ولا تَضَعوا على قَبري البنفسجَ، فهوَ زَهرُ المُحبطين يُذكِّرُ الموتى بموتِ الحُبِّ قبل أوانهِ. وَضعوا على التابوتِ سَبعَ سنابلٍ خضراءَ إن وجدَتْ، وبعضَ شَقائقِ النُعمانِ إن وجدَتْ
" محمود درويش "
وحيدة أتأملُ هذا الجبل الشَّامخ أمام نافذة الوهم والتيه...، أنظرُ إليهِ نظرة الغرقى من تحتِ صفحة الماء، أسرحُ في كسوتهُ الخضراء المُتماوِجة كَلَونِ عينيه...، ثمَّ أغمضُ عينيَّ لأراني حُمِلتُ إليكَ يابحري الذي أفتقدهُ وأحنُّ إليهِ حنين الصحراء لِغيثِ السَّماء...!.
كانت أمواجكَ تحملني وترحلُ بي إلى عالمٍ ماورائي لايعرف الزيف ولا الخِداع، وملحكَ يذيبُ آلامي ويبددها.
غُربة فُرِضَتْ علينا... ولكنَّ قدر الله شاء أن آتي أرض البنفسج هذهِ أواسيهِ ويواسيني، أسقيهِ من دَمعِ قلبي فَيَنفضُ الذبول عن أوراقِهِ ويفتح نوافذ الأمل ويقولُ لي بكلِّ ثقة: إنهضي وَهيَّا بنا لنسموَ إلى مراقي العطاءِ والأمان...!.
اقْتُلِعتُ من ترابكَ ياوطني كما يُقتلع الجَذر من قواعدِهِ ويُلقى مُقَطَّع الأطراف والأوصال، أُلقيَ بي كما يُلقى في المجهولِ زوائد الحياة.
قُذِفتُ في بحورٍ لا قاع لها ولا سماء...؛ وأحداث تدور وتدور وتطحن برحاها الآمال.
حَمَلتُكَ على كتفي وفي قلبي إلى أن يستعيد كل شيءٍ بهاءهُ وضياءهُ كما كان.
أيا وطناً أَلِفتُ حَنانَهُ ألا تعلم أنَّ جفاء المُحبين أقسى أنواع العذاب...!.
آهٍ يا بنفسجي كم أحنُّ إلى سُوَيعاتِ الفكرِ المِعْطارةِ الباحثةِ في حقيقةِ الكون والحياة والإنسان، وتحليقاتها السرمديَّة في حلِّ العقدةِ الكبرى...، وتجلياتها النَّديَّة التي تملؤني أملاً وطمأنينة وأماناً.
أنسُجُ حروفي والغُصَّة تخنُقُني والآلام تَعتصرُ قلبي الذبيح المُضَرَّج بالغربةِ والصدمات، أحاول فهم ما يجري حولي ولا أزدادُ إلا حيرة...!.
ما أصعب الموت المجسد في الحياة، ولعَمْري إنَّهُ أصعب من موت الحياة.
تدور في خَلَدي أسئلة متراكمة كيف... لمَ... ولماذا ياسعادتي اللازوريَّة وأملي المنشود تدفعني نحو القاع، تُكَبلني وتغرس بي الوَساوِس والأوهام؟! وترميني حيثُ لا منجى ولا خلاص...؛ تُلبِسُ السَّماء في وضح النَّهار مِعطفاً ملكيَّاً أسود يسيطر على خيالاتك وتتركني في غياهبِ الليل والحسرات...!.
دعني أخرجْ مبتسمة كما الشَّمس حين تبدو من غلالةِ الفجر، توجني مليكة عرش قلبكَ دون منافس ولا منازع، بَدد أوهامي كي أطير كَنَحلةٍ فوق حقل من الزهور.
قُمْ بنا ننفضْ غبار الجاهلية عن أرضِ الميعاد، نعانقِ السَّماء، نترشَّفِ الحبَّ أملاً ويقيناً ونتقوَّ ونُفرِغْ قلوبنا من أنَّاتِ الآلام، نَتَحَصَّنْ من العالمِ المسعور...، ندخل محاريب الشَّوق ونغسل الرِّمال في بوارق مقلتينا حالمين بفجرٍ يُنَقّي أوردتنا من جروحٍ عَشَّشت واستفحلت في حياتنا كَالوباء...!.
لاشيء سوى عَينيكَ يحملانني من أقصى العذاب إلى أنوار شمس الحياة.
أنا بانتظارِ خطوةٍ منك لأخطوَ ألف خطوة في طريق الفكرِ حتى بزوغ الفجر.....!.