» » بِـرْكَةُ حـَاحَا/ بقلم -أ- محمد الشطوي



*
بدا شاطئُ الْبِرْكةِ كمُنتجع خاص يفد إليه من داخل البلاد كل عاشق، ومتعب.. كل حالم وشــاعر، و كل مريض، ومستوحد.. كانوا حريصين على الالتفاف حولها يستمتعون برذاذها النادر، للتبرد به أو للتبرك.
يتراصون، مهمومين.. يستقرئون أو يستنبئون  ما يتوهمونه حظا مغمورا في قاع البـــركة وقواقعها  تحت سطحها شبه الزجاجي ..
-------                 
هاهي بنت الخامسة والعشرين انسلت من وراء أمها الأرملة، تفك منديل رأسها الأرجواني، وتحتضن قوقعة متوسطة الحجم وتهمس في فتحتها بما لديها من شجون وهوى مضمنة  همسها لو.." لو يفهموني..لو يسمعوني، مستحيل.. ماذا لو  رميتُ نفسي هنا وغرقْتُ وصرتُ جثة كرجل الأمس. هل سيتغير الوضع وأصير ذات قيمة عند أمي، وخطيـيي؟  !!.
لا..إني جبانة..جبانة ..
-------
وهذا الذي يأخذ  حفنة من تراب شاطئها الجيري المترب  يفركه بين أصابعه الخشنة من كد العمل اليدوي ينثره فيلون جزءا من سطح البركة الراكد تماما، ويتمتم: يارب.. ماء وتراب..
خلقٌ جديد.. خلقٌ جديد !
------
و هذا العجوز ذو الأسنان المتهالكة، والأسمال البالية ما باله يجمع الأوراق الخريفية الجافــة المتساقطة يكومها تحت ضغط أصابعه المرتعشة، وينحني عليها بصدره ثم يشعل فيها النار منتشيا بالدخان الضبابي المتصاعد يتخلل  لحيته المنفوشة، ويذيب الملح  في دموع عينيه؛  إنه يتعمد أن تفوته العربة ذات الخيول العائدة إلى الديار..لم يتحرك من مكانه حتى كشفت له الشمس عن شواهد المقبرة  القريبة..وهو لم يزل ينفخ: أوف .أوف والدخان يتكاثف، و يتصاعد ليغير لون أفقه؛  فينفر الطير، والزوار، ويمتد الدخان  حتى يربط بينه وبين الشواهد على المرتفع الغربي في صمت ينعكس على وجهه وعينيه.
--------
يفد طفل لم يتجاوز العاشرة.. تلتمع عيناه، وتحتد نظراته يصرخ في العجوز، ويطعنه في مؤخرته وهويقفز فوق النار منطلقا نحو الطريق الصاعد إلى المدينة.. تجاوب معه الطير، وصيادو الأسماك..يدخل سبابته اليسرى في أنفه. يستدير ،ويعطس .. يتجاوز حفرة عميقة بحجم فيل إفريقي ..يعطي الحفرة والشواهد ظهره، يتفادى قطارات النمل الأسود  مستقبلا الشمس ، مستمتعا بأنغام خرير آتٍ من  شلال ساقية تدفع الماء في شرايين الأرض و الحياة. 

-------------------------------

عن مجلة الثقافة العربية أزمان هاشم

مجلة الثقافة العربية - مجلة أدبية -شاملة - - نهتم بكافة النصوص الأدبية سواء كانت شعر أو نثر أو قصة أو مقال إلخ -- نمد إيدينا لنشر جمال اللغة العربية لغة الضاد ومساعدة المواهب الأدبية رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبادة الفيشاوي
»
السابق
رسالة أقدم
«
التالي
رسالة أحدث
التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات :

ترك الرد

close
Banner iklan disini