الكثير من كلمات الوداع المصفوفة. ولم يهدأ سعار الحمى.
في ليلة خالية من النجوم. تلج هبة الريح مع الطبيب، حينما ارتجف باب الدار منفتحا،
والظلام والمطر المنهمر يدمدمان فوق السقف الهزيل شيئا فشيئا.
يلف الغموض المكان، ويعم التمهل، والمصباح شحيح الإضاءة بالكاد يبدد عتمة الغرفة الفقيرة.
يخفق قلبها الكسول، مع ارتعاشة شفتين باردتين.
شعور جارف أن الطبيب قد أعدم الوسيلة، واليأس كامن من وراء جبينه، فتهتز الدار والنوافذ الذاهلة، ويكسو وجهها لون الحنطة..
أتأملها بشفقة، تلك التي هدهدتني، وفوق حجرها قد نال قلبي الدفء. وهي لا تلتفت أبدا، تمكث نحيلة. تحتل المساحة الأقل فوق مخدعها الذي توسد الأرض، وكأن الموت المقبل، لا يسعه إلا أن يواصل إلحاحه في الطلب..
رحلت قبل أن تتم رسالتها. ملتفة بالعتمة تحت ذخات مطر منهمر.
صعدت في علياء كالكروم، أناديها من بين الأموات والسكون المهيب. تمكثين هنا دون ولدك، حين يشرع موتك في التهامي، فيما يرفع قلبي المحتطب للرب شكواه، ومعها قد غرق كل شيء.
عند تلك المقبرة التي مضوا بي إليها، ألصق قبلاتي التي لن تصل إلى وجنتيك، ولست أملك شيئا غير مواصلة البكاء، والألم الذي لا نهاية له..
في الحلم كفراشة ترف. بعيدة في ليل صامت، مثل قمر يطوف بإطلالة حب، تعود. وليست معي، توهجت وغنت، من بعيد يصل صوتها مبللا، كالندي يسقط فوق العشب.
في البدء ألمحها، ترفل في بياض ثلجي، بيدها منديل وداع أبيض، ظلت تبتسم، قادمة على امتداد حافة النهر، حيث أصابعي النحيلة تحرث الطين. ثم التفت حولي كالتفاف دخان البخور. قالت بصوت بليل.
ماذا عساك تصنع، يا عطشي، يا اشتياقي الذي لا يموت؟
مبللا كعصفور، انفلت قلبي من عقال الريح.. ثملا في الفضاء الهائل.
- أماه أوليس الله قد خلقنا من طين؟
قالت بلى.
ها أنذا اصطنعتك لنفسي!
ثم أشهرت قبضتي نحو السماءالرحيمة، لتنفخ فيك جزءا من روحي
كيما تعودين بهية كملائكة السماء..!