» » نافذة على الشعراء العرب..بقلم الشاعر خالد خبازة

نافذة على  شعراء العرب

نصيب بن رباح .. أبو  محجن

مولى عبد العزيز بن مروان ، و له أخبار معه و مع سليمان بن عبدالملك و الفرزدق و غيرهم .
كان  شاعرا فحلا مقدما في النسيب و المديح ، كان عبدا أسودا لراشد بن عبدالعزى من كنانة ، من سكان البادية .
أنشد أبياتا بين يدي  عبدالعزيز بن مروان ، فاشتراه و أعتقه . 
كان يتغزل بأم بكر ( زينب بنت صفوان ) و هي كنانية ،  و في بعض الروايات ( زنجية ) .
كان يعد مع جرير و كثير عزة .. و له شهرة واسعة  .
لم يكن نصيب هجاء و كان عفيفا فيه ..  قال له مسلمة  : أنت لا  تحسن الهجاء . قال : بلى و الله ! . أتراني لا أحسن أن أقول بدل عافاك الله ، أخزاك الله ؟! قال : ان فلانا قد مدحته فحرمك ، فما منعم أن تهجوه ؟ قال : لا و الله ما ينبغي أن أهجوه . و انما ينبغي أن أهجو نفسي حين مدحته .. فقال مسلمة : هذا و الله أشد من الهجاء .
كان نصيب عفيفا كبير النفس مقدما عند الملوك ، يجيد مدحهم و مراثيهم  .
توفي سنة 108 هجرية الموافق 726 ميلادية .

وعن عثمان بن الضحاك الحزامي قال :

خرجت على بعير لي أريد الحج ، فنزلت في فناء خيمة بالأبواء ، فاذا جارية قد خرجت ، فاستلهاني حسنها ، فتمثلت قول نصيب :
بزينب ألمم قبل أن يرحل  الركب ... و  قل ان تملينا ، فما ملك القلب

فقالت الجارية : أتعرف قائل هذا الشعر ؟ . قلت : نعم ، ذاك  نصيب ، قالت : أفتعرف  زينب هذه ؟ قلت لا . قالت : فأنا و الله زينبه . فاذا أنا براكب أقبل  فأناخ قرب خيمتها فأتى و سلم . قلت في نفسي لا بد أنهما عاشقان . فقمت الى راحلتي فشددت عليها . فقال : على رسلك ، أنا معك . فلبث ساعة فرحل و رحلت معه  . فقال : كأنك قلت في نفسك كذا و كذا .. ثم قال و رب الكعبة البنية المستورة ، لم أجلس معها قط هو أقرب من هذا . و يقول في القصيدة المذكورة وهي من الطويل و القافية من المتواتر :

خليليّ من كعب ألما هديتما... بزينب لا تفقدكما أبدا كعب
من اليوم زوراها فان ركابنا ... غداة غد دعا أعلها نكب

و قولا لها يا أم عثمان خُلتي ... أسلمٌ لنا في حبنا أنت أم حرب
و قولا لها ما في البعاد لذي الهوى ... بعاد و لا فيه لصدع النوى شعب

و من شعره الذي لحنه ابن محرز كما ورد في الآغاني  ..  من الطويل و القافية من المتدارك قوله :

أهاج هواك المنزل المتقادم ... نعم و به مما شجاك معالم
مضارب أوتاد و أشعث دائر ... مقيم و سفع في الجواثم دائم

لقد راعني للبين نوح حمامة ... على غصن بان جاوبتها حمائم 
هواتف أما من بَكينَ فعهده ... قديم ، و أما شجوهن فدائم

قيل أن نصيبا دخل على سليمان بن عبدالملك و عنده الفرزدق  فاستنشد الفرزدق و هو يعتقد أنه سيمدحه .. فقال مفتخرا .. من الطويل و القافية من المتدارك :

و ركب كأن الريح تطلب عندهم ... لها ترة من جذبها بالعصائب
سروا يركبون الريح و هي تلفهم ... على شعب الأكوار من كل جانب

اذا استوضحوا نارا يقولون ليتها ... و قد خصرت أيديهم نار غالب

فغاظ سليمان و كلح في وجهه ، و قال لنصيب قم فأنشد مولاك ويلك ، فقام نصيب فأنشده من الطويل و القافية من المتدارك  :

أقول لركب صادرين لقيتهم ... قفا ذات أوشال و مولاك قارب
قفوا خبروني عن سليمان انني ... لمعروفه من آل ودان طالب

فعاجوا فأثنوا بالذي أنت أهله ... و لو سكتوا أثنت عليك الحقائب
و قالوا عهدناه و كل عشية ... بأبوابه من طالب العرف راكب

هو البدر و الناس الكواكب حوله ... و لا تشبه البدر المضيء الكواكب
فقال له سليمان : أحسنت و الله يا نسيب  ! . و أمر له بجائزة و لم يصنع مثل ذلك بالفرزدق فقال الفرزدق و قدخرج من عنده :

و خير الشعر أكرمه رجالا ... و شر الشعر ما قال العبيد 
و يقال أن جريرا مر بنصيب ينشد شعرا ، فقال له جرير : اذهب فأنت أشعر أهل  جلدتك فقال نصيب : و أهل جلدتك يا أبا حرزة .
و امتدح نصيبٌ عبدَ الله بن جعفر ، فحمله و أعطاه و كساه ، فقال له قائل :
يا أبا جعفر ! . أعطيت هذا العبد الأسود هذه العطايا .. فقال : و الله لئن كان أسودا ، ان ثناءه لأبيض ، و ان شعره لعربي ، و لقد استحق بما قال أكثر مما نال .. و ما ذاك ؟! .. انما هي رواحل تنضى ، و ثياب تبلى ، و دراهم تفنى .. و ثناء يبقى ، و مدائح تروى .

ودخل نصيب مسجد رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و عمر بن عبدالعزيز يومئذ على المدينة ، وهو جالس بين قبر النبي و منبره ، فقال : أيها الأمير !. ائذن لي أن أنشدك من مراثي عبدالعزيز ، فقال : لا تفعل فتحزنني ! و لكن أنشدني قولك " قفا أخوي " فان شيطانك كان لك فيها ناصحا ، فأنشده من الوافر و القافية من المتواتر 

قفا أخوي ان الدار ليست ... كما كانت بعهدكما تكون
ليالي تعلمان و آل ليلى ...  قطين الدار فاحتمل القطين

فعوجا فانظرا أتبين عما ... سألناه به أم لا تبين
فظلا واقفين و ظل دمعي ... على خدي تجود به الجفون

فلولا أن رأيت اليأس منها ... بدا أن كدت ترشقك العيون
برحت فلم يلمك الناس فيها ... و لم تغلق كما غلق الرهين

كان الأصمعي معجبا بشعر نصيب .. و كان كلما قرأ هذه الأبيات من شعره  يقول : قاتل الله نصيبا ما أشعره و الأبيات من الطويل و القافية من المتواتر :

فان يك من لوني السواد فانني  ... لكالمسك لا يروى من المسك ذائقه
و ما ضر أثوابي سوادي و تحتها ... لباس من العلياء بيض بنائقه
اذا المرء لم يبذل من الود مثلما  ... بذلت له فاعلم بأني مفارقه

و دخل نصيب يوما على عبدالملك بن مروان فقال له : أنشدني بعض ما رثيت به أخي عبدالعزيز ، فأنشده قوله من الطويل و القافية من المتدارك :

عرفت و جربت الأمور فما أرى ... كماض تلاه الغابر المتأخر
و لكن أهل الفضل من أهل نعمتي ... يمرون أسلافا أمامي و أغبر

فان أبكه ، أعذر ، و ان أغلب الأسى ... بصبر ، و مثلي عندما اشتد يصبر
و كانت ركابي كلما شئت تنتحي ... اليك فتقضي نحبها و هي ضُمّر

ترى الوِرد برا ، و الثواء غنيمة ... لديك و تثني بالرضا حين تصدر
فقد عريت بعد ابن ليلى فانما ... ذراها لمن لاقت  من الناس منظر

و لو كان حيا لم يزل بدفوفها ... مراد لغربان الطريق و منقر
فان كن قد نلن ابن ليلى فانه ... هو المصطفى من أهله المتخير

فلما سمع عبدالملك قوله :

فان أبكه ، أعذر ، و ان أغلب الأسى ... بصبر ، و مثلي عندما اشتد يصبر

فقال له : ويلك ! . أنا كنت أحق بهذه الصفة في أخي منك ! فهلا وصفتني بها . و جعل يبكي  .

و قال عبدالله بن اسحق البصري يوما : لو وليت العراق لاستكتبت نصيبا .  قيل له : و لم ذاك  . قال : لفصاحته و حسن تخلصه الى  جيد الكلام  . ألم تسمع قوله :

فلا النفس ملّتها و لا النفس تنتهي ... اليها سوام الطرف عنها فترجع
رأتها فما ترتد عنها سآمة ... ترى بدلا منها به النفس تقنع

ومن مواقفه أنه  دخل يوما على ابراهيم بن هشام ، و هو على المدينة ،  فأنشده مديحا له ، فقال ابراهيم :  ما هذا بشيء ؟! أين هذا من قول أبي دهبل لصاحبنا ابن الأزرق ، حيث يقول :

ان تغد من منقلي نخلان مرتحلا ... برجل من اليمن المعروف و الجود

فغضب نصيب و نزع عمامته و برك عليها و قال : لئن تأتونا برجال مثل  ابن الأزرق ، نأتكم بمثل مديح أبي دهبل أو أحسن . ان المديح ، يكون و الله على قدر الرجال . فأطرق ابن هشام ، و عجبوا من اقدام نصيب عليه ، و من حلم ابن هشام و هو غير حليم .

..........
خالد ع . خبازة

عن مجلة الثقافة العربية رهيف السريحيني

مجلة الثقافة العربية - مجلة أدبية -شاملة - - نهتم بكافة النصوص الأدبية سواء كانت شعر أو نثر أو قصة أو مقال إلخ -- نمد إيدينا لنشر جمال اللغة العربية لغة الضاد ومساعدة المواهب الأدبية رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبادة الفيشاوي
»
السابق
رسالة أقدم
«
التالي
رسالة أحدث
التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات :

ترك الرد

close
Banner iklan disini