السبت، 9 سبتمبر 2017

قراءة – الأستاذ الناقد- محسن الطوخي القصة القصيرة - في تقاطع شارعين للأديب/ يوسف أحمد الجعفري

ليس أروع من نص يجيد صاحبه فن الإسقاط السياسي دون مباشرة أو افتعال. لا يخدش براعة التوليفة إلا تسمية التقاطع .
فلو أن الواقعة كانت عند تقاطع شارعي الكورنيش والسوق لتحققت الفكرة.
ففكرة النص لم تتحقق من اقتران الثورة بالحرية بالانتهاك البدني. بل بعنصرين فنيين على مستوى حرفية القص.
أولهما التماهي بين الإنسان والحيوان من ناحية، وبين الانتهاك البدني والمعنوي من ناحية أخرى. وربما نناقش ذلك العنصر لاحقا.
أما ثانيهما فهو الغياب، بمعنى الإقصاء. فالنص يربط بين واقعة مادية حدثت في التقاطع المذكور، وبين شخصية وهمية يقحمها السارد في السياق لكي يدفع المتلقي الى استقبال الواقعة في ضوء متغير يفترض أن يشوه بحضوره الوهمي مواقع وأدوار المشاركين في الحدث.
ويتحقق الإقصاء بكون الحضور المفترض هو حضور مغتال سلفا
ويمكن للقارئ افتراض أن نية الإقصاء إنما تتجه في ضمير الكاتب إلى الوعي، والوعي الجمعي بالتحديد.
والمرجعية في التأويل تتكئ على ثقافة القارئ وتوجهاته وميوله، فالفنان لا يقود القارئ إلى مفهوم بعينه . بل يمنحه إطارا يصلح ليؤطر به عناصر عالمه بمعزل عما يمكن أن يكون قد وقر بخلد الكاتب، بنية إعادة تشكيل العالم. وهو في ظني ما يجب أن يسعى إليه القاص الفنان عوضا عن يحكي حكاية.
وهي في المجمل توليفة فنية لا يقصد بها كما يدل السياق إزجاء رسالة ، أو عقيدة. بل هو خيال الفنان الجامح وكيف يحول عناصر الفكرة إلى معادلات لا تشبه الواقع ولا تحاكيه، بل تنسقها على الهيئة التي تحاكي صنع الطبيعة ذاتها. إذ تسعى إلى تحقيق القيمة بالمعني الجمالي الاستيطيقي ، دون النظر إلى أي منفعة. المح في نصوص صديقي الجعفري سعيا حثيثا نحو غاية تتسم بالأصالة، والوعي بما يميز القصة القصيرة - كفن - عن باقي فنون السرد. تقبل تحياتي وتقديري صديقي المبدع يوسف أحمد الجعفري.
--------------------
نص القصة:
في تقاطع شارعين

كان كلب وحيد يعبر الشارع في الساعة الثانية بعد منتصف الليل, حين دهسته السيارة الوحيدة المارة , لو تقدم خطوة أو تأخر لحظة , لكان الآن بينهم ينهش الجسد المكوم في تقاطع شارعي الثورة والحرية., لو تلفت قبل أن يعبر لشرب كوبين كاملين منعشين من الدم المراق , لو نفض عن رأسه تلك الهموم لأخذ لكلبته عظمة كبيرة مكسوة باللحم الطازج , لو لم يكن متعجلاً في عبور الشارع للذهاب إلى الخرابة , للبحث عن عشاء قبل الآخرين , لتوافر له طعام بلا صراع .
لو كان بينهم لما ترك الرأس المقطوع هكذا مدهوساً تحت الأرجل , كان سيصف وضع هذه الرأس المتدحرجة أسفل الأرجل بأنه وضع مشين لمعشر الكلاب , ولن ينهمك في الأكل قبل أن يُلقٍ خطاباً موجزاً ويروى حكاية مناسبة , ويفكر بجدية في أن يدفن الرأس المهان , فما كان يستطيع أن يتناول عشائه أمام هذه النظرة المستغيثة , وأمام هذا اللسان المتدلي في استجداء , والفم المفتوح بفزع , والأسنان المهشمة , والدم النازف , وقد يحاول أن يوزع اللحم بالتساوي , فهو كثير مبعثر , يكفى الجميع.
لو عاد لبيته لما روى ما حدث بتلك الطريقة الساخرة , وما قال مثلهم أنه حصل على طعامه عند تقاطع شارعي الثورة والحرية بسهولة , وما وصف الجسد المدهوس بأنه شهى , وما ابتسم وقال أنه لم يتصارع مع احد ولم يلطمه أحد .
لو مر بعدها أمام العظام المركونة قرب الرصيف , لما قال إنها تحمل ذكرى عشاء جميل , وإنما كان سيطرق رأسه أسفاً على صاحب هذه العظام , وربما وصفه بأنه صديق قديم أو جار عزيز , وربما لو كان وقته يسمح لسكب عليه دمعتين , ووقف دقيقة حداداً عليه , وندم على الجزء الذي دخل جوفه من جسده .
لكنه كان قد تلاشى تماماً تحت الأسنان النهمة , وتفرق داخل تلك البطون .
أحد قصص مجموعتي -خوف البرد-
التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات :

ترك الرد

close
Banner iklan disini