النص والقراءة
___________
انتهى من رسمها بعد لأي، رآها البارحة تتسلّل من لون ردائها الأزرق، تقفز من إطار لوحته، تسرق فرشاته وباقي ألوانه، ذهل: ٱه...لو تركت بعض الألوان لأعدت رسم حقيقة ابتسامتها وبريق عينيها.
،،،،،،،،،،،،،،،،،،
من خلال العنوان السارقة : نكشف دلالات النص، السرقة هي أخذ شيء ليس لك، وليس من ملكك! لكن السؤال من هي هذه السارقة؟
هل هي من سرقت عقله أم قلبه ؟
اعتمد الكاتب على الحقل المعجمي للرسم : رسمها، لون، رسم، ألوانه، لوحته،إطار، الألوان، فرشاته.
توازنت الأفعال المضارعة بين الكاتب والمرسومة: انتهى ..رآها ..ذهل / تتسلل ، تقفز، تسرق = في الحقيقة اللوحة والموضوع في اللوحة يدلان على إبداع الكاتب .هما بنفس المستوى ...رسم الكاتب امرآة جميلة إلا أنها خدعته وتسللت هاربة منه ..وعندما أدرك حقيقتها ندم على عدم رسمه حقيقة هذه الإبتسامة ! وهذا شيء صعب جدا ..لا يستطيع الإنسان استشراف المستقبل ومعرفة حقيقة ابتسامة بعض البشر وبريق عينيهم ...ليس بالضرورة أن تكون البراءة بالشكل .
طرح الكاتب مشكلة إجتماعية مفادها أن الجمال هو جمال الروح وليس الشكل ، وهذا ما ندركه من المقولة الشهيرة : (ليس كل ما يلمع ذهبا) ، الجمال لا يقتصر على الشكل ..وقد اثبتت الدراسات الأوروبية أن المجرمين يتميزون بوجه ملائكي وهذا ما يجعل الشك بعيدا عنهم فيتمادون بجرائمهم.
ذكر الكاتب الألوان ليدل على التغيير وعدم الاستقرار ..تتلون عندما تشاء وحيثما تشاء، تسللت من اللون الأزرق ، لون البراءة ، وقفزت إلى مكان هي تريده وسرقت فرشاتها لتقرر هي مصيرها ! وسرقت الألوان كلها لتمنعه من اللحاق بها والتحكم بها ، جعلته بحيرة من أمره ، غارقا بندمه .
الرسام حينما ينتهي من الرسمة التي رسمها ...يشبه الكاتب عندنا ينتهي من كتابة روايته أو قصته ..الرسمة والرواية ..لم تعودا ملكا للكاتب والرسام ..هما ملكا للشخص الذي يقرأ القصة أو الرواية، أو الذي يشاهد الرسمة ويحللها .أي نعم هما تدلا على من رسمهما أو كتبهما، لكنهما ليسا ملكه .. .
إنتاجنا ليس ملكنا سواء كان رسمة ..قصة ..وحتى أعمق من ذلك ولد من لحمنا ودمنا ...، ما إن وجدو يصبح لهم طريقة عيش مختلفة عنا ..خاصة بهم ، كم سمعنا عن رسومات اشتهرت فيما نجد البعض منها قد مات ودثر ..وكذلك القصص والروايات ..وكذلك الأبناء ..إبداع الأبناء نصيبهم ..يشقون حياتهم بأنفسهم ربما ينجحوا وربما لا .
قصة جميلة، أسلوبها عميق رغم بساطة تراكيبها ..تحمل حكمة كونية وواقعية .
تحياتي لصاحب النص المنجي بن خليفة .