الأحد، 16 يوليو 2017

نمل الولد الأحمق – بقلم الكاتب- يوسف أحمد الجعفري


كان الولد الأحمق مكروهاً في البيت , هادئاً بلا دور .. بلا فائدة , صامتا ًكأبكم .. مرتبكا ًكمخطئ , له أسئلة ساذجة .. تافهة .. بلهاء , في لحظات الحنان الطارئ .. يتلعثم وينادى أُمه ( ما ..ما ..ماما ) ..تخرج رفيعة حادة .. كنداء جدي على أمه البعيدة .. كان نداؤه منفرا ً.
أخوه الفالح يحضر البرسيم والحب من الغيطان القريبة , يقفز الحيطان كقرد , يمر سريعاً كطيف , الولد الفالح مفيد جداً , محبوب جداً .
أخوه الصالح يصلى كثيراً , له جلباب نظيف وعباءة واسعة , ولحية صغيرة منمقة ومسبحة طويلة , يجلب للبيت البركة , حوله ملائكته يتبعونه أينما راح .
أخوه الناصح ذلك القريب جداً من أمه , له وجه وسيم وعين عسلية تجذب كل بنات الحي كي يتقربن إلى أمه , ويقدمن لها خدمات صغيرة , وينادينها (يا خالة), في رقة وعذوبة .
أما أخوه الشاطر فيذهب للسوق بخمس بيضات ويعود بعشرة جنيهات , تاجر يبيع ويشترى ويبيع ..ماهر كحاوٍ .. مقنع ككاهن .
كثيراً ما يجوع الولد الأحمق , فينتظر طويلاً كي تمتد المائدة حينما يأتي الآخرون , حين يجوع جداً , يذهب إلى المطبخ , باحثاً عن طعام , فلا يجده , يجد النمل يبحث في الزبالة , يقول , للنمل ( هل أنت جائع مثلى ؟ ) , ويأتي بحبيبات السكر , ينثر قليلاً منها على الأرض , يرى النمل يتجمع حولها ..يحملها , يتابع الصف الطويل وهو يسير حاملاً السكر ..بفرحة طاغية ..فينسى جوعه الشديد , يقول (النمل يحب السكر ..أنا أعطيه السكر ..هل يحبني النمل ؟.
اكتشفوا فعلته ..تأكدوا إنه أحمق جداً , ازدادوا كرها ًله , وأبعدوه في غرفة بعيدة مظلمة .
بعد أن ذاق النمل السكر .. ما عاد يبحث في الزبالة , كانوا ينتظرون الولد الذي ينثره لهم .. حين تأخر , راحوا يبحثون بأنفسهم عن مخازن السكر, وصلوا إليها عادت صفوفهم تحمل الحبيبات .
لم تفلح بركة الولد الصالح ولا أدعيته ولا أحجبته ولا بخوره الطيب الرائحة ولا العفن الرائحة في طرد النمل , ولم تتمكن بنات الحي الرقيقات من القضاء عليه , كن يقتلن منه الكثير .. فيعود أكثر .
قال الولد الفالح ( أنا مشغول بمراوغة أصحاب الغيطان .. عيونهم تترقبني .. لو غفل عقلي عن التفكير لحظة لأمسكوا بي وقتلوني .. لا تشغلوني بنملكم).
قال الولد الشاطر لنفسه .. حين تبور التجارة ولا أجد حمقى أبيع لهم بالسعر المضاعف ولا مضطرين أشترى منهم بالقليل , لا أبتئس , أبكى كالأطفال .. ألطم خدودي .. أصيح (يا أسيادي ..بيضي تكسر ..وخلفي أم مريضة وإخوة صغار ..بثمن البيض كنت سأشترى لهم الطعام ولها الدواء .. ساعدوني يا عباد الله ) , فيتجمع حولي الطيبون وأعود بالنقود , أنا ابن السوق وصاحب الحيلة , يأتي هذا الأحمق بنملة اللعين فيسرقني , هو الذي علمهم أكل السكر , يجب أن يجعلهم يكرهونه .
جاءوا بالولد الأحمق , فرح لما وجد النمل كثيراً , لكنه تذكر وصيتهم له , فقال للنمل (لا تأكلوا السكر.. السكر ليس حلوا ً) , ما أن أتم عبارته حتى ارتعش جسده وبكى , فهو يعرف أنه يكذب على النمل , سقطت دموعه حارة غزيرة , كانت الدمعة تسقط على النملة , فتتبلور ككرة زجاج بداخلها النملة , حين فرغت دموعه ,كان لديه آلاف البلورات كبيض شفاف , جمعها وأخذها معه إلى حجرته البعيدة المظلمة , رأوها في الليل مضيئة كاللآلي , أخذوها منه , عمل بها الصالح مسبحة جديدة , عمل منها الناصح قلائد أهداها للبنات تتطوح على صدورهم وتلمع , صنع منها الفالح كشافاً ساعده على التسلل ليلاً إلى الحقول , صنع منها الشاطر مصابيح شديدة الإضاءة , باعها في السوق , راجت تجارته , ملأت مصابيحه البيوت .
لما مات الولد الأحمق حزنا على النمل , خرج النمل من بيضه البلوري , كان كبيراً جداً .. بأجنحة طويلة وأنياب حادة وأرجل عديدة بمخالب قوية , التقوا في السماء .. ودعوا روحه الصاعدة .. صنعوا غيمة سوداء قاتمة .. وفى هدوء ونهم هبطوا على المدينة .
التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات :

ترك الرد

close
Banner iklan disini