» » ما النقد الأدبي؟ بقلم الأستاذ/ مصطفى بلعوام





ما النقد الأدبي ؟ ثمة نقد وثمة أدب سابق له يشكل شرطا من شروط وجوده. لكن ماذا نعني به في اتجاه ما هو أدبي؟ ولماذا نتكلم عنه بصيغة المفرد في حين يبدو أنه حمال لصيغ الجمع : النقد الانطباعي ، التفكيكي، البنيوي، الأكاديمي..؟ولماذا كل هذه الصيغ النقدية تحوم حول نفس الشيء الذي هو النص الأدبي وبأشكال مختلفة؟ وبأي منطق تأتي إلىه كممارسة؟
للتوضيح : أمامنا نص أدبي، عبر أية وسيلة نربط الاتصال به؟ اللغة؛ لاشيء يعطينا إياه للمعاينة الأولية غير اللغة من حيث هي أولا وأخيرا العبّارة الوحيدة للولوج إليه، بمعنى أن أية طريقة في النظر إليه وحسبما تحلت بنجاعة مضبوطة، فلابد لها أن تمر من اللغة وتتوقف عليها كي تستخرج منها ما تريد أن تقوله عبرها وفيها. وعليه، نستدعي تبعا لها وللنص ووفق سياق اعتباطي نظريات برانية عنهما لا لشيء إلا لأن اللغة تشكل في نفس الوقت مادتها وحقلها المعرفي:
النص _____اللغة______النظريات " اللغوية.
ليست هناك علاقة عضوية بين لغة النص واللغة التي تهتم بها النظريات " اللغوية"
( السيميولوجيا، السيميائية، النحويات، اللغويات، الكلاميات والبلاغيات...)، وهي نظريات مكونة باستقلالية تامة عن النص في خاصيته الأدبية لأن همها الأولي اللغة وتمظهراتها المتعددة من حيث الممارسة وانفتاحها غير المشروط والحدي للدلالات. نلجأ إليها لعلها تعين على استكناه هذه اللغة التي بقدر تميزها بمعادل أدبي تنفلت من " لغة المعنى المشترك". وهكذا يتحول النص الأدبي إلى حقل نظريات لا علاقة لها به في الأساس ويتوزع بين " مادة سيميائية، مادة سيميولوجية، مادة نحوية ...."، أي في الأخير ، " مادة لسنية" تحل محل " المادة الأدبية "للنص، ويصبح بالتالي النقد الأدبي نقدا لسنيا. ولا أدل على ذلك مما أضحى طقسا في جل"القراءات" التي تبدأ بالتركيب النحوي والصرفي لعنوان النص وجمله في غياب كل علاقة به من حيث هو نص أدبي قبل كل شيء.
ثم ماذا بعد ؟
نعرج على ما نسميه بنظام النص أو حسب ما هو متداول " بنية النص" ونظن بأن الأمر يتعلق به في جوهره وببنيته الممفصلة له؛ غير أن نظرة سريعة فيما معناه كافية بأن تبين لنا ما لا يعنيه. إنها ليست "بنية النص" من حيث هي في بنيويته التي يعنيها ، ولكن
" أضغاث بنية " برانيه عنه نقوم بإسقاطها عليه.
وهما نوعان :
بنية النموذج في النوع الأدبي :المستلزمات والشروطات الواجب توفرها في النص حتى يمكن له أن ينتمى إلى النوع الأدبي؛ بمعنى أنها لا تشكل "بنية" ولكن عناصر تقعيدية له وللنوع الأدبي الذي ينتمي إليه. وتتم عملية القراءة بمرجعية-نمطية لها سلطة التقويم على النص من خارجه وليس مما يتوفر عليه في ذاته الذي قد يكون اختراقا وتقويضا لها، نعالجه بالنموذج وننسى أو نتناسى من فرط الاستسهال بأنه نص أدبي لا نموذج له غير ذاته وإن كان ينتمي إلى هذا أو ذاك النوع الأدبي.
بنية النموذج النظري : ترسانة من المفاهيم يربطها خيط نظري من حيث المنهجية، أي تطبق هي البنية-النموذج على النص قياسا ومقاسا، فما هو عليه النص يقرأ من خلال ما يتوجب عليه أن يكون. ونلاحظ ذلك من خلال القراءات التي لا يهمها النص إلا بما يسمح لها من تطبيق نظرية تصطادها هنا وهناك، مثل النظرية الإيكولوجية أو نظرية أخرى كيفما كان منبع حقلها المعرفي حيث
تسقط " مفاهيمها" من أجل تتبيث نجاعتها على حساب النص الأدبي في أدبياته.
ثم ماذا بعد ؟
نفتح أبواب كل التخمينات على الاحتمالات المفاهيمة الممكنة؛ كل حسب " مايريد" : مفاهيم فلسفية، اجتماعية، نفسية..وبنفس
الطريقة، أي بنفس علاقة النموذج النظري بالنص، نترك العنان لأحكام قيمة أو الاعتبار الذاتي، فنجد غالبا صيغة لا محل لها من فهرست النقد: النص يعبر عن الواقع-يصف
الواقع.. وكأن القاري لا يعرف هذا " الواقع"، أو كأن النص منوط به أن يقارب واقعا يعرفه القارئ مسبقا ويكفي لإيضاح ذلك، أن نأخذ مثال ما نراه في بعض الجروب التي تقوم بتنظيم " سجال" حول " صورة"..وفِي قراءة السجالات من هذا أو ذاك" الناقد"لا نتوانى عن ربط قدرتها التعبيرية على التعبير عن الواقع .. مع أن الأمر يتعلق بصورة شبه-حية في التقاطها للواقع المرئي!!
حتى لا نطيل، ماذا يمكن إضافته؟
مسرح النقد حاليا هو عبارة عن تداعيات أفكار مع خلط منهجي وتخبط مفهومي في معالجة النص، وغالبا ما هو إلا اجترار لما يقوله النص، لا أقل ولا أكثر.
من حيث المنهج :لا إبداع في المنهج، فقط
انطباعات أو تطبيق مدرسي يستقي شرعيته من البيداغوجية وليس من النص. وهو ما يقتل النص وإبداعيته، لأنه لا يوجد منهج غير ذاك الذي يفرضه النص .
من حيث المفهوم : هناك جهل فظيع في في فهم المفهوم واستثماره وخصوصا تلك المترجمة بشكل خاطيء وكأنها معزولة عن سياقها النظري. المفهوم ليس مجرد فكرة أو ترجمة لمعلومة، ولا يحمل معنى في ذاته بل هو " جسد من الأفكار " المرتبطة بأفكار أخرى والمكونة هي الأخرى مفاهيم أخرى، والكل من أجل بناء معرفة ما.
خلاصة واحدة ودرس وحيد :
ليس للنقد هوية إبيستيمية، وتكاد هويته توجد في أن لا هوية له، مادام يعتمد أساسا على " إفتعال إبستمولوجي" ، أي على نوع من " التلفيق في المعرفة" كضرورة نصية. وما ينقصنا هو جعل الفكر قادرا على خلق آلياته المعرفية في كل لحظة استثمارية للنص، لا أن يستنسخ ما هو متعارف عليه.
وعليه،
فالنقد إنتاج معرفة واستثمارها وليس هو معرفة مكونة قبليا جاهزة للتطبيق على أي نص (ما عاد ذلك النقد الذي نقدمه من أجل العرض البيداغوجي). ويبقى السؤال: ماهي المعرفة التي ينتجها ويستثمرها وما هي طبيعتها في علاقتها بعالم الكلمات وأشياء العالم في تاريخيتهما؟





عن مجلة الثقافة العربية أزمان هاشم

مجلة الثقافة العربية - مجلة أدبية -شاملة - - نهتم بكافة النصوص الأدبية سواء كانت شعر أو نثر أو قصة أو مقال إلخ -- نمد إيدينا لنشر جمال اللغة العربية لغة الضاد ومساعدة المواهب الأدبية رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبادة الفيشاوي
»
السابق
رسالة أقدم
«
التالي
رسالة أحدث
التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات :

ترك الرد

close
Banner iklan disini