» » سيدي الأشعث / بقلم/ خيرة الساكت - تونس

الدفوف تقرع و البخور يتصاعد و يتكاثف ليملأ زاوية سيدي الأشعث ....يحيط الرجال بضاربي الدفوف بينما أرسلت النساء العنان لشعرهن للرقص على صوت نقر الدفوف حتى يرضى عنهم الولي الصالح...
تسيل الدماء على بلاط الزاوية..قرابين و ذبائح ...يغمس شيخ الزاوية يده في الدم و يلصق يده بالحائط عدة مرات تأكيدا لعملية النحر التي قامت بها عائلة المريض...
فجأة ينط الشيخ من مكانه مثل القط البري...يخنق الفتى المريض الملقى على الحصير وسط الحاضرين ...يصرخ بصوت مرعب و يتلو آيات معكوسة لإخراج الجن من جسد الفتى البائس...يزرق وجه الفتى و يكاد يلفظ أنفاسه الأخيرة ...
يتراجع شيخ الزاوية تاركا آثار الدم على عنق الفتى شاهدة على الواقعة....يرفع يديه إلى أعلى متضرعا طالبا مساعدة الولي الصالح لشفاء الفتى ...يدعو الجميع للصراخ و الدعاء ..
يضيف الشيخ البخور و يردد تعويذات غير مفهومة لطرد الجن ...يعود للفتى فيقتلع خصلة من شعره بيديه الشبيهتين بكلاليب و يرمي بها في النار ...يصرخ الفتى بأعلى صوته..
تنعدم الرؤية داخل الزاوية ...تتصاعد أصوات الدفوف و يحجب صراخ الحاضرين من رجال و نساء  صراخ الفتى و معاناته...
يخلع شيخ الزاوية جبته ويبدأ بالرقص على نقر الدفوف ...يرقص الجميع بينما يحتضر الفتى...يدفع الشيخ هذا و يضرب ذاك ...يعانق هذه و يمسح على شعر تلك ...يدعوهم لرفعه إلى أعلى على الأعناق لطرد الجن من جسد الفتى و من المكان ...


×××××××××××
ترك الزوار الفتى المريض في حضرة سيدي الأشعث و تفرقوا على أمل نيل رضا الولي الصالح الذي سيهبهم الشفاء و يسر أنفسهم التواقة إلى البخور و الطلاسم و كل أشكال الأوهام و التخدير...
تعلقت عيون الفتى بسقف الزاوية و ظل يحدق جاحظا بينما انصرف الشيخ و لم يهتم لأمره ...

" خروفان و معزاة فقط !! أهذه تسمى ذبائح ترضي سيدي الأشعث !!!  لن ينالوا الخلاص أبدا ..."
تأفف الشيخ الذي كان ينوي بيع اللحم إلى جزار بالمدينة ..فقد ظن أنه سيحصل على مال وفير بعد المجهود الذي بذله أثناء الإستعراض الذي قدمه أمام الزوار و المريض...



××××××××××××
أشرقت شمس يوم جديد لا يستحق الذكر....
تجمع الزوار أمام الزاوية في انتظار واجف لخبر يبث الطمأنينة في قلوبهم حول حالة مريضهم ....
وقف الشيخ أمامهم بكل ثقة " سيدي الأشعث غاضب منكم ...ذبائحكم قليلة توحي باستخفافكم بولينا الصالح ...لم ينظر لمريضكم بعين الرحمة فهباتكم لا تسمن و لا تغني من جوع...مريضكم التحق بأهل السماء و إذا أردتم أن يشفي سيدي الأشعث باقي مرضاكم كفروا عن ذنبكم ....."
دخل الزوار صامتين إلى الزاوية ...حملوا الفتى جثة هامدة باردة لا حياة فيها ...دفن الفتى في مقبرة القرية ...

قام أهل القرية بتوفير ذبائح كثيرة و هدايا لسيدي الأشعث خوفا على نسائهم و أطفالهم من المرض من العجز من الموت....
عشرة خرفان و ستة عجول ...سيق القطيع إلى الزاوية...رقص الشيخ فرحا ..أمر بذبح خروفين فقط أما باقي القطيع فسيبيعه الولي الصالح و يصرف ثمنه في علاج البسطاء و توفير الشمع و البخور و كل مستلزمات جلسات استحضار الأرواح و طرد الجن....
بعد الوليمة تفرق أهل القرية لمزاولة أعمالهم مطمئنين لرضا سيدهم الأشعث...

××××××××××××××

وضع الشبان قوارير النبيذ فوق صخرة و تحلقوا حولها منبسطين ...شربوا حتى الثمالة ...خطب فيهم قيدوم وهو يترنح " إن أحببتها أحبت غيرك و سخرت منك و لكن لا أنا الذي أسمعت كلماتي من به صمم ..فلتبحث هي عن المال أما أنا فيكفيني شرفا أني فارس بني الأشعث ..."
سئم الجميع قصة حب قيدوم التي مافتئ يرويها في كل مناسبة...عاد إلى هذيانه من جديد...
تكلم سمعان وقد نفذ صبره " دعك من تلك السوداء السمينة .... شوارع المدينة تعج بالفتيات الجميلات .. لو أصغيت إلى نصيحتي لما وجدنا أنفسنا مجبرين على الإستماع لكلامك الممل .. "
ارتمى قيدوم على سمعان ليضربه ...تدخل باقي الشباب و حالوا دون ذلك....

انتبه أجدب إلى نفاذ الأكل " لقد انتهى الطعام  ..كيف سنشرب باقي النبيذ ؟ ..و من أين سنأتي بأكل نتم به سهرتنا التي بدأناها...؟ "
" لقد أقام الأهالي وليمة بالنهار لدى الولي الصالح و قدموا قطيعا كاملا كقربان لنيل الرضا...ربما حصلنا على بعض الأكل من هناك "
تكلم سمعان في محاولة لإيجاد الحل ...
" إذا ماذا ننتظر ؟ هي بنا إلى سيدي الأشعث .."
حث الشبان الخطى إلى زاوية سيدي الأشعث يحدوهم الأمل في غنيمة وفيرة....



××××××××××××××
تتناثر بقايا العظام و الأواني الفارغة في ساحة الزاوية...القطط تموء من كل جانب...
دخل الشبان إلى غرفة الولي الصالح ...لا شئ ثمين يمكن أن يأخذوه و ينتفع بقيمته ...
الشمع و البخور في كل أرجاء الغرفة و التابوت مغطى بقماش أخضر قديم .....

" لدى سيدنا الأشعث كنز من الذهب و المجوهرات دفن معه في قبره ..." صرح أحدب
" إذا حصلنا على الكنز ستتحسن أوضاعنا .. سنشتري نبيذ المدينة كلها. وسنسكر إلى آخر يوم في حياتنا..سنغادر فقر القرية و أهلها البلهاء... يا سلام " رد سمعان منتشيا.....
" إذا كان هناك كنز فعلا فنحن أولى به من غيرنا ....هيا لننبش القبر..."

كسر سمعان و أجدب التابوت بحجارة كبيرة...التابوت فارغ ....
تسلح قيدوم و أجدب بأخشاب التابوت و بدآ النبش بينما غاب سمعان قليلا ليأتي بمسحاة من وراء الزاوية...
سمعان يحفر وقيدوم و أجدب يخرجان التراب....
برزت أمامهم عظام كبيرة و مرعبة ليست بغريبة .....أخرج الشبان جمجمة كبيرة ..جمجمة حيوان طالما ركبوه و ألفوه...
" لا ... إنها جمجمة حمار " قال سمعان و قد خاب أمله....بينما ظل أجدب ينظر إلى الوضع ببلاهة...

قهقه قيدوم بصوت عال ...

" سيدي الأشعث حمار...ياترى كم قتل سيدي الحمار من انسان ؟!!! "

واصل قيدوم ضحكه الهستيري...

عن مجلة الثقافة العربية أزمان هاشم

مجلة الثقافة العربية - مجلة أدبية -شاملة - - نهتم بكافة النصوص الأدبية سواء كانت شعر أو نثر أو قصة أو مقال إلخ -- نمد إيدينا لنشر جمال اللغة العربية لغة الضاد ومساعدة المواهب الأدبية رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبادة الفيشاوي
»
السابق
رسالة أقدم
«
التالي
رسالة أحدث
التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات :

ترك الرد

close
Banner iklan disini