِ ، لِأَتَطَلَّعَ بِهَلَعِ إِلى سَطْحِ الْمَكْتَبِ . على صَفْحَةٍ مِنْ كُرّاسَةِ أَشْعاري رَأَيْتُ قَصيدَةٌ صَغيرَةً ، أَسْطُرُها تُشْبِهُ آثارَ قَدَمَيْ طِفْلٍ عَلى مَمْشى يُغَطّيهِ الثَّلْجُ . وَكانَتِ الدَّمْعاتُ الثَّلاثُ أَوِ الْأَرْبَعُ قَدْ اخْتَرَقَت طَبَقَةَ الثَّلْجِ السَّميكَةَ وَأَحْدَثَتْ ثُقوباً سَوْداءَ مُتَفَرِّقَةً كَأَنَّها أَعْيُنُ دُنْيا مُنْقَرِضَةٌ تُحَدِّقُ إِلَيَّ بِمَرارَةٍ.
0 التعليقات
المشاركات الشائعة
-
معارضة لنونية ابن زيدونَ الشهيرةِ (أضحى التنائي بديلاً من تدانينا).. لا يَرتوي الخَدُّ مِن صافي مَآقِينا ! وذا لَهيبُ الجوَى في الق...
-
إن عنترة بن شداد كان يعيش مأساة حبه لعبلة، لا يجرؤ أن يتقدم للزواج منها. حتى ظهر شأنه فأظهر حبه، وظل وفيا على هذا الحب ما امتدت به الحيا...
-
...... إبحار ..... من قالَ أني قد سلوتُ هواكِ وأنا الَّذي أُرسيِتُ في مَرساكِ فمضيتُ أُبحرُ والحنينُ يشُدُّني قلبي شِراعٌ يرتجي لُقياك...
-
الضرائر الشعرية : مفهومها ، موجز تاريخها ، أهمها ( حلقتان) كريم مرزة الأسدي تعريف ا الضرائر الشعرية : هي مخالفات لغوية ، قد يلجأ إل...
-
سفير الرسول مصعب بن عمير . رسول الله .. أرسله فقاما يجوب الدرب مؤتلقا هماما . سفير لا يهاب الصعب شهم تولى الأمر مقداما عصاما . . و...
-
العشق يدفق من قلبي لأوراقي هذا لأنك ِ في أعماق أحداقي * يهتزُّ عند ندى عينيك ِ لي كبدٌ فيشرب القلب ما في جعبة الساقيِ * حملتُ كاسَك ...
-
لغتنا الجميلة العروض و القافية البحث الرابع كنا تحدثنا عن القافية و حروفها : الروي و ألف التأسيس . كما تحدثنا عن أنواعها و قواعدها...
-
ولدت عفيفة الحصني في دمشق يوم 15/12/1918. عملت في مجال التعليم دون سواه، وألفت أو ساهمت في تأليف العديد من الكتب المدرسية.. لها العديد م...
-
لغتنا الجميلة في علم العروض و القافية البحث الثالث عيوب القافية تحدثنا في مقالات سابقة عن القافية و حروفها و العيوب التي تطرأ عليه...
-
نافذة على الشعراء العرب الشاعر الأول العرجي عبدالله بن عمر بن عمرو بن عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس ، الأموي القرشي ...