» » شعرنا اليوم إلى أين ؟ ( 2)- بقلم - أ- أسامة حيدر .

 يقول كونتيس هواتيوس فلاكس وكان شاعرا وناقدا  رومانياً " يجب على الشعر أن يقدّم السعادة والإرشاد ."
 مما لا شك فيه أنّ الفنّ أيّ فن يرتبط ارتباطا وثيقا بالواقع رفضا أو قبولا ؛ وازدهار الشعر أو ضعفه يعود إلى عاملين أساسيين بيّنهما الكاتب المغربي أحمد المعداوي :
* الحرية * الاحتكاك بالثقافة الغربية .
 ولم يتحقق هذا التطور في القصيدة القديمة إلاّ في العصر العباسي ؛ لأنّ النقاد كانوا من العاملين في مجال اللغة ولم يتسنّ للقصيدة العربيّة أن تتطور بسبب ربط هؤلاء القصيدة دائما بشكلها القديم والتقيّد بنهجها . ثمّ جاءت مدارس وتيارات في العصر الحديث مهدت لهذا
 التطوّر الذي نراه اليوم ومهّد التطور قصيدة الشعر الحرّ وقصيدة النثر وأشكالاً تلت ذلك كشعر الومضة بتسمياتها المختلفة .
ولكن ما نقرؤه اليوم يشكل ظاهرة غريبة فالكثير مما نقرؤه غثّ والقليل ثمين :
11_ يعيش الإنسان مرحلة من الضياع والتمزّق النفسي والاضطراب الداخلي والقلق الوجودي والغربة الذاتية والمكانية .
22_ يعاني الشاعر الحديث من الملل والضجر واللامبالاة ويظهر ذلك في شعره الذي يشكل سمفونية الضياع والانهيار النفسيّ والذوبان الوجوديّ بسبب من تردّي القيم الإنسانية وانحطاط المجتمع لما يحمل من قيم زائفة وهزائم متكررة . وخاصة الواقع اليوم وما تعانيه بلداننا العربية من تمزّق وتشرذم وانهيار وضعف واقتتال وحروب .
33_ إنّ ضياع القيم أدّى إلى الشكوك في كلّ شيء . هذا الشكّ انتقل إلى الشكّ في الحبّ الذي غدا زيفاً ووهماً ؛ الأمر الذي انعكس سلباً على الشعر لأنّ أغلب الفاشلين في علاقاتهم هذه أرادوا التعبير عنها وعن مرارتهم فكتبوا قصائد لا تمّت إلى الشعر بأيّ صلة ؛ وهذه الكتابات تتلقفها أيد لا علاقة لها بالشعر وأخذت تمدح وتثني . فانهالت الكتابات هذه كالمطر وضاع الحابل بالنّابل بسبب غياب النقد الجادّ الذي يقف حجرة أمام طغيان أعدادهم ؛ والكثرة منهم تمتلك اليوم مجموعات شعرية مطبوعة وتسمي نفسها بأسماء وألقاب .
يقول نزار قباني : "شعراء هذا اليوم جنس ثالث ؛ فالقول فوضى والكلام ضباب "
 فمن فضائل الأدب والشعر منه التعبير عن حوائج النفس ومعاني الأفكار . وبناء على ذلك فالأدب يعتمد على الإيصال والوصول إلى الآخر بأسلوب جماليّ ينفذ إلى القلب والوجدان . فهل تصل القصيدة فعلاً إلى الآخر ؟ وإن كان نعم فمن هو هذا الآخر وما نسبته ؟
القصيدة اليوم أصبحت ألغازاً وأحاجي فكيف تصل ؟
فأغلب نصوص اليوم تدخل ضمن السريالي والرمزي والغرائبيّ والمخيالي .
 الغموض جميل وقد قلت ذلك سابقاً في مقالة " رأي في الشعر والشعراء " ولكنه إن وصل إلى مرحلة الإبهام فهل ننتظر من القارئ أن يصفق وهو لم يفهم شيئاً ؟ أو ننتظر منه أن يظنّ أنّ الشاعر كان مستواه فوق مستوى القارئ .
هل ننسى أنّ نزار قباني والمتنبي ووووو الماغوط لم يكونوا كذلك .
 انظر إلى قول الماغوط و " لقد نسيت شكل الملعقة وطعم الملح " وهذه الكلمات القليلة كانت كافية لرسم لوحة الشقاء والمعاناة في سجنه ونحن إذ نطالب بالوضوح لا نطالب بالشرح والتكرار والتفصيل وفقدان الشاعرية . وباختصار لقد فهمنا الحداثة فهما مغلوطاً فسقطنا وأسقطنا من معنا . ولنعرف أيضا أنّ شعراء اللامعنى قد زاحموا الصفوف بصرعاتهم الحداثية البراقة وفي غفلة صاروا في الصفوف الأمامية . ومن الواضح أنّ مثل هذا الشعر أصبح في واد والجمهور في واد آخر بسبب هؤلاء . يتباهون بالعصفور الذي حطّ على غصن شجرة فأدماها . والتنين الذي أجرمت فيه بعوضة وهكذا .
44_ومن الأسباب عدمُ وضوح الموضوع في القصيدة لأنّ وضوح الموضوع يؤدي إلى وضوح الفكرة وهذا يشكلّ ملمحا من ملامح تماسك النصّ وتماسك عناصره الدلاليّة واللغوية . كذلك يؤدي هذا الوضوح في الموضوع إلى تحديد مفردات المعنى في النصّ الشّعري .
55_يرى شوقي بغدادي أنّ سبب غموض الشعر وإبهامه يعود إلى انطواء الشاعر على ذاته بسبب غياب العلاقات الحميمة بين البشر ممّا يدفع به إلى الانطواء على ذاته أكثر حتّى غدت كتاباته منولوجات خاصّة جدّاً وغامضة جدّاً أشبه ما تكون بالهلوسات أو الهذيان التي تتوالى على مخيلة إنسان وحيد وهو مستسلم لأحلام يقظته . وهذه العوامل زادت من عدم فهم الشعر والتّواصل معه وهذا بدوره يؤدي إلى انحسار مدّ الشعر بسبب انقطاع في عملية الوصول . ولا نقصد هنا ضعف المتلقي أو لا مبالاته أو عدم اهتمامه بقراءة الشّعر بل نقصد إبهام الشعر نفسه إذ يبدو غير مفهوم حتى للقارئ النّهم . وما يزيد الطين بلّةً أنّ بعض الشعراء صارت لهم رموزهم الخاصّة ( خصوصيّة الرمز ) وهذه الرموز لا يعرفها غيرُ أصحابها وتخفى على الراسخين في العلم .
66_ يحاول البعض السعي وراء الإبهام من أجل الإفلات من عمليّة النقد ؛ فهم يكتبون بمنتهى الإبهام كي يوهموا النّاقد أو القارئ بعمق الفكرة والتّفرد والتّطوّر والتّجديد .
77_ وللحقيقة أنّ بعض النقّاد يهربون من مواجهة النصّ المُرهق بكلّ المقاييس باستخدام مصطلحات نقديّة كالبرامسيوم تنقسم بحيث لا تعرف لها شكلاً ؛ وبالتّالي يضيع النصّ في نقد هو نفسه لا يدرك أبعاد ما يتناوله إن كان له أبعادٌ أصلاً .
88_الناشرون الجهلة الذين ينشرون قصائد لا تمتّ إلى الشعر بصلةٍ وهم يريدون أن يملؤوا صفحات جرائدهم ومجلاّتهم أو صفحات منتدياتهم الالكترونيّة . وكذلك زمر المصفقين للعمل الأدبي دون قراءته في أغلب الأحيان ممّا يجعل كاتب النصّ يعتقد بتفرّده وتميّزه ويتوهم شاعريّةً لا وجود لها .
 * شعرنا يسير إلى الهاوية نعم ؛ ولكنّه لن يموت مادام الإنسان على ظهر البسيطة ؛ وهذه دورة الحياة كما هي دورة الدول وأحوالها التي تحدّث عنها ابن خلدون .

عن مجلة الثقافة العربية أزمان هاشم

مجلة الثقافة العربية - مجلة أدبية -شاملة - - نهتم بكافة النصوص الأدبية سواء كانت شعر أو نثر أو قصة أو مقال إلخ -- نمد إيدينا لنشر جمال اللغة العربية لغة الضاد ومساعدة المواهب الأدبية رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبادة الفيشاوي
»
السابق
رسالة أقدم
«
التالي
رسالة أحدث
التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات :

ترك الرد

close
Banner iklan disini