» » إضاءات في نصّ ( رهين محبس ) للشاعر منهل حسن - بقلم -أ- أسامة حيدر


هذا النصّ كبقية نصوص الشاعر منهل حسن يحمل من الفكر الشيء الكثير وهذا الأمر ملفت عنده إلى درجة كبيرة وهو محببّ بالنسبة لمن يفضلون أن يكون الشعر كلمات جميلة ذات فكر فاعل . لأن منهل لا يراوغ كثيراً في تقديم أفكاره, بل يقدّمها صريحةً واضحةً بسبب إيمانه العميق بالهدف الذي يسعى إليه .وقد لا يوافقني البعض على هذه الخصيصة إلاّ أنني أجدها من أهم خصائص الشعر إن لم تكن الأهمّ على الإطلاق .
هذا الزمن للغوغاء من الناس ( أقصد المتحكمين بمفاصل الحياة ) من شرقنا العربيّ إلى غربنا الأمازونيّ . الكلّ يعلم علم اليقين أنّ زمن الضوضاء العابثة بكل شيء والنفاق والرياء هو هذا الزمان . والشاعر والأديب والعالمُ والمفكّر كلّهم على حدٍّ سواء يبحثون عن ضالتهم في غير هذا الزمان وغير المكان , ولأنهم محكومون بالزمان والمكان فلا مجال لهم غير الهروب الافتراضيّ . فلا عجبَ أن يشعر أحدهم بالغربة والاغتراب في وطنٍ كهذا لا مكان فيه إلاّ للحيتان والمراوغين . وهم ( الحيتان ) لا يقبلون للحقائق أن تتعرّى أمام النّاس , فتنكشف عوراتهم أمام الملأ تذهب قواهم وتضمحل أدواتهم . ولهذا يقفون أمام الكلمة الجادّةِ والصادقة الهادفة , ويسعَون جهدهم لمحو آثارها والوقوف بكلّ عنجهيّةٍ أمام مدّ صاحبها .
وأصحاب الكلم الهادف مستهدفون على مرّ الزمن لأنّهم يعلمون الحقيقة ويعلّمونها ويحاولون إثارة الآخر للوقوف أمام تلك الحيتان الجشعة المراوغة , وهم ( الشعراء ) يدركون جيداً أنّ الرعيّة من الراعي ( وأعلم أني أخالف البعض هنا ) فإن صَلُحَ صلحت وإلاّ ( سيكترش لحمها \ سيفترش أديمها \ سيعترش الألم ) .
وبلا كلل أو ملل يسعى أصحاب الكلمة الكلمة أن يجعلوها مُباحةً أمام عقل الآخر , ومرةً تلو مرّةٍ يسعَون كسيزيف الذي لم يكلّ ولم يملّ في حمل أثقاله إلى ذروة الحقيقة ساعياً وراء الخلاص رغم مرارة الوصول إلى ذلك الهدف . ( سيزيف \ يابن الشقاء الأبديّ \ أنا مثلك لا أخاف \ لا أستكين \ وأعلم علم اليقين \ أنّ نبتة الخلود \ يستحيل \ أن تنبت إلاّ في القمم ) .
ثمّ ينتقل الشاعر إلى أمرٍ في غاية الأهميّة ويشير إليه إشارة واضحة وفي اعتقادي أن هذا من أخطر الأمور التي تواجهنا عموماً وتواجه الشعراء بشكل خاص وأقصد أنّ أصحاب الكلمة اليوم يواجهون صعوبتين : الأولى تكمن في مواجهة المتسلطين على رقاب البشر والثانية هي البشر أنفسهم الذين اعتادوا على الفتات والعيش في القعر . هذه الأسماك الصغيرة التي لا تريد أن تدرك أن موتها كامن في هذا الفتات الذي تتناوله بالقرب من حيتان تضمر لها الشرّ دون أن تعي ذلك بل وتصرّ أن تكون بجانبها ولا تعلم متى تنقلب الموازين فيكون هلاكها بما يُقدّمُ إليها .
( لكنّ الخراف أدمنت الفتات \ في أسفل الهرم ) .
ولا يترك منهل حسن الأمر للتكهنات بل يضع يده على المسبب لهذه الآلام وأقصد هذا المدّ الفكريّ الخرافيّ العابث بالعقول والذي كان سبباً أساساً في تغييب تلك العقول وهلاكها :
وشيوخ الغنم تردد دوماً على مسمعي \ حكاية المطرود ... من الرحمة \
هؤلاء المفتون الذين يبدلون أقوالهم تبعاً لتغير الزمان والمكان اللذين يجدان فيهما مصالحهم الخاصّة , والذين يشعلون النار في كلّ مكان على امتداد الوطن وخارجه .
وب( ليت ) يتمنّى الشاعر لو أنه ماحمل لواء الكلمة يوماً , ولكنّ ليت هذه للمستحيل فجرارُ الفكر قد فُتحت ولا مجال لإغلاقها :
( ياليتني كنت كالمعري \ رهين المحبسين \ بل رهين الأربعة ......) .
ملاحظتان : 1- بعض الأفعال لا تحتاج إلى حرف جرّ كي تتعدّى كالفعل ( علم ) .
2- كان بالإمكان الاستغناء عن بعض التعابير و الجمل التي لم تقدم كثيراً للنصّ ( سيزيف يا أخي في العذاب \ وجدي \ يابن الشقاء الأبدي ) . رمز (سيزيف )وحده كان كافياً لإيصال الفكرة وما جاء بعده إضافات لا تغني كثيراً في رأيي .
ولأنّي من محبي الشاعر منهل حسن أردتُ إيراد هاتين الملاحظتين اللتين لم يكن لهما كبير الأثر على جمال النصّ ووحدته وروعته .
وما أردت أيضاً أن أقف كالعادة عند الصور والموسيقا واللغة ووووووولأنني هنا أحببت أن أشير إلى ما هو أكثرأهمية من ذلك .
شاعرنا الغالي منهل حسن دمت بهذا الألق دائماً .
رهين محبس
.....................
رهين عزلتي
وحيدٌ ..غريبْ
وثلج الكلام
عجيبٌ ..عجيبْ
يخافهُ
نقيقُ الضفادع
طنينُ الذباب
يحاول جاهداً
كعصاةِ موسى
أن يبتلعَ
جميعَ .... الأرباب

حزينْ
كأضحية  عيد
تعي جيداً  وتعلم
بأنَّ الراعي السعيد
سيكترشُ لحمها
سيفترشُ أديمها
سيعترشُ الألم

سيزيف
يا أخي في العذاب
وجدي
سيزيف
يا بن الشقاء الأبدي
أنا مثلك لا أخاف
لا أستكين
وأعلم. علم اليقين
بأنَّ نبتةَ الخلود
يستحيلْ
أن تنبتَ إلا في القمم
لكنَّ الخراف
أدمنت الفتات
في أسفل الهرم
وشيوخ الغنم
تردد دوماً على مسمعي
حكاية المطرود ..من الرحمة
وكيف بقوله .. لا
ورفضه للركوع..اصطلى بنارجهنم
و أنت الادرى  ما جهنم
ياليتني يا أخي
ياليتني على جهلي بقيت
أجتر الأعلاف
ولم  أدري بأن السمان
ستذبحُ قبل العجاف
فأثغو في غيي حمداً
على هذا النِعم
ياليتني كنت كالمعري
رهين المحبسين
بل رهين الأربعة
رهين عزلتي
لا ارى.. أو أسمع..أو اتكلم
فلتصمت يا قلم
فلتصمت يا قلم
ولتعتد في هذا الزمن
على قول..نعم ..نعم..نعم
...............
 19 كانون الثاني 2018

عن مجلة الثقافة العربية أزمان هاشم

مجلة الثقافة العربية - مجلة أدبية -شاملة - - نهتم بكافة النصوص الأدبية سواء كانت شعر أو نثر أو قصة أو مقال إلخ -- نمد إيدينا لنشر جمال اللغة العربية لغة الضاد ومساعدة المواهب الأدبية رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبادة الفيشاوي
»
السابق
رسالة أقدم
«
التالي
رسالة أحدث
التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات :

ترك الرد

close
Banner iklan disini