في جعبتنا اليوم شاعران معاصران يحملان الاسم نفسه
الأول : اسماعيل صبري باشا
من شعراء الطبقة الأولى في العصر الحديث ، ولد في عام 1854 م
امتاز بجمال مقطوعاته و عذوبة أسلوبه ، وهو من شيوخ الادارة و القضاء في الديار المصرية
تعلم بالقاهرة و درس الحقوق بفرنسا ، و تدرج في مناصب القضاء في مصر فعين نائبا عموميا فمحافظا للاسكندرية ، فوكيلا للنظارة ( الحقانية ).
كان كثير التواضع .. شديد الحياء ، و كان يكتب شعره على هوامش الكتب و المجلات ، و ينشره أصدقاؤه خلسة . و كان كثيرا ما يمزق ما يكتب قائلا :
" ان أحسن ما عندي ، ما زال في صدري " .
رفض مقابلة كرومر بالرغم من القول له ان كرومر يريد أن يسلمك رئاسة الوزارة و كان يقول : لا أريد أن أكون رئيسا للوزارة و أخسر ضميري .
توفي في عام 1923 م .
من طرائف شعره قوله :
طرقت الباب حتى كلّ متني ... فلما كلّ متني كلمتني
و قالت لي أيا اسماعيل صبري ... فقلت لها أيا اسما عيل صبري
و يقال انه اجتمع اسماعيل صبري باشا و أحمد شوقي و علي الجارم .. و تنافسوا جميعا على معارضة القصيدة الشاعر علي الحصري القيرواني " يا ليل الصب متى غده " المشهورة .. فكانت قصيدة أحمد شوقي " مضناك جفاه مرقده " .. فلما وصل شوقي الى قوله :
ناقوس القلب يدق له ... و حنايا ىالأضلع معبده
انبرى اساعيل صبري باشا قائلا :
شوقي جوّدْ بالشعر و قلْ ... آمنت بأنك أوحده
و ساقوم بنشر عدد من قصائده في منشور خاص
......
الثاني : اسماعيل صبري .. المدرس " أبو أميمة "
شاعر مصري ، تغنى بقصائده كبار المطربين و المطربات في مصر .
هو الشاعر اسماعيل بن صبري المصري الملقب أبو أميمة .. و عرف أيضا باسماعيل صبري الصغير .. تمييزا له عن معاصره الأكثر شهرة اسماعيل صبري باشا..
الا أن شاعرنا أبو أميمة كان أقل شهرة منه و ان كان لا يقل عنه شاعرية .. و أبو أميمة من مواليد عام 1886
كتب " أبو أميمة " قصائد كثيرة تزيد عن مائة و ثلاثين قصيدة .. و كان يكتب الأغاني أيضا و يقوم بتلحينها بنفسه حيث تغنى بها كبار المطربين و المطربات في مصر .. و قام بكتابة عدد من المسرحيات الشعبية .. و كان منقطعا للكتابة و متفرغا لها .. كما عمل مدرسا بمدارس الأوقاف الخصوصية الملكية . و لم يأخذ حقه من الشهرة التي يستحقها . و له قصيدتان ملحميتان يتجاوز عدد أبيات الأولى 600 بيتا و الثانية تتجاوز 900 بيتا من الشهر .. سمى على اثرهما شاعر الكونيات .. حيث لم يخطر ببال أحد من شعراء العربية البحث في موضوعهما من قبل
و بالرغم من شاعريته .. الا أنني لاحظت في بعض قصائده عددا من الأخطاء التي كان عليه أن يتجنبها منها بعض الزحافات .. و ربما كان ذلك - و فقا لما ما أرى - سببا في عدم أخذه المكانة التي يستحقها
كقوله في قصيدة :
هذا فؤادي بعثته لك راضيا ... وصلا حكمت عليه أم هجرانا
فالقصيدة على البحر الكامل و الزحاف وقع في لفظة فؤادي .
كما لاحظت وقوعه في أخطاء بالقافية .. كاستعماله ألف التأسيس في الموضع الذي لا لزوم له في قوله :
فتنت عيون الناظرين بحسنها ... سبحان من خلق الجمال و صوّرا
هيفاء زيّن خدها ورد الصبا ... فتمايلت غصنا رطيبا ناضرا
و في القصيدة عدد من الأبيات التي استعمل فيها الشاعر هذه الألف .
ثم تراه في قصيدة أخرى ابتدأ فيها بأبيات مؤسسة بألف التأسيس .. ثم تراه في بيت أو أكثر انتفى وجود هذه الألف . كما في قصيدته التي يقول في مطلعها :
سل الليل عن سهدي و وجدي و مدمعي ... و دقات قلبي و الجوى و مواجعي
ثم يقول في البيت الأخير :
فيا من أرى في القرب منها سعادتي ... ألا رحمة بالعاشق المتوجع
و من جهة أخرى .. أخذ الشاعر بعض المعاني من المتنبي دون اشارة الى ذلك .. كقوله :
و دارت كؤوس الحب بيني ون بينها ... و ما عاشق من لا يذل و يخضع
عجز البيت بكامله للمتنبي الذي يقول :
تذلل لها على القرب و النوى ... فما عاشق من لا يذل و يخضع
و مع ذلك فربما كانت هذه الأخطاء قد حصلت في بدايات حياته الأدبية .. و لا يمنع ذلك من أن يكون شاعرا كبيرا ..
صدر للشاعر ديوان شعر " مهذب الأغاني "
توفي في عام 1953 ميلادية .
و قد لفتت نظري قصيدته " الدرة الخالدة " وهو يتحدث فيها عن قدرة الله تعالى و عن قيام الساعة وعن الجنة و النعيم ثم يتحدث عن الأنبياء بسرد قصصي جميل .. بدءا من طوفان نوح .. و حتى الرسالة المحمدية .. حيث استوحى أحداثها من القرآن الكريم .. و قد قسمها الشاعر الى أقسام وفق مواضيعها ..
والقصيدة عروضها من الخفيف ذات روي واحد هو الهمزة ، و قافيتها من المتواتر
و نظرا لطول القصيدة و هي ملحمة شعرية بحق ، تتألف من 600 بيتا .. فقد انتقيت منها مجموعة من الأبيات وفق ما قام الشاعر بتقسيم قصيدته تلك ..
الله نور السموات و الأرض
أيها الناس أنتم الفقراء ... فاذكروا من له الغنى و البقاء
لا تعيثوا في الأرض ظلما و بغيا ... و اتقوا الله انكم ضعفاء
و استعينوا بالله في كل أمر ... أكرم الخلق عنده الأتقياء
لا يغرنكُمُ نعيمُ حياة ... و رخاء و صحة و حياة
انما العمر لمحة فممات ... فسكون فحفرة ظلماء
كل نجم مهدد بأفول ... و لنور الاله دام الضياء
ان ربا يدير ملكا كهذا ... قادر دائما على ما يشاء
مالك الملك ان وعدك حق ... من له الحمد غيره و الثناء
كل حي الا المهيمن فان ... صاحِ سبحان من له الكبرياء
الساعة
دنت الساعة الرهيبة لما ... جاء أشراطها و حق الجزاء
و دوت صيحة تجمع منها ... باليات الرفاة و الأشلاء
دُكّت الأرض و الجبال و هدّت ... كل طود مريعة بطشاء
ألقت الأرض ما بها و تخلت ... و تداعت عن أفقها الصماء
ثم غابت نجومها و اكفهرت ... و اختفى نورها و زال البهاء
...
ان هذا يوم الحساب فحسبي ... يا بني الأرض مقلة عمياء
يوم لا ينفع ابن آدم الا ..:. حسنات تقدمت ووفاء
البعث
يُهرَع الناس منذ أول خلق ... واجفات قلوبها حيراء
بعثرتها القبور تجري سراعا .. أفرغتها من نومها الدهماء
ماجت الأرض تحت أقدام خلق ... كجراد يضيق عنه الفضاء
يا بني الأرض تلك وقفة حشر ... يا ابن حواء أنت طين و ماء
كل فرد له كتاب قديم ... سجلت فيه رحمة أو بلاء
جنات النعيم
سيق أهل التقى لدار نعيم ... سيتهادون حيث حل الهناء
تتلقاهم الملائك بشرى ... باسمات وجوهها سمحاء
زان أبوابها عقود الدراري ... تتسامى أنوارها الزهراء
تلك دار الذين فازوا بحق ... أجر أيمانهم ، فنعم الجزاء
صدق الوعد فادخلوا بسلام ... دار خلد يطيب فيها البقاء
دار الجحيم
ثم سيق الكفار نحو جحيم ... يستغيثون حيث حل البلاء
ووقود السعير زاد اشتعالا ... و استشاطت من غيظها الرمضاء
ثم هاجت دار الجحيم و ماجت ... تقذف الرعب والقلوب هواء
في زفير كالرعد تندك منه ... هامة الشم و الذرى الشمخاء
أيها الظالمون ذوقوا نكالا ... ان هذا جزاء قوم أساءوا
فهلموا الى الجحيم جميعا ... لا اعتذار لكم و لا شفعاء
أيها الناس باطل كل شيء ... زينتها بكيدها الهيفاء
ما الحياة الدنيا سوى دار لهو ... تتقضى متى توارى الضياء
نوح عليه السلام
أين شيخ الطوفان من بعد يأس ... صنع الفلك حين حل البلاء
أنقذته و أهله وهي تجري ... بين موج جباله الدأماء
هدأ الروع بعد أن قيل بعدا ... و نجا الركب حين غيض الماء
أين هود و قد دعا قوم عاد ... فعصوه فحل فيهم وباء
و ثمود الذين قد أخذتهم ... صيحة القهر وفق ما قد أساءوا
ناقة الله أنكروها و ظلما ... عقروها فحلت النكباء
ابراهيم عليه السلام
أين من حطم الهياكل حتى ... فارقتها أصنامها الصماء
أوقدوا النار فاستحالت هباء ... و محال تذوقها الأنبياء
نار كوني على خليلي بردا ... و سلاما و في السلام الوقاء
لوط عليه السلام
أين من دنسوا العفاف بخزي ... قوم لوط ، سحقا لهم أدنياء
راودوه عن ضيفه ، بئس قوم ... أبعدتهم عن الهدى الفحشاء
قال يا قوم هؤلاء بناتي ... هن أزكى و لِمْ تكون النساء
أعرضوا عنه ثم زادوا فجورا ... فاستحقوا العمى و حل البلاء
يعقوب عليه السلام
أين من واصل البكاء حزينا ... فتوارى عن مقلتيه الضياء
يوم جاءوه بالقميص عشاء ... و عليه للافك تجري دماء
و ادعوا كاذبين أن أخاهم ... خانه الذئب و اعتلاهم بكاء
قال بل سولت نفوسكم الكيــ ... ــد فصبر و رحمة و رجاء
حين ردوا قميص يوسف فارتــد بصيرا و زال عنه العنـــاء
يوسف عليه السلام
و ابن يعقوب اذ رأى الشمس و البدر مناما و للرؤى افيـــاء
و بمرآهما رأى أحد العشـــــر و مجلاه كوكـــــــــب لألاء
سجّداً كلهم له وهو عبــد ... ذبحت عليه سخلة عجفاء
و تجلت كأنها فلق الصبح لسبط الذبيح فيها رجاء
و نهاه عن الاباحة بالسر و في الصبح للدجى افشاء
هكذا يجتبيك ربك بالتأ...ويل و الله فاعل ما يشاء
و رأوه أحب منهم اليه ... فأسرّوه كيدا وضاع الاخاء
قال ألقوه في غيابة هذا الجب حتى يقصيه عنه الدلاء
و اذا بيع مرتين نبي ... و رسول كفى الأباة الاباء
ان زوج العزيز أوسع عذرا ... فيك و النفس صرصر هوجاء
و عزيز على القلوب التجني ... هل على الحسن تذهل الحسناء
غير أن الحياء أدنى الى الافك و هذا لتستر الفحشاء
حين هامت و حين همت رأينا ... ك وفيا و دونك الأوفياء
بيع بيع الرقيق من بعد رؤيا ... و الى السجن سيق و هو براء
و برؤيا العزيز حطم أصفاد البلايا فزالت اللأواء
أيوب عليه السلام
أين من قاوم البلاء بصبر ... و ثبات و لم يفده الدواء
مسه الضر و انبرى الداء يفري ... جسم طود فانهار هذا البناء
ايه أيوب قد برتك سقام ... كاد يدعوك لو جزعت الثواء
كشف الله ضره حين عادت ... لرميم العظام تجري الدماء
شعيب عليه السلام
أين من قال أهل مدرتي أوفوا ... و اتقوا الله من له ما يشاء
فتولوا عنه و قالوا ضعيف ... أنت فينا و هم هُمُ الضعفاء
فاستحقوا البلاء لما تعالوا ... كبرياء و حل فيهم شقاء
موسى عليه السلام
أين موسى من جاء فرعون طفلا ... ترقب النجم عينه النجلاء
أودع اليم خوف بطش عدو ... و تولى مهدَ الكليم الماء
ان فرعون قد طغى و تعالى ... بئس عهد أبيح فيه الدماء
.............................
بعد عشر سعى فآنس نارا ... ما رآها حتى تعالى النداء
اخلع النعل و استمع ما يوحى ... و تجلد لا تضطرب يا هواء
جانب الطور كلم الله موسى ... و اجتباه و فاضت النعماء
قال ألق العصا فأدبر خوفا ... قال خذها تجد بها ما تشاء
و تبدت بيضاء من غير سوء ... يد موسى و أيدته السماء
حين ألقى عصاء خروا جميعا ... سجدا و اعتلت ضحاها ذكاء
أدرك البحر قبل أن يدركوه ... و هوى بالعصا فشق الماء
واقتفاه فرعون و الجند سعيا ... كان قبرا لهم و كان الجزاء
....
داوود عليه السلام
أين داوود من أناب بقلب ... خشية الله حل فيه الحياء
و أقام الصلاة خمسين عاما ... لم يسب حسن صدقها اعياء
و ألنّا له الحديد ان اعمل ... سابغات هي الدروع رداء
سليمان عليه السلام
أين من سخرت له الجن و الانس و غنت بملكه الجرداء
يأمر الريح حيثما شاء تجري ... ملكٌ صدر تاجه الزهراء
خصه الله منطق الطير علما ... و تباهت بمكله الشعراء
يا ابن داوود قد خطوت بحكم ... كم تمنت مناله الأكفاء
يونس عليه السلام
أين ذو النون اذ تولاه كرب ... فامتطى الفلك حين طاب الهواء
قدر الله أن يونس يجزى ... لاختبار وآن هذا الجزاء
فرموه في اليم و الحوت يجري ... ساقه الوحي رحمة و النداء
ظل في بطنه يسبّح حتى ...أمر الله أن يزول العناء
زكريا عليه السلام
أين من قال لا تذرني فردا ... وهن العظم و اضمحل البناء
يا سميع الدعاء هب لي وليا ... يرث النور كي يدوم الضياء
رحمة الله أكرمتك بيحيى ... نال حكما ما ناله أبناء
عيسى عليه السلام
ظل حيا من كلم الناس في المهد و طفلا و عظمته السماء
خير روح حلت بأطهر أم ... شهد الله أنها عذراء
جاءها الوحي فاستعاذت برب الناس منه و دب فيها الحياء
قال اني رسول ربك حقا ... فاحملي النور ، نعم هذا العطاء
فتوارت به مكانا قصيا ...و أضاءت محرابها الزهراء
فأتت قومها به و هي خجلى ... فرموها بأن هذا بغاء
فأشارت اليه فاهتز عيسى ... و تجلى على المسيح الاباء
بوغت القوم اذ تكلم في المهد صبيا و خيّم الاصغاء
قال اني عبد لرب البرايا ... أرسلتني بالبينات السماء
حملتني أمي كما شاء ربي ... فهي أم ما شابهتها نساء
أحسن الله بيتها و اجتباها ... و حباها الرضا فنعم العطاء
و اصطفاها على النساء جميعا ... آية الطهر درة عصماء
سألوه أنزل علينا طعاما ... علم الله ما أصروا و شاءوا
قال عيسى اللهم أنزل علينا ... ما أرادوا حتى يتم الوفاء
بئس قوم كانوا لعيسى عداة ... علم الله أنهم سفهاء
محمد صلى الله عليه و سلم
من كنوز اليقين بدر قريش ... أحمد المصطفى عليه الثناء
خاتم المرسلين من بشرتنا ... قبل ميلاده به الأنبياء
أرسلته للعالمين سلاما ... رحمة الله و اصطفاه العلاء
و رقيّا أسرى به الحق ليلا ... فأعزت من شأنه الاسراء
و أعز الاسلام رغم أنوف ... حيم الكفر حولها و العداء
شرف الله قدره و اجتباه ... فاستضاءت بنوره العلياء
جاءه الوحي بالرسالة لما ... تم ميقاتها و حان الوفاء
سيد العالمين خير بشير ... قد أقرت ببعثه الأنبياء
رحمة ساقها المهيمن للنا ... س دواء فكان منه الشفاء
يا سراج الهدى عليك صلاة ... و سلام يعم منها الرضاء
......