قالت الصغيرة بعد أن نفضت الغبار من أعلى كتف والدها: لقد رأيت الحب يتجول في بيتنا دون أن يستأذننا حتى إنه يتعمد ملاحقتي في الشارع وكلما وجهت قلبي في أي ناحية وجدته فيها منتشيا بالتضحيات المبذولة في سبيله.. فتعجب والدها وغشيته سنة من الدهشة !! ثم سألها: وهل يُرى الحب يا عزيزتي؟ نحن نشعر به ولا نراه فهو كالهواء تماما نتنفسه ولا تبصره أعيننا.
كانت تُفرغ الماء على يديه المتشققتين وهي تقول: إنني أرى أثر الحب غائرا في كفيك أراه جليا أمامي الآن
وأراه في طعام أمي الذي لا يعدو عن كونه صنفا واحدا يتكرر سبعة أيام في الأسبوع الواحد، ولكنه في كل يوم بطعم جديد ألذ وأشهى من سابقه، إن الحب لا يرى فقط؛ بل إنه يملأ بطني يا أبتي.. ألمسه في يد جدي حينما يمسح على رأس صديقتي (نورا) فيسلفها بعضا من حنان الأب الذي حرمت منه بعد أن مات والدها وهو يبحث عن رزق حلال ..
وأردده كلمات طيبات في حب الوطن خلف معلمتي ( زينب) في الحصة السابعة فهي رغم عناء يوم كامل لم تفقد صبرها ولا ابتسامتها الدافئة..
وأشمه في رائحة مخبز الحارة عندما أمرّ عليه في أيام الشتاء الباردة ويناديني العم (صدقي) ليعطيني وصديقاتي بعضا من خبزاته الطازجة الساخنة كان عِوضه في ذلك حب ضحكاتنا المتناثرة وضوضائنا العابرة في أرجائه بعد أن حُرم من نعمة الذرية..
إنني رأيت الحب يخطو فوق رؤوس الأزمات وكأنه الجندي الوحيد الذي بنجاته هُزم البؤس والشقاء في نفوس البسطاء والمتعبين، قال الأب بعد أن شمل صغيرته بين ذراعيه: كم أنت كبيرة بالحب يا صغيرتي!!