الثلاثاء، 20 يونيو 2017

انتباه- بقلم الكاتب عبد السلام الإبراهيم

إنتباه- بقلم الكاتب- عبد السلام الإبراهيم

جدي فارس لا يشق له غبار، يقضي يومه على صهوة فرسه، يرمح بين القرى والمزارع متحديا الفرسان بالسباقات، وكان على جدتي المسكينة أن تسد مكانه ، فتزرع وتقلع وتحصد في الحقل، وتطبخ وتغسل وتربي في المنزل، يساعدها في هذه الأعمال الشاقة حمار جدي الأشهب.
في المساء يعود جدي إلى القرية، وبعد أن يتناول طعامه، يجلس في ( الربعة) ويتحلق حوله رجال القرية، يحدثهم عن مغامراته وانتصاراته ، وعن تعلقه بفرسه (أصيلة) وحماره الأشهب.
وفي أمسية طالما حدثني جدي عنها، وبينما كان عائدا إلى القرية لاحت له من بعيد تلك الآلة العجيبة ، التي أغرم بها من أول نظرة عندما شاهد الجنود الفرنسيين يمتطونها، أدهشته سرعتها وخفتها وقوتها والتفافها بكل مرونة .
أقترب منها بحذر ، فوجد عندها ضابطا فرنسيا ، في البدء بيّت في نفسه أن يقتله ويستولي على آلته العجيبة، فهو لطالما كرههم ومقت فجورهم وعنجهيتهم، ولكن الفرنسي سارعه بعرض مغري وقال:
سيارتي نفذ وقودها ..ما رأيك أن تعطيني فرسك مقابل السيارة ؟ .. إملأها بالوقود وسوف تعمل ، لا أريد المبيت في هذه البرية الموحشة ، واعطاه درسا موجزا عن كيفية تشغيلها وقيادتها.
لم يتردد جدي في قبول العرض، أعطاه لجام (أصيلة) وأخذ مفاتيح السيارة .
في صباح اليوم التالي عاد جدي ومعه عدة رجال يدفعون السيارة بأيديهم حتى اوصلوها البيت، وهناك تجمهرت القرية بل والقرى المجاورة بشيبها وشبابها، ونسائها وأطفالها، مندهشين، فرحين ، بمنظر السيارة ، ومما ضاعف في فرحتهم ذاك الصباح ، النبأ السعيد بجلاء آخر جندي فرنسي عن أرض البلاد، فأقيمت الدبكات والأفراح ، وذاع صيت جدي، وكيف استخلص السيارة من بين يدي الفرنسي الجبان ، حتى أصبح زعيما يستشيره الجميع في أمور البلاد والعباد.
أما عن السيارة ، فقد جلب جدي الوقود وملأها ولكنها لم تعمل وفشلت كل محاولاته لإيجاد من يستطع إصلاحها .
بعد أشهر وجهد مضني، وبعد أن كلفته ثمن أرضه كلها، أصلحها وقادها أخيرا ، وبقيت مشكلة صغيرة، كلما وضع فيها المفتاح وأداره ، وأراد أن ينطلق ، تقول له السيارة :
إنتباه.. المركب ترجع إلى الخلف.
إنتباه.. المركب ترجع إلى الخلف.
ومازالت تقول حتى اليوم.

التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات :

ترك الرد

close
Banner iklan disini