» » أجمل الشعر أوجعه. الشاعر السوري مهند حليمة أنموذجا. بقلم_ محمد_ناصر_شيخ_الجعمي مجلة_أقلام_عربية العدد_60_أكتوبر_2021


إذا كان النقاد قد انقسموا إلى فئتين: فئة تقول: أجمل الشعر أكذبه،  وفئة أخرى تقول: أجمل الشعر أصدقه ولعل هناك من أضاف فئة ثالثة فقال: "أجمل الشعر أقصده".. 

فهل  يحق لنا في زمننا  هذا أضافة فئة رابعة فنقول:

" أجمل الشعر أوجعه"... 

والشعر ديوان العرب" دَوَّنَ تاريخهم وأخبارهم، فكيف يغفل عن  تَدْوين حاضرهم المعتق بالوجع حتى النخاع..

 وفي ذلك كله تظل الدعوة لإطلاق الخيال في الشعر 

والمبالغة في التَخْيِيل والتي ربما كانت أصدق من الواقعية الجامدة وقد قيل أن الشعر ضرب من الجنون، وجنون الشعر  لا يكون إلا بجمالية العناصر وسحر المعاني وهنا لنا وقفة مع قامة شعرية معاصرة  هو الشاعر السوري (مهند حليمة) 

القائل: إن لم تُثِر بالشّعرِ عاصِفةً فدَع 

تلكَ الخيولَ الجّامحاتِ لأَهلِها.. 

إنه يخالف مقولة  زياد بن أبيه حين قال:  "الشعر كذب وهزل وأجمله  أكذبه" وقد كان هذا في العصرالأموي، 

أما  في العصر  الحديث فقد غلب على  الكثير من الشعراء  المبالغة في الصور البيانية 

فأوغلوا  في الخيال الكاذب  في جميع الأقراض من وصف ومدح وهجاء معتقدين أنه لا يحلو ولا يستعذب الشعر إلا بذلك ولو كان ذلك على حساب القيم والأخلاق.. 

وقد قال حسان: 

وأن أشعر بيت أنت قائله..... بيت يقال إذا أنشدته صدقا..

وهنا يصرح مهند حليمة بأن أجمل الشعر أوجعه، حين يقول: 

و رُحـتُ أُغـلِقُ أبـوابَ الـحنينِ و قدْ... ظـلَّـتْ تـراوِدُها مِـن حُـسنِكُم شُـهُبُ

حتَّى جَمَعتُ من الأشواقِ ما عَجِزَتْ.... عـن حَـمْلِ نيرانها الأشعارُ و الخُطَبُ

قـالوا قـديماً جـميلُ الشِّعرِ ما كذَبَتْ.... بـهِ الـقوافي و قـدْ سـادَتْ بما كذَبُوا

لــكِـنَّ أجـمَـلَـهُ مــا قـيـلَ فــي طَـلَـلٍ..... أو قـيلَ فـي وَطَـنٍ أهـلُوهُمُ اغتَرَبُوا... 

إنه الشوق الذي  يتأجج في مواقد الروح والمهج 

 لمدارج الطفولة ومرابع الصبا فتزهر حدائق الذكريات  هناك حيث تناثر الفيروز وفاح بالعطر ورد الصباح  وسال مداد الشعر على وخزات  ظبات  الألم.. 

الم يقل أميرالشعراء أحمد شوقي: 

"ودمع لا يكفف يا دمشق' 

الم يقل عمر أبو ريشة: 

أطرق القلب وغامت أعيني... برؤاها وتجاهلت السوالا.. 

فماذا يقول: مهند حليمة و هو يبحث عن شمعة للروح خفت  ضياؤها فتوشحت روحه بدفء  نورها

 وهو يلملم حزن المنافي  ويرسم بالدمع والحبر حنين البيوت إلى أهلها وأوجاع  من هجروا  من أوطانهم من

 النازحين  بعد أن بعدت الديار و شَطَّ المزارُ  يقول:  مهند حليمة وهو يرقصُ على أوتار الحنين..  

مشتاقةٌ للشّامِ كلّ جوارحي.... للياسمينِ المنتشي من دِلّها 

للتينِ للزّيتونِ للجبلِ الّذي..... مازال يصطادُ النّجومَ بِمِيلِها 

ولِكُحلِها الممشوقِ ليلَ صبابةٍ..... حطّمت أنفَ النائباتِ بكُحلِها

ولِبَحرِها الممدودِ سربَ نوارسٍ..... مازالَ خِلخالاً يطوفُ برِجلِها 

كُلُّ البلادِ قصَائدٌ من لؤلؤٍ....... والشامُ أُمٌّ للقصائدِ كُلِّها..... 

         المحبوبة عند مهند حليمة كلما حاولنا ان نتخيل حسنها وجمالها الذي يصفه لنا ، وكلما تتبعنا آهاتها ولحقنا بشلالات آلامها التي صوّرها لنا في قصائده تأخذنا اقدام أخيلتنا ودقات قلوبنا ودموع عيوننا وضحكة وجوهنا إلى دمشق حيث الياسمين المعتّق منذ قرون يحتفي بنا مرحبا رغم وجعه وآلامه 

وهذا المزج والتوحد بين المحبوبة ودمشق نراه جليّا في كل قصائده 

 تعالَي فما بالعُمرِ بعدُ بقيّةٌ..... وليسَ يردُّ العُمرَ شِعرٌ وشاعرُ.. لقد شاخ الحنين وانهمرت الأعوام  وربيعك الفتان يا شام موغل في البعد والغياب  وهنا يقف  مهند حليمة  "على الحدود" يسكب عبراته "فهل عند رسم دارس من معول":.....

أمَا زلتِ تَهوَينَ العبورَ  بِزورقي... تعالي كبَحرٍ  إنّني بكِ عابِرُ 

أمَا زلتِ تخشَينَ الخريفَ على فمِي..... تعالَي كَغيمٍ إنّني بك ماطِرُ

تعالَي لأنّ الحبّ بعضُ سلاحِنا..... بهِ تحتمي أرواحُنا وتُناورُ

ولا تنقذيني إن خسِرتُ ذخيرتي  ..... فقط عانقيني إنّني لكِ شاكِرُ

...............

تقولُ الرّواياتُ التي كَبُرَت بِنا.... سنعرى شَتاتا ً والشّتاتُ سَماسِرُ 

نُبَاعُ ونُشرَى عِندَ كُلّ وقيعةٍ.... ونحنُ سُكارَى نحتسي ونُكَابِرُ 

فلا أنتَ مقتولٌ ولا أنا قاتلٌ..... كلانا قتيلٌ هكذا قالَ تاجِرُ 

فمن لم يَمُت بالسّيفِ ماتَ بقَهرِهِ...... ومن لم يمُت بالجّوعِ ربُّكَ ساتِرُ

تعالَي فما بالعُمرِ بعدُ بقيّةٌ..... وليسَ يردُّ العُمرَ شِعرٌ وشاعرُ..  

إنه يحرث أرض الشعر وهو يتجول بين البيوت الشامية العتيقة  يمر بين دورها ودروبها  يقبل كل صفصافة ويا سمينة تحمل في ثناياها عبق الشام  وذكريات الزمن الجميل وهو يقف على الحدود وقد تعبت من الوجع البلاد  فما أمر البعد وما أقسى الوداع أيها الشاعر المضمخ بجمال الشعر ورقته.. 

  لا يُكتَبُ الشّعرُ إلا والقلوبُ لظىً.... ما قيمةُ الشّعرِ إمّا خانَهُ الألمُ..  هكذا يصدح برأيه وهو يقرر حقيقة مفادها" أن أجمل الشعر أوجعه"  

وله ( وجهات نظر) حول الشعر وتعريفه 

يقول في قصيدة "وجهة نظر" وهو يمزج بين روعة الشعر وجذوة الألم بلغة رصينة مطرزة  بالجمال والرقة والوقار: 

فَلتَعبُروا الآن مَمشى النائباتِ فمُ.... ما هلهلَ الشّعرَ  إلّا والجّراحُ دَمُ 

لا تستريحُ بناتُ الدّهرِ في يدِها.... فكلّما لوّحَت لاحت لنا حِمَمُ 

تأتي على عَجَلٍ حُبلَى إذا  وَلَدَت..... تغزوك َ كالشّيبِ ناراً فوقَها تُهَمُ 

لا يُكتَبُ الشّعرُ إلا والقلوبُ لظىً.... ما قيمةُ الشّعرِ إمّا خانَهُ الألمُ 

أطالَ ربّي بعُمر النّائباتِ إذا..... أفتى بها الشُّعَرَا حجّت لهُم قِمَمُ... 

 وهَلْهَلَ الشِّعْرَ" : أَرْسَلَهُ عَلَى السَّلِيقَةِ دُونَ تَنْقِيحٍ،  كَمَا في "معجم العرب"   إنه يكتب الشِّعر ليسطر مرحلة معينة من الألم الخاص والعام  ولا يهتم بالتفاصيل الصغيرة  في علاقاته بالنخب وهو الشاعر الذي يتفتق وجعا وهو يلامس أوجاع الناس ويشعر بمعانتهم 

وهنا لابد من الإشارة إلى ان تجربته الشعرية  جديرة بالتأمل والبحث والدراسة،  وهو  الشاعر العذب والإنسان الودود المعتق بالوفاء والطيبة والأخلاق والقيم النبيلة والمشاعر الوطنية الصادقة: 

يا شامُ يا كربلاءَ الكونِ 

يا وَجَعَ العراقِ 

لمّا بِحقدٍ مزّقُوا يَمَنَه 

يا قُدسُ عُذراً 

كفيفٌ دربُ أمنيتي

وأوحَلوهُ وكُلٌّ قابِضٌ ثمَنَه.. 

هكذا يذود عَنْ حِيَاضِ الوطن  العربي الكبير ويبحث عَنْ قِيَمِ العدالة والحرية وينشد السلام للبشرية  ويذود  عَنْ  مقدساته وحُدُودِهِ ولغته وحضارته 

بلغة شعرية فصيحة مضمخة بروح  الأصالة

 والمعاصرة.

        مهند صادق حليمة: سوريّ الجنسية عربي ّ القلب والدم،  ولد في محافظة  اللاذقية - مدينة الحفة 

حاصل على بكالوريوس في اللغة العريية - جامعة تشرين 

هاجر إلى تركيا مع اشتداد الحرب في بلده ، ومقيم فيها حاليا ً

عمل مدرّساً لمادة اللغة العربية لطلاب المرحلتين الإعدادية والثانوية في مدارس سوريا منذ عام ٢٠٠٣ وفي مدارس تركيا منذ عام ٢٠١٥

نشط في المجال الأدبي منذ بدايات ظهور مواقع التواصل الاجتماعي فكان مؤسسا لمنتدى الشاعر العربي على الفيس بوك ، والذي من خلاله بدأ بمشروع ( ألفيّة الشاعر العربي في مدح النّبيّ العربي) 

رئيس تحرير مجلة الشاعر العربي الإلكترونية والتي تُعنى بنشر وتصدير كل ما هو جميل في عالم الأدب عامة والشعر خاصة

أقام العديد من الأمسيات الشعرية في سوريا وخارجها .



عن مجلة الثقافة العربية أزمان هاشم

مجلة الثقافة العربية - مجلة أدبية -شاملة - - نهتم بكافة النصوص الأدبية سواء كانت شعر أو نثر أو قصة أو مقال إلخ -- نمد إيدينا لنشر جمال اللغة العربية لغة الضاد ومساعدة المواهب الأدبية رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبادة الفيشاوي
»
السابق
رسالة أقدم
«
التالي
رسالة أحدث
التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات :

ترك الرد

close
Banner iklan disini